| مقـالات
كنتُ قد قلتُ قبل الآن إن العجلة وحب الوصول إلى النتيجة مع ما يمس البعض من قصور التصور يدفع هذا وذاك إلى نقد حار من قبل المتخصصين الدقيقين لما يرونه من هم كبير أثقل العلم حتى ناء بكلكله فبجانب العجلة وعدم الإحاطة بالمنظور وضيق النفس والخوف من الإضافات الاجتهادية التي قد تكون صواباً كل ذلك سبب أوأنه قد سبب مراوحة العلم فلا يبرح مكانه.
كثيرة هي الدراسات والبحوث والتحقيقات والتخاريج والاجتهادات التي تحتاج إلى الموهوب أو الفذ الذي يحصل له بالاكتساب ما يحصل للموهوب سواء بسواء.. تحتاج إلى هذا خاصة والنوازل تتجدد والنظر يتفتح قدماً قدماً.
ولقد لمت الكثير في كتابي )النقد العلمي لمنهج المحققين..( لمتهم لأنهم لم يستعملوا إلا ربع الوقت وقدرا قليلا من العقل ولم أزل أنحو باللائمة على الكثير من العلماء في العالم الإسلامي لما يحصل مما يبذلونه من جهد فيلاقي نقداً وتقويماً صحيحين الأمر الذي يوجب دون ريب إلى جعل جل الوقت وجزء كبير من قدرات العقل للاضافات العلمية ضابطُها العقل والحكمة ومعرفة الصحيح والضعيف من الآثار بجانب سعة الاطلاع وطول النفس والتواضع وتلمس الحق بدليله أو تعليله: السالم من المعارض.
وهذا الكتاب الذي بين أيدكم جلكم نظره وراجعه لشهرته وأهميته طرحه الإمام ابن أبي الدنيا مجتهداً فأفاد وكتابه بعده استفاد، والمحقق المعلق عليه الأستاذ مجدي صدره من الرحابة بحيث يُحب مثل هذا النقد والتوجيه اللذين صدرا من محب متمكن مُتخصص، ولا يضيق صدره وقد نشر تحقيقه وتعليقه وان قسوت عليه فإنما لأبين حالة العجلة والاتكال )فقط( على خمسة أو ستة مصادر مع أن الأمر يتطلب السعة من باب الأمانة ومن باب مالا يتم الواجب إلا به.
وقلب النظر وأجل )بكسر الجيم( تارة وتارة أجل البصر هنا وهناك تجد عجباً فلابد من التأني والحكمة وسعة الاطلاع وحسن التصور والإضافة العلمية في النص لا مع النص الصحيح.
وندلف الآن إلى ما ورد في كتاب )الحلم( للإمام ابن أبي الدنيا حققه وعلق عليه مجدي السيد إبراهيم.
جاء في ص25: )حدثنا أحمد بن جميل أنا عبدالله بن المنهال أنا معمر عن جعفر بن برقان قال: قال معاوية: «لا يبلغ الرجل مبلغ الرأي حتى يغلب حلمه جهله، وصبره شهوته، ولا يبلغ ذلك إلا بقوة الحلم»(.
فهنا تركه الإمام أبوبكر القرشي ابن أبي الدنيا فلم يبين حالة رجاله لكن هذا قد يكون على شرطه وقد تساهل رحمه الله لأن ما يكتبه في )الرقاق( ولا يتعلق به حكم عبادة أو حكم معاملة وان كان هذا محل نظر لكن الإمام قد يكون وقف في الرجال على مالم نقف عليه فجلبه.
أما المحقق فلم يتعرض لسنده أبداً فلم يحقق شيئاً حياله إنما علق على المتن أو نقل ولم يحقق نقل كلاماً لأبي حاتم البستي من /روضة العقلاء/ ص213 فقط.
والذي يظهر لي أن هذا أمر فيه تقصير بيِّن حتى وان كان المتن في الرقاق /والحكمة ولا ليترتب حكم ما لأن التساهل في نظر السند يفتح باباً كان قد حصل ما بين سنة 300ه/ حتى 600ه فدخلت الرقاق والمبالغات وكثير من البدع حتى جاء /ابن كثير/ والمزي/ وابن حجر/ والعيني/ والذهبي/ والصالحي الدمشقي فتوسعوا في حال الرواة ما لهم وما عليهم وبينوا أمرهم ما بين /ثقة/ وضعيف/ وصدوق/ ويهم/ ويدلس/ ويكذب حتى إذا ما أريد معرفة متنٍ ما رُجع إلى إسناده من خلال معرفة الرواة في السند الواحد.
