|
| مقـالات
مع ايمان كل منا بأن الاكتفاء الذاتي في اي مجال يحتاج الى وقت وان ما لا يدرك كله لا يترك جله إلا ان خططنا نحو كثير من المجالات وسد حاجة مجتمعنا فيها عن طريق تأهيل مواطنيه بطيئة، ومن ناحية مكلفة مقارنة بخطط بلدان اخرى في نفس المجالات وبغض النظر عن الاخيرة فإن البطء والتراخي أمر مدرك ففي مجال الصحة مثلا فقد ذكر احد عمداء كليات الطب منذ مدة طويلة اننا نحتاج ثمانين عاما لكي نكتفي من الاطباء وبالطبع كان ذلك في ضوء اعداد كليات الطب واعداد المقبولين فيها وقتذاك لكن على الرغم من زيادة كليات الطب بعد ذلك إلا انه واكب ذلك زيادة كبيرة في عدد سكان المملكة خلال العقدين الاخيرين ضاعفت الحاجة الى الاطباء ولم تتضاعف كليات الطب واعداد المقبولين فيها وبالطبع ناهيك عن محدودية إمكانات القائم منها وعدم استيعابه لاعداد اكبر على الرغم من الاقبال الشديد عليها ومن ثم تحصنت برفع نسب القبول فيها والمقابلات الى معدلات عالية تقرب من المائة في المائة وقد تكون معذورة في ذلك في ضوء إمكاناتها وطاقة استيعابها، لكن اين خططنا القريبة والبعيدة من الاستجابة لمتطلبات المجتمع ومحاولته الجادة ورغبة ابنائه في سد حاجته في هذا المجال المهم اذ على الرغم من كلفته الا ان الاكتفاء فيه خلال عقدين او ثلاثة امر ممكن ولن يكون اكثر من مجالات اخرى هو اولى منها ولا سيما بعد ان عده القطاع الخاص ميدانا