أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 29th June,2001 العدد:10501الطبعةالاولـي الجمعة 8 ,ربيع الثاني 1422

مقـالات

أعمال الملك عبد العزيز بمرآة الصحافة 1-3
د. محمد بن سعد الشويعر
منذ 79 عاماً، عندما دخل الملك عبد العزيز مكة المكرمة محرماً ملبياً، والصحافة العالمية متجهة أنظارها إلى الجزيرة العربية، ولشخصيّة الملك عبد العزيز - يرحمه الله - فكان تسليط الأضواء عليه دولياً منذ عام 1343هـ وكان المنصفون والمشيدون بأعماله، هم الأكثر والأرشد.. لأن الله سبحانه قد جعله حامياً للحرمين الشريفين، وأميناً على مصالح المسلمين، حتى يؤدوا حجهم بيسر وسهولة.
فكان حريصاً وعاملاً، رغم الأوضاع المحيطة به، متمثّلاً بقول الله سبحانه: «ان خير من استأجرت القويّ الأمين» فيسّر السبل، وأمّن الطرق، ودعا الحجاج بندائه الذي أرسله للعالم الإسلامي، بلغاتهم المتعددة، بأن حج عام 1344هـ ميسّر، والموانئ الثلاثة: القنفذة، الليث، رابغ مهيأة، وموفر فيها كل ما يلزم الحجاج: مواصلات وحراسة ومستلزمات أخرى، طوال أيام الحج، من الوصول حتى المغادرة.
كان ذلك النداء الموجه من الملك عبد العزيز، إلى اخوانه المسلمين في أقاصي الأرض ودانيها، بأول شعبان عام 1343هـ، وكان دخوله مكة مساء الخميس ليلة الجمعة 8 جمادى الأولى عام 1343هـ.. وقد سبقته الدعايات المغرضة، والأقاويل التي يراد منها النيل منه.
تقاطر الصحفيون والمفكرون، الراغبون في استجلاء الأمر، والوقوف على الحقيقة، الخالية من الأغراض والأهداف الشخصية والموجهة.. وكان من أوائلهم الصحفي الهندي: ظفر علي خان.. صاحب «زميندار» أي صوت الفلاح الصحيفة الشهيرة في الهند.. وتبعه صحافيون عدة من الهند، حيث صارت هذه الصحيفة مع صحيفتي: أخبار محمدي، وأهل حديث، وتبعتهن صحيفة «همدرد» صوتاً مدافعاً عن الحق، وسداً يدفع الله به آراء وشبهات أصحاب الأهواء في الهند.
فكان ظفر علي خان - فيما نعلم - أقدم الصحفيين، فإن رجال الملك عبد العزيز عندما دخلوا مكة ملبين محرمين، في يوم 17 ربيع الأول عام 1343هـ، الموافق 16 أكتوبر عام 1924م.. في تلك السنة كان ظفر علي خان في السجن الاستعماريّ، لدفاعه عن المسلمين في الهند وقضاياهم في صحيفته، وكان يديرها تلميذه «غلام رسول مهر»، فكتب في هذه الصحيفة في يوم 24 اكتوبر عام 1924م الموافق 25 ربيع الأول عام 1343هـ وقبل أن يصل الملك عبد العزيز إلى مكة، كتب تحذيراً في «زميندار» للإنجليز بعدم التدخل في شؤون الحجاز.
كما أشادت هذه الصحيفة بالملك عبد العزيز بن سعود، وغيرته الدينية، وآمال المسلمين في تحقيق استقلال الحجاز، وجزيرة العرب كلها بواسطته، ودعت هذه الصحيفة، المسلمين إلى أن يدعوا الله لنصرة هذه القوة الإسلامية، لأن هذا الدعاء هو أكبر وسيلة لتأييد السلطان عبد العزيز، وتقويته - ألم يقل سبحانه: «وقال ربكم ادعوني استجب لكم».
ويرتبط بهذا: أنه عندما اشتدّ الخلاف والنزاع، حول قضيّة الحجاز، وحكم الملك عبد العزيز فيه، وصل الأمر بخصوم ظفر علي خان في الهند، إلى أن أرسلوا وفداً منهم، بقيادة وإمارة «محمود آبا» وهو من زعماء «الباطنية هناك»..