ومن هنا فلابد من معرفة الرواة حتى وان كان المحقق أو المصنف يذهب إلى التساهل من باب ما لابد منه وأداءً للأمانة وإذا لم يكن من ذوي القدرة فيسأل ويستشير لأن الكتاب بل مجمل القول دال على عقل صاحبه وعلمه وفهمه.
فأقول: السند /حسن/
والمتن معناه صحيح، ولا يضر وجود معمر هنا لكونه: ثقة يهم،
وفي ص26 جاء هناك: )حدثنا محمد بن حميد نا عبدالله بن المنهال أنا حبيب بن حجر العيسى قال: كان يقال «ما أضيف شيء مثل حلم إلى علم»(.
وتركه أبوبكر القرشي.
وتركه المحقق إنما نقل ما قاله أبو حاتم البستي في الروضة
والذي يظهر لي صحته إلى/ حبيب بن حجر العيسى، فهو من أهل هذه الدرر وابن حميد والمنهال ثقتان.
وفي ص27: )حدثنا الحسن بن عبدالعزيز عن ضمرة بن ربيعة عن رجاء بن أبي سلمة قال: )«الحلم أرفع من العقل لأن الله )تعالى( تسمى به»(.
تركه أبوبكر
وتركه المحقق إنما قال في هامش )34/35(: له ترجمه في الحلية )6/91( و)قال أبو حاتم الخ..(
فما هذا..؟
والذي يظهر لي أمران:
1 ضعف ضمرة بن ربيعة، وهو من المتفق والمفترق.
2 ضعف المتن أصلاً.
لأن الحلم صفة من صفات العقل السليم فلا تكون الصفة المعنوية أرفع من الموصوف ولا يقال: )لأن الله تسمى به( فهو أرفع من العقل لأن أسماء الله وصفاته سبحانه لا تتعدى إلى ما يتصف به العباد من حيث المعنى فالله جل وعلا )حليم( والعبد قد يكون حليماً وهكذا )قدير( و)عزيز( فيبطل المتن من حيث هذا وباب هذا واسع ليس هذا محل بيانه لكن لعل مشكلة الفهم عند الأستاذ مجدي جعلته يمر على هذا على المتن دون توجيه.
وفي ص27 )حدثني إبراهيم بن عبدالله نا سُنيد بن داود ذكر حجاج بن محمد عن عقبة بن سنان قال: قال أكثم بن صيفي: «دعامة العقل الحلم وجماع الأمر الصبر وخير الأمور العفو»(
تركه الاثنان
والذي يظهر لي: صحة نسبه إلى أكثم بن صيفي لأن مثل هذا مقارب لحكمه وأمثاله
لم أقف على )إبراهيم بن عبدالله( لأن كتب التراجم ذكرت أكثر من عشرين شخصاً كلهم يسمى بإبراهيم بن عبدالله مع النسب، وقد أشكل علي هذا.
قلت وفيه انقطاع وإرسال فإن )عقبة بن سنان( لم يدرك أكثم بن صيفي، وصيغة عقبة جاءت على طريقة صيغ الجزم
قلت كذلك: ولا ضير في هذا فإن الحكم والأمثال يتناقلها الناس جيلاً بعد جيل وهذا حسن ومفيد مالم تكن مخالفة مما هو معلوم من التحريم بالنص.
وفي ص28 جاء هناك: )حدثني عبدالرحن بن صالح الأزدي نا يزيد بن هارون عن حماد بن سلمة عن ابي جعفر الخَطَمي أن جده عمير وكانت له صحبة أوصى بنيه: «يا بنيَّ إياكم ومجالسة السفهاء فإن مجالستهم دناءة من يحلم على السفيه يُسر بحلمه ومن يجبه يندم، ومن يصبر على ما يكره يدرك ما يحب وإذا أراد أحدكم أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فليوطن نفسه على الصبر على الأذى ويثق بالثواب من الله )تعالى( فإن من وثق بالثواب لم يجد مس الأذى»(.
