| مقـالات
إن أصدق تحديد للمخدرات وأوضح تعريف لها، ما ورد عند كثير من العلماء والباحثين من حيث أنها: كل مادة خام أو مستحضرة )أي مصنوعة( تحوي عناصر منبّهة أو مسكّنة، من شأنها إذا استخدمت في غير الأغراض الطبية والصناعية أن تؤدي إلى حالة من التعوّد أو الإدمان عليها مما يضّر بالفرد والمجتمع جسمياً ونفسياً واجتماعياً.
والمخدرات استخدمت منذ أمد بعيد، بيد أن الاقبال على المخدرات في العصور المتأخرة بدأ يتزايد بشكل كبير، مما أقلق المصلحين والساسة ورجال التربية والتعليم.
وبنظرة فاحصة لتاريخ استعمال المخدرات، نجد أن أقدم الحضارات عرفت المخدرات الطبيعية، فالأفيون يرجع تاريخه إلى أكثر من أربعة آلاف سنة قبل الميلاد، حيث وجدت لوحة سومرية تدل على ذلك، وكان السومريون يطلقون على الأفيون نبات السعادة.
ثم استخدم المورفين في الحرب الأهلية الأمريكية لتخفيف آلام جرحى الحرب، ولكن الأطباء لاحظوا أن متعاطي هذا العقار أدمنوا عليه فأطلق عليه اسم مرض الجنود.
وفي عام 1889م تمكّن عالم انجليزي من التعرّف على مركب مستخرج من المورفين، واستخدم في علاج مدمني المورفين، وبيع تحت اسم الهيروين، ولم يعلموا أنه أخطر من المورفين.
أما الحشيش فقد عرف منذ 2700 سنة قبل الميلاد عند الهنود والصينيين خاصة، وعرف الكوكايين منذ 500 سنة قبل الميلاد في أمريكا الجنوبية حيث كان يتم مضغ أوراق نبات الكوكا. ويرجع تاريخ القات لعام 525م حين أدخله الأحباش إلى جنوب الجزيرة العربية.
وعلى وجه التحديد، لا يعرف تاريخ بدء ظهور المخدرات في بلاد المسلمين. فشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يرى أنّ بدء ظهور الحشيشة بين المسلمين كان في أواخر المائة السادسة وأوائل السابعة، حين ظهرت دولة التتار.
ويقول الزركشي رحمه الله : كان ظهورها على يد شخص يدعى حيدر، سنة خمسين وخمسمائة تقريباً، ولهذا سميت حيدرية، وذلك أنه خرج هائماً نافراً من أصحابه، فمر على هذه الحشيشة فرأى أغصانها تتحرك من غير هواء، فقال في نفسه هذا السر فيها فاقتطف وأكل منها، فلما رجع إلى أصحابه أعلمهم أنه رأى فيها سراً وأمرهم بأكلها.
وإذا كانت أنواع المخدرات كثيرة من مثل الحشيش والماريجوانا والأفيون والمورفين والقات والكوكايين والهيروين، فإن أسباب انتشارها كذلك كثيرة من مثل البطالة والفراغ والفقر وتقليد الآخرين وقرناء السوء وأرباب الفساد وتجار الرذيلة والخواء الروحي.
إن المخدرات مضيعة للأوقات مذهبة للعقول، ومتى ضيّع الإنسان أوقاته، وذهب عقله، فسيجره ذلك لتضييع أعظم ركن من أركان الإسلام ألا وهو ركن الصلاة.
كما أن الآثار الناجمة عن المخدرات خطيرة، وعلى سبيل المثال هناك آثار جسمانية كارتفاع في ضغط الدم، وسرعة في دقات القلب واحتقان في العينين وجفاف في الفم ورعشة في اليدين والتهاب في الشعب الهوائية.
وهناك آثار اجتماعية كالتفكك الأسري وحالات الطلاق وتشرد الأطفال وانتشار الرذيلة وتفشي الجرائم والسرقة وأنواع عديدة من الفساد والمنكرات.
إن أي دولة تقاس قوتها ومكانتها بوضعها الاقتصادي، والمخدرات مدخل خطير لهز الاقتصاد في أي دولة مهما كانت قوتها الاقتصادية.
وتتضح الآثار الاقتصادية للمخدرات فيما يلي:
)1( إن مساهمة الفرد في الإنتاج يتوقف على قدرته البدنية، فإذا كان صحيح الجسم متقد الذهن مستقيم الفكر، فإنه يكون لبنة صالحة في المسيرة الاقتصادية.
)2( كثير مِنْ مَنْ يتعاطى المخدرات ويدمنها يصل بهم الإحباط النفسي من تأثير المخدرات إلى تخليهم عن أعمالهم ووظائفهم.
)3( إن علاج مدمني المخدرات يحتاج إلى عيادات ومستشفيات نفسية صحية، وهذا يتطلب وجود أطباء ومتخصصين في هذا المجال، وهذا ولا شك يؤدي إلى زيادة النفقات الحكومية.
)4( تنتشر البطالة في المجتمع الذي يكثر فيه تعاطي المخدرات، وذلك لأن الكل مشغول بالمخدر دون سواه، مما يؤدي إلى قلة انتاج هذا المجتمع.
إن المخدرات صنوف استهلاكية ضارة، من شأن الإنفاق عليها أن يستنفذ جانباً من القوة الشرائية العامة، هذا الجانب يعد ضياعاً، بمعنى أنه كان سيصرف على الضروريات لو لم يُصرف عليها.
والعالم الإسلامي يستهلك مواد مخدّرة بمئات الملايين من الدولارات. وقد أوضحت الدراسات العالمية أن تعاطي التبغ مثلاً ازداد في البلاد النامية ومنها العالم الإسلامي وبلغت نسبة الزيادة في آسيا 30%، أما في أفريقيا فقد زادت نسبة التعاطي بدرجة كبيرة بلغت 170%.
وفي دراسة أخرى تبين أن حجم الأموال التي تنفق على عمليات الاتجار بالمخدرات في الوطن العربي تجاوز 50 مليار دولار سنوياً.
إننا أمام ظاهرة عالمية، ولاسيما أن آثارها وأخطارها وصلت إلى درجة متقدمة، كما أن أسبابها تجاوزت المعتاد، بيد أن الأمل يحدونا في سبيل علاجات ناجعة وحلول مناسبة وإجراءات حكيمة وجزاءات رادعة، تحمي الدين والمجتمع، وتحفظ للأمة كرامتها ومكانتها.
* عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود
|
|
|
|
|