قابل نائب ملك بريطانيا في الهند، ودعا الحكومة البريطانية إلى التدخل في الحجاز، وابعاد الملك عبد العزيز عنه، وعندما رفض ذلك، طلبوا منه باسم الحكومة الانجليزية، ومعهم وفد من جمعية خدّام الحرمين في الهند إلى اعلان وقف الحج.
لكن ظفر علي خان صمد في هذه الظروف القلقة الحالكة، على الرغم من تكفيره، ومقاطعة جريدته «زميندار» من أجل تأييده للملك عبد العزيز، والدفاع عن مواقفه، مما دفع الخصوم إلى تكفيره، وتكفير من يقرأ صحيفته.
وقد عبّر عن عواطفه الإسلامية، وأمانيه لاعلاء كلمة الله، ووحدة المسلمين، تحت قيادة الملك عبد العزيز، في عدد من قصائده، وفي خطاباته في المحافل، والمجامع.. وكان واثقاً بالله، أن أمانيه في هذا الرجل سوف تتحقّق، وبرهنت الأيام فيما بعد، أنه كان ذا نظرة بعيدة، وفراسة جيّدة، ونظر ثاقب، وأنه كان صادقاً ومحقّاً، في عقد هذه الآمال في شخصيّة الملك عبد العزيز التي شاركه فيها كثير من الإعلاميين والمفكرين العرب والمسلمين والغرب.
وفي عام 1344هـ وإزاء الإتهامات والاشاعات في الهند، والمؤتمرات التي كانت تعقد ضد الملك عبد العزيز - يرحمه الله - ورجاله قررت جمعية الخلافة والتي كان ظفر علي خان ذلك الوقت، من أبرز مؤسسيها، إرسال وفد الى الحجاز لدراسة الأحوال في المنطقة، وإسكات الخصوم في الهند، واختارت لرئاسته - وهو ثالث وفد - ظفر علي خان، ومندوباً من جمعية علماء الهند، وسكرتير جمعية الخلافة، ووصل الوفد ميناء رابغ، ومنها إلى مكة في 24 أكتوبر الموافق 8 جمادى الآخرة عام 1344هـ.
وبعد وصوله إلى مكة أرسل برقية لجريدته بلاهور يقول فيها: بأنّ خبر إطلاق المدافع على المدينة المنورة، وضرب الرّوضة الشريفة، اختلاق محض، ولا أساس له من الصحة إطلاقاً.. وبمثل ذلك: أبرق للصحف في بلاد الغرب، ليبيّن لهم وفق ما رأى.
ولما بانت له بعض النوايا من جمعية الخلافة، نصح محمد علي شريكه في العمل، وزميله في الدراسة ثم قرر الانسحاب من هذه الجمعية.. والثبات على موقفه من الملك عبد العزيز.
بل إنه استمر في تقاريره يؤكد وينصح المسلمين في الهند، بأن عليهم أن ينظروا إلى القضيّة باعتدال ورويّة، ولا يعارضوا السلطان عبد العزيز بدون وجه معقول، حيث أن هذه الأكاذيب لا تخدم الاّ أعداء الإسلام، الذين يهمهم الإفساد بين المسلمين، كل هذه الأمور وكثير غيرها، اهتم بها ظفر علي خان، تدل على صدقه وبعد نظرته، وقد صدق فيما قال: وأخلص، وحقق نتائج ظهرت آثارها، وعرفها المخلصون ممن يتلمّس مداخل الخير، واهتم بها أهل الحديث في عموم الهند، وعلماء الهند كافّة، وتحدثوا عنها في صحفهم المنوّه عنها، ووقفوا ضد الشبهات التي تثار، وبيّنوا الحقيقة، والتغيّر الذي فيه مصلحة للإسلام، ونفع للمسلمين في الحجاز، وفي المحافظة على الحرمين الشريفين وتعميرهما، من الملك عبد العزيز، الذي بذل جهده من أول يوم دخل فيه مكة المكرمة.. كما نوهت أم القرى عن هذه المواقف، فزادت مكانة مسلمي أهل الهند بذلك في بلادهم، بعد أن تجلّت الأمور.