تركه أبوبكر القرشي
وتركه المحقق فلم يحقق السند مع أنه كتب على الغلاف تحقيق وتعليق، وشرح بعض العبارات الواردة في هذا الأثر ولم يعلق عليها فالتعليق شرح وزيادة
والذي ظهرلي ما يلي:
1 أن السند في جملته على شرط مسلم.
2 أبو جعفر الخطمي/ فيه نظر/.
3 جده عمير/ له صحبة كما ذكر ابن أبي الدنيا.
4 المتن تصح نسبته إلى عمير بكونه حسناً.
وليت المحقق نظر حال السند فإن كتب التراجم متوفرة وكذا كتب الجرح والتعديل ما دام قد بحث في هذا الأمر الذي يؤجر عليه ويحمد ان شاء الله تعالى.
وفي ص31 جاء هناك: )حدثني صالح بن مالك نا أبو عبيدة الرياحي عن الحسن قال: «لأهل التقوى علامات يعرفون بها: صدق الحديث، وأداء الأمانة، والإيفاء بالعهد، وقلة الفخر والخيلاء، وصلة الرحم، ورحمة الضعفاء، وقلة المثافتة للنساء، وحسن الخلق، وسعة العلم، واتباع العلم فيما يقرب إلى الله زلفى»(.
تركه أبوبكر القرشي مع أنه في زمن الرواية.
وكذا فعل الأستاذ/ مجدي، إلا أنه أجاد في التعليق على ما ورد في كلام الحسن.
قلت: والحسن هو البصري، صدوق، رأى جملة من الصحابة منهم أنس بن مالك وأمه تسمى الخيرة عاقلة حكيمة عاش ما بين المدينة والعراق، وعداده منهم
قلت كذلك واللذان قبله: ابن مالك، والرياحي، صدوقان،
والمتن إلى الحسن مقارب، وهو كلام نفيس جليل لمن تأمله وأخذ به،
وفي ص35 جاء: )حدثني ابن أبي حاتم الأزدي نا عبدالله بن داود قال سمعت الأعمش يقول: «السكوت جواب»(
قلت ابن أبي حاتم لم أقف عليه حسب جهدي وهو غير ابن أبي حاتم الرازي
وعبدالله بن داود ثقة، وله مشارك في الاسم من الرواة،
والأعمش هو: الإمام الكبير سليمان بن مهران ثقة لكنه: يدلس،
وقول الأعمش صحيح فإن السكوت عن: السفيه، والأحمق، والحاسد، والظالم الجبار جواب،
وورد في ص35 كذلك ثلاثة آثار تدور عن الحلم ففي الأول:
1 «من الحليم؟ قال الذي يصلح السفيه»
قلت: صحيح.
2 «ما الحلم؟ قال الذل»
قلت: لكن أمام من لا يتورع من البغي.
3 )قال: قال معاوية: «إن الحلم الذل»
قلت مثله(،
وكل هذه الآثار تركها أبوبكر وكذا المحقق مع أن الرواة كلهم معروفون وحتى وان كان الأثر جاء عن بعض التابعين فإن معرفة حال الرواة مهمة في بابها،
أرأيت من يقول مثلاً: أصح القولين في هذه المسألة، أو يقول: أجمعوا عليها، أو هي: محل إجماع، أو يقول: هذا هو الراجح دون بيان لوجه كل قول ودليله الصحيح أو تعليله السليم هل ينظر إلى قوله من العلماء الذين قد وقفوا على مالم يقف عليه.
بل: إن قول محل إجماع أو أجمعوا عليها محل نظر فمن هؤلاء المجمعون هل هم علماء الفقه في مسألة فقهية أو الحديث أو الأصول أو التفسير كل في بابه أو هي مسألة أجمع عليها الكل؟
فلابد إذاً من بيان حال رواة السند حماية لجناب التوحيد من أن يكون أحد الرجال مبتدعاً أو زائغاً، وكم قد أجاد الإمام/ مسلم بن الحجاج في )مقدمة صحيحه( وكذا فعل ابن أبي حاتم الرازي في )مقدمة الجرح والتعديل(. م/1/ص5/100.
|
|
|
|
|