| مقـالات
تخيل انك اطلقت سراح الخيال ليجوب آفاق ما وراء خيال الخيال بكل حرية..، ومن هناك.. من أعلى.. قمت بالهبوط «اضطرارياً» إلى حيث يقع مطار الحقيقة.. كوكب الأرض..، وفي خضم ترنحك هبوطاً على مدرج الواقع قابلك أحد الأصدقاء وبكل جدية أخبرك أن هناك شيئاً غريباً فوق رأسك..! ماذا ستفعل يا ترى..؟ هل ستصدقه فتتحسس رأسك.. أم هل ستتجاهل الأمر وكأن شيئاً لم يحدث..؟ حسناً، دعنا نقلب صفحة خيال ونفتح أخرى.. لنقول إنه حدث أنك رأيت شيئاً «أو حدثاً» غريباً فحاولت تأكيده لمن معك من الأصدقاء غير أنك فشلت رغم محاولاتك المكرورة..، بل إن اصرارك هذا دفع ببعضهم إلى وصمك بالجنون، بينما أصر عليك بعضهم الآخر ضرورة الذهاب إلى طبيب العيون، من حيث أنهم قد قدروا إن الخلل ليس ببصيرتك بقدر ما هو ببصرك، «فالشوف شجر!»..؟.. ومرة أخرى، ماذا ستفعل؟.. هل ستمضي في حال سبيلك مصدقاً نفسك.. أم هل أن تداعيات ما حدث ستؤثر في مُصداقيتك وحينها سيصبح لديك من الشك بعض الشك.. فيك!
إنه الصيف.. فدعنا نرفرف تحليقاً مع خيال آخر..، لنتخيل طبيعة ردة فعلك فيما لو استيقظت ذات صباح فاعتقدت )أنت فقط!( أن كل شيء في الحياة يعمل )بالمقلوب!( حسياً ولفظياً..، فخيل إليك مثلاً أن كل ما في منزلك قد انقلب عاليه سافله..، فتلفازك لا يفتأ يبث أصواتاً مرعبة لا عهد لك بها من قبل، وحاسبك الآلي أصبح فيروساً من الحجم الديناصوري العملاق، بل إن ثلاجتك قد انقلبت إلى )فرن!( وانقلب الفرن إلى ثلاجة )ثلجها( جمراً..، حتى )كنبك!( الوديع الوثير أصبح في نظرك بعبعاً يطاردك في كافة أرجاء المنزل.. بل إنك فوجئت وأنت في خضم صراخك لفهم ما يجري من حولك أن لا أحد يفهم لغتك المقلوبة هي الأخرى..، فهربت إلى الشارع طلباً للنجاة فلم يزد هذا روعك إلا روعا.. حيث تراءت لك رؤوس الناس زرافات ووحدانا مقطوعة تمشي على الأرض..، بينما تمرق أرتال السيارات بجانبك وهي سائرة إلى الخلف..خلفك!
حسناً كيف حالك الآن..؟ هل بدأت تحس بقشعريرة من البرد تسري في جسدك رغم حرارة الأجواء والأنواء..؟ وما هو سر هذا «التنميل!» الذي بدأ يدب في اطرافك..؟ حسنا لا شيء يدعو للقلق حتى الآن، فلا داعي إذن للقلق، فكل ما في الأمر أنك لم تر شيئاً بعد..، لم تنقلب من حولك الأشياء التي حولك!.. بل ربما أنها لن تنقلب أبداً، غير أنك قد بدأت تحس بأن «الأنا» الفاعل الأناني فيك قد بدأت بالتوجس خيفة، فامتشقت أسلحة الغرائز الدفاعية خوفاً من تحولها من فاعل إلى مفعول به..، هنا أجد القلم مجبراً على التوقف على أعتاب ما ليس بمباح، لأقدم لك التهنئة على نعمة تصميم «مخك» بطريقة تضخ بكيانك وقود انكار الواقع «المؤلم» بمجرد تحسن هذا الواقع، فنسيانك الأسوأ مما حدث..، وما سوف يحدث..، رغم أن قدرك حدوث الأسوأ في أي لحظة..، وهذا هو في الحقيقة نتاج «نعمة» جهلك بما سوف يحدث لك في الغد المجهول القادم لا محالة،.. إنه الجهل الأغزر علما من كل علوم الدنيا.. انه مصنع الأمل.. صانع مركبة العبور إلى الغد القادم ليعبر.. بالمناسبة أجد نفسي الآن مضطراً على سحب ما قدمته لك آنفاً من تهنئة، فلعله قد اتضح لك الآن أن حقيقتك الانسانية هذه هي السبب الرئيس في أن كفة ما صرفه الانسان من دم ودموع ندم هي الكفة الأرجح بالكم.. بالنوع.. بالنفاد.. بالعبث.. فلا عجب ألا تجد فرداً خبر الحياة زمناً وألماً فلم يسمها بالقبح أسى وحسرة..، فدونك أحدهم.. ممن تذوق موائد موائد الحياة غير أن الأمر انتهى به الى قصعة الاضطرار.. الجيفة.
ما )كانت( إلا كحلم مَيْتٍ دعا إلى أكْله اضطرارُ!
للتواصل: ص ب 454 رمز 11351 الرياض
|
|
|
|
|