كما أن ظفر علي خان، لم يقصر اعجابه بالملك عبد العزيز، والدفاع عنه وإبانة مواقفه للآخرين، حتى تزول الشبهة من الأذهان.. فقط.. فقد استمر في ذلك، حتى سكنت الأقوال، وخمدت الأصوات المناوئة، ولكنه رصد إعجابه بالملك عبد العزيز، شعراً معبّراً، وإحساساً نابعاً من أعماق وجدانه، من دون أن يكون وراء ذلك منفعه ماديّة، حفلت بذلك دواوينه الشعرية، لأنه وجد فيه رمزاً إسلامياً قوياً وجبلاً شامخاً يتصدى بحزم وعزم، للتيارات ضد الإسلام.. فهو يقول في إحدى قصائده:
وعندما حان الوقت لتطهير الجزيرة من البدع والفتن
أصبح ابن سعود قدر ربّ العالمين وقضاءه
تترصد صاعقة الفرنج لمعاقل التتار
ولكن لا يمكنها أن تصيب مكاسب ابن سعود
أصيب الباطل بهزّة في كيانه
عندما زأر أسد الاسلام ابن سعود من عرينه بنجد
إن قلوب أمة الإسلام مفعمة..
باحترامه في كل مكان
فكان ابن سعود حاكم البلاد من مراكش إلى الصين.
اكتبوا:
إن عبد العزيز بن سعود.. حارس الشريعة المقدسة
وقولوا:
إن عبد العزيز بن سعود حامي الدين القويم


وارفعوا أصواتكم عالية
مع الملائكة في هتافهم المدوّي:
بأن ابن سعود لقبه أمير المؤمنين

وهذا أمين الريحاني )1293 - 1359هـ( اللبناني المهجريّ بأميركا، قادته سمعة الملك عبد العزيز، وشخصيّته الفذة إلى الوصول إلى البحرين عام 1341هـ، فكتب للملك عبد العزيز بستأذن في القدوم عليه ومقابلته، فيجيبه الملك بهذه الرسالة المؤرخة في 27 ربيع أول عام 1341هـ، وهذا نصّها:-
من عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل آل سعود، إلى حضرة الوطنيّ الغيور، والمصلح الكبير أمين أفندي الريحاني دامت أفضاله آمين
سلاماً وشوقاً وبعد: فبأشرف طالع وردني كتابكم الكريم المنبئ بوصولكم البحرين، وأنكم مزمعون التوجه الى طرفنا، أهلاً وسهلاً على الرحب والسعة، بالله لقد سررت جداً بذلك، فلطالما كنت مشتاقاً للقياكم، وقد حققت الأيام شوقي والحمد لله، إلاّ أنه لا يسعني إلا أن أظهر شديد أسفي لعدم اشعاركم لنا تلغرافياً في حين توجهكم من البصرة، ذلك الأمر الذي أوجب فتوراً قليلاً في إخبارنا وكيلنا في البحرين لملاقاتكم لأني سألت الخبيرين بمعرفة أوقات وصول المركب إلى البحرين، وعلمت منهم أن المركب القادم من البصرة، ربمّا يتأخر، ولهذا وحده حصل تأخير منا فأرجوكم المسامحة، نحن بانتظاركم، وقد أمرنا وكيلنا القصيبي أن يهيئ لكم سفينة تصلكم إلى العقير، وبوصولكم إليها تجدون السيد هاشم بانتظاركم.. وبالختام تفضلوا بقبول الاحترام ودمتم.
التاريخ الختم
هذه الرسالة التي تفيض رقّة، وحسن خلق وضعها الريحاني، في مطلع كتابه ملوك العرب الجزء الثاني ص 26، في أول حديثه عن الملك عبد العزيز، وقد تركت أثراً كبيراً في نفسه، حيث علقّ عليها بقوّله: هذا أول كتاب جاءني من السلطان عبد العزيز، نشرته لتظهر حقيقة فيه، أثبت الخبر خبرها، فيظهر أن الرجل لا يتكلّف اللّطف والتواضع، لأنهما من خلاله الفطريّة، ولكان اللّطف والتواضع أجمل ما في الكتاب، لولا ردة الإخلاص، ومع ذلك فلابد من التحليل، والتعليل، توصلاً إلى الحقيقة كلها، قد تقترن عفواً رقة الشعور بالشدة حتى في البدوي، فهو إذْ ذاك رجل كبير الخلق، وقد تقترن كرهاً أي صناعة، فهو اذْ ذاك سياسي يحسن التلبيس والمجاملة، وقد لا تقترن قطعاً، فهو أسواء كان شديد البأس، أم دمث الأخلاق، رجل عاديّ، له من يومه ما لعامة الناس.
