| المجتمـع
* تحقيق إبراهيم المعطش:
مع دخول معترك الإقبال على الجامعات والكليات والتقديم من قبل الطلاب، يبدأ البحث جدياً عن «الواسطة» تلك الطريقة المعضلة التي يعتمد عليها البعض كقارب نجاة من الغرق في الاصطدام بعدم القبول في الكليات او الجامعات.
بل ان كثيراً من الطلاب يدرك في قرارة نفسه ان ما ناله من درجات لن يكون له اي تأثير في القبول من عدمه، وأن الشيء الرئيسي في القبول والدخول اليها هو الواسطة لذلك يبدأ البحث هنا وهناك عن الواسطة ويبدأ الآباء متلهفين كثيراً من اجل تحريك العلاقة ايا كان نوعها لعلها تفيد في القبول وغيره، وفي هذا التحقيق نحاول طرح قضية الواسطة وعن مدى تفاعلها في المجتمع خاصة في هذه الفترة التي يكون الطلاب بحاجة كبيرة لها، وهل الواسطة التي يبحث عنها البعض يكون فيها هضم للحق ام انها غير ذلك؟
البحث عن واسطة
في البداية وامام كلية الملك عبدالعزيز الحربية يقول الاب غالب المزيني: لايخلو اي مجتمع من الواسطة مهما كان، فهي سبيل قصير لبلوغ بعض الامور واعتقد ان كل مكان فيه واسطة، لكن في هذه الايام بالذات يزداد الطلب عليها لان ابناءنا قد تخرجوا من الثانوية العامة ويريدون تحديد مستقبلهم لذلك فان الاب يحاول بكل مايملك ان يبحث عن واسطة لكي يحقق رغبة ابنه وبالنسبة لي فانا اتيت مع ابني خالد من اجل التقديم على كلية الملك عبدالعزيز الحربية ولان ابني قد تخرج من القسم الادبي بنسبة 88%، وكما ترى حشود الطلبة هنا وهنالك لذلك انا احاول ان ابحث عن واسطة لولدي من اجل ان يقبل في هذه الكلية، والحقيقة لقد حادثت احد العمداء في الوزارة من اجل ذلك، والله يكتب اللي فيه الخير.
سألناه: ولكن قد تكون الواسطة باطلة، بحيث لو قبل ابنك قد يقبل على حساب طالب آخر يستحق القبول؟
فأجاب: ابني فيه جميع المواصفات وتنطبق عليه الشروط، لكن ايضا هذا لايمنع من ان نحاول البحث عن واسطة قدر الامكان، وان شاء الله تكون واسطة خير.
مطلب مهم
عن موضوع الواسطة يقول عبدالله المناحي طالب تخرج من الثانوية القسم العلمي حيث يقول: اعتقد ان الواسطة اصبحت مطلبا مهما، وهي ليست مشكلة، المشكلة ان هناك من لا يؤمن الا بالواسطة وهذا واقع، فاعرف بعض الذين تخرجوا قبلنا في الاعوام السابقة قد توجهوا الى اقسام لاتقبل الا نسبا عالية مثل الحاسب الآلي والهندسة ورغم ان نسبتهم لاتؤهلهم الا انهم استطاعوا ان يدخلوها وبعد سؤالهم كان جوابهم واحدا ومعروفاً «الله يخلي الواسطة» التي تقرب كل بعيد، لذلك فانا الآن ابحث مع والدي لواسطة تمكنني من دخول كلية الحاسب في جامعة الملك سعود. والذي لايقبل الا من يتخرج من القسم العلمي وبنسبة لاتقل عن 90% وانا لا احمل الا نسبة 58% وهي نسبة لا تؤهلني لبلوغ ما أريد لكن الواسطة ستمكنني من هذا القسم.
والمشكلة الاخرى ايضا ان هناك مجالاً واسعاً للواسطة حيث لاتجد رفضا من بعض المسؤولين الذين ما ان تردهم هذه الواسطات حتى يعملوا بها ويتعاملوا معها بكل تقدير واحترام.
الواسطة مطلوبة رغم ارتفاع نسبتي
احمد الجهني طالب تخرج من الثانوية العامة بنسبة 92% ويبحث عن واسطة كما يقول.. سألناه: لماذا البحث عن واسطة مع ان نسبتك تؤهلك للتقديم في اي مكان فاجاب احمد: رغم معرفتي ان نسبتي هي واسطتي الحقيقية، لكن ايضا مازال الخوف يمتلكني من عدم القبول في الجهة التي اريدها، وقد يكون ارتفاع نسبتي دافعاً لأن تكون الواسطة أكثر قوة، وحقيقة استطيع أن أؤكد ان النسبة قد تفيد معك ولا تفيد، أما الواسطة فأؤكد أنها ستكون ذات نتائج ايجابية لا محالة، وهذا ما يجعل أي شخص يخاف من عدم القبول مهما كانت نسبته.