فهل الرجل الذي أنا زائره ممن طبعوا على شيمة اللطف والرقة، وكانت القوة فيهم أو في أعمالهم، نبت الحوادث والأحوال؟ أم هو سياسي محنك، يغلب خصومه بمكارم الأخلاق، ويسود أمته بالدهاء؟ هل ابن سعود من أولئك الأفراد القليل عددهم في البلاد العربية، بل في العالم أجمع؟ أولئك الذين يبقون على شيء من الفطرة مهما عظموا، أو تعاظمت شؤونهم، أولئك الذين يسيرون الى محجتهم في الصراط المستقيم، فيأخذون الحكمة من لوح الوجود لا من الكتب، ينبغون ولا يتفوّقون، ويكرهون ولا يخاتلون، ويحبون ولا يملقون، ويسودون ولا يظلمون، ويعدلون ولا يخافون غير الله؟
إننا في الطريق وستنكشف لنا الحقيقة التي تخبئها الصحراء، دون ذلك الأفق اللاّزوديّ، وراء تلك الآكام الذهبية.
هذا هو أمين الريحاني، الذي أعجب بالملك عبد العزيز، وجاء مع الوفد العربي إلى جدة، عندما كانت محاصرة ومعه حسين العويني، وطالب النقيب وفلي عام 1344هـ، للوساطة بين الملك عبد العزيز وعلي بن الحسين، ولم تنجح تلك الوساطة وألّف تاريخ نجد، وملحقاته الذي أعجب به الملك عبد العزيز، ونوهت عنه في القاهرة الصّحف: اللطائف المصورة العدد 694 عام 1928م والهلال عدد حزيران عام 1928م، والمقتطف حزيران عام 1928، وأم القرى بمكة 29 حزيران عام 1928م، وفي بغداد صحيفة العراق العدد 2459 عام 1928م.. وغيرها.. ثم كتابه الثاني ملوك العرب الذي أعجب به كثير من المستشرقين وترجم لعدة لغات ونسب إليه خير الدين الزركلي كتاباً ثالثاً قال إنه طبع واسمه: ابن سعود ونجد.
وقد ظلّ الريحاني على صلة ومودة بالملك عبد العزيز، حيث وجد فيه الشخصيّة القيادية ، التي يحتاجها العرب في ذلك الوقت، وصلابة في سبيل الوصول للحق الذي سلب منهم.. وكان يشيد به في كل موقف، الى أن توفى الريحاني عام 1359هـ.
- وشبيه بمجيء الريّحاني إلى الملك عبد العزيز، كانت هناك حالة أخرى من مفكّر مصريّ، مرّ بظروف عصيبة ولم يجد الحمى الا في كنف الملك عبد العزيز انه حافظ وهبه، الذي كتب للملك عبد العزيز بعد الريحاني بأشهر من الكويت، راغباً أن يتعاون معه، وأن يستظل في دوحته لما سمع عنه من مكانة وظفر خلال مسيرته، فأجابه الملك بتاريخ 26 صفر عام 1342هـ برسالة هذا نصها.. وضعها حافظ وهبه في مطلع كتابه جزيرة العرب في القرن العشرين بصورتها، وكانت ولادته بمصر عام 1306هـ ووفاته بروما عام 1387هـ، حيث بدأ أول حياته صحفياً بتركيا.. وهذه رسالة الملك له:
من عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل آل سعود إلى حضرة الأخ المكرم الأستاذ الشيخ حافظ وهبه حفظه الله تعالى السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مع السؤال عن صحتكم، عنا بحمد الله على نعمه بخير وبعد فقد أخذت كتابكم الدال على غيرتكم الدينيّة، وحميّتكم القومية، وعظيم اعتقادكم بنا، فجزاك الله عنا وعن الأمة العربية خاصة، والمسلمين عامة خير الجزاء: أيها الأستاذ جميع ما شرحت فضيلتكم من الآراء الصائبة فهمناه، وهو والله الحقيقة التي أتمنّاها من صميم الفؤاد، إنما كما ذكره فضيلتكم إنا لفي حاجة إلى رجال عمل فهل يتمكن حضرتكم على القدوم الينا، فقد عرّفت معتمدنا عبد الله النفيسي بمراجعة حضرتكم بها الخصوص، فلابد أن تبنيوا له رأيكم بذلك واذا عزمتم عليه فسيهيئ لكم كل ما تحتاجون اليه من لوازم السفر، ويكون ذلك حسب رغبتكم سواء عن طريق الأحساء بحراً، أو من طريق البر رأساً.. هذا ما لزم بيانه ودمتم بحفظ الله محروسين.