التقاليد تفرض الواسطة
يقول د. سالم الناصر استاذ علم اجتماع في جامعة الملك سعود ان هناك شعوراً يتملك الطلبة وأولياء أمورهم بأن الواسطة ذات أهمية قصوى، وان ارتباط المجتمع بعاداته وتقاليده تفرض على البعض العمل بما يسمى «الواسطة» لان أي شخص يكون في موقع مسؤولية يراه اقرباؤه انه يجب عليه ان يكون واسطة لغيره لذلك فإن عدم واسطته لأقربائه يعتبر تنكراً لهم ويقال عنه «مافيه خير لأهله».
لذلك تجد ان الكثيرين يؤمنون بمبدأ الواسطة أياً كان نوعها، اذن يجب علينا ان لا نلوم أولئك الذين يتعاملون معها لأن حتميات المجتمع وتقاليده تفرض عليهم بعض الأمور دون النظر في هل ما يتم الوساطة فيه صح أم خطأ، إلا ان البعض يواجه الواسطة بالرفض البات وهذا ما يجعله عند البعض غير محبوب وغير مرغوب فيه.
ويضيف د. الناصر: ولكن المشكلة لابد من زوالها، الاعتقاد الخاطئ في مفهوم الواسطة لان هذا المفهوم يكون مفسدة في بعض الأحيان والسبب انه يؤخذ حق من احد بالباطل، واقصد في ذلك ما يحصل من البعض وقت تسجيل الطلبة حيث تبدأ الواسطات العمل، وهنا أعتقد انه لابد وان يوضع حد لهذه الظاهرة خاصة وانها تفشت بشكل مخيف جداً وفي كل مكان.
الواسطة تخيفني
يقول الطالب عبدالعزيز الجلعود: انا عانيت كثيراً من مسألة «الواسطة» والسبب في ذلك مجموعة من الاصدقاء الذين قالوا لي ذات مرة ونحن مقبلون على اختبارات الشهادة الثانوية ان الدرجات لا تنفع بدون واسطة، وهذا الكلام جعلني حائراً لكنه لم يمنعني من ان اقدم جهدي وادرس وابذل قصارى طاقتي من اجل الحصول على درجات عالية، وهذا ما حصل بالفعل فبعد ان انتهت الاختبارات ونجحت بنسبة 94% وهذه النسبة تؤهلني للتقديم على أي كلية او جامعة، لكني فوجئت كثيراً بأن زملائي الذين كانوا يدرسون معي والذين تخرجوا بنسب تتفاوت ما بين 83 الى 89 انهم يطلبون كليات واقساماً لا تؤهلهم نسبهم لدخولها، وحينها سألتهم عن السبب فمازالوا مصرين على ان الواسطة اقوى من كل شيء، والحقيقة، ان كلامهم اتضح واصبح واقعاً فحتى اجراءات التقديم الروتينية لم تطلهم هذا بخلاف ان نسبهم لا تؤهلهم للتقديم لكن واسطتهم كانت قوية جداً.. جداً.. جداً.
رأي الشرع
وعن رأي الشرع في هذا الموضوع يقول الشيخ ابراهيم بن سعد الديداني ان الواسطة تنقسم الى نوعين، نوع جائز وهو ما يطلق عليه الشفاعة الحسنة والتي تتمثل في ايصال حق لصاحبه او توضيح أمور او إصلاح ذات البين او النفع في مسألة ما وهذه جائزة بل مطلوبة شرعاً.
وهناك واسطة غير جائزة وهي التي قد تبدل الحق بالباطل او فيها ظلم او أكل لحقوق الغير، او هضم للآخرين، فهذه واسطة او شفاعة لا تجوز ويأثم من يعمل بها.
وعند سؤال الشيخ الديداني عن الواسطة في القبول والتسجيل خاصة انها تكثر هذه الأيام في ظل تقديم الطلاب على الجامعات والكليات، أجاب الديداني: الموضوع فيه تفصيل، فإذا كانت الواسطة ستجعل هذا الطالب يقدم على غيره مِن مَن هم افضل منه او يخالف الشروط المطلوبة او يؤثر على احد المتقدمين الذين يستحقون فهذه الواسطة لا تجوز ابداً، ويأثم من يقوم بها لأن فيها تبديل الحق بالباطل وظلم الآخرين.
أما اذا كان الوضع يسمح بزيادة قبول هذا الطالب او ان قبوله لا يؤثر على الآخرين فهذه جائزة وليس فيها شيء.
|
|
|
|
|