الختم
) للحديث صلة(
إيجاز وبلاغة:
أورد القلقشندي في صبح الأعشى: أن وفد أهل الحجاز من قريش، قدموا على هشام بن عبد الملك، وفيهم محمد بن أبي الجهم بن حذيفة العدوي، وكان أعظمهم قدراً، وأكبرهم سناً، فقال: أصلح الله أمير المؤمنين، إن خطباء قريش قد قالت فيك، وأقلت وأكثرت، وأطنبت وما بلغ قائلهم قدرك، ولا أحصى مطنبهم فضلك، وان أذنت في القول قلت.
قال: قل وأوجز: قال: تولاك الله يا أمير المؤمنين بالحسنى، وزينك بالتقوى وجمع لك خير الآخرة والأولى، إن لي حوائج أفأذكرها؟ قال: هاتها، قال: كبرت سني ودق عظمي، ونال الدهر مني، فان رأى أمير المؤمنين أن يجبر كسري، وينفي فقري، قال: وما الذي ينفي فقرك ويجبر كسرك؟
قال: ألف دينار، وألف دينار، وألف دينار، فأطرق هشام طويلاً، ثم قال: هيهات يا ابن أبي الجهم، بيت المال لا يحتمل ما سألت.
فقال: أما إن الأمر لواحد، ولكن الله آثرك لمجلسك، فإن تعطنا فحقنا أديّت، وان تمنعنا نسأل الذي بيده ما حويت، ان الله جعل العطاء محبّة، والمنع مبغضة، ولأن أحبّك، أحبّ إليّ من أن أبغضك.
قال: فألف دينار لماذا؟ قال: أقضي بها ديناً قد حُمّ قضاؤه، وحناني حمله، وأضرّ بي أهله، قال: فلا بأس تنفّس كربة، وتؤدِّي أمانة، وألف دينار لماذا؟ قال: أزوِّج بها من بلغ من ولدي، قال: نعم المسلك سلكت، أغضضت بصراً وأعففت ذكراً، وروّجت نسلاً وألف دينار لماذا؟
قال: أشتري بها أرضاً يعيش بها ولدي، وأستعين بفضلها على نوائب دهري، وتكون ذخراً لمن بعدي.
قال: فإنا قد أمرنا لك بما سألت، قال: فالمحمود على ذلك الله.. وخرج.
فقال هشام: ما رأيت رجلاً أوجز في مقال، ولا أبلغ في بيان منه، وإنا لنعرف الحقّ إاذا نزل، ونكره الإسراف والبخل، وما نعطي تبذيراً، ولا نمنع تقتيراً، وما نحن الا خزّان الله في بلاده، وأمناؤه على عباده، فان أذن أعطينا، وإذا منع أبينا.
ولو كان كل قائل يصدق، وكل سائل يستحقّ، ما جبهنا قائلاً، ولا رددنا سائلاً، فنسأل الذي بيده ما استحفظنا، ان يجريه على أيدينا، فإنه يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه كان بعباده خبيرا بصيرا.
فقالوا: يا أمير المؤمنين، لقد تكلمت فأبلغت، وما بلغ في كلامه ما قصصت.. فقال: إنه مبتدئ وليس المبتدى كالمقتدي )صبح الأعشى 1: 264 - 265(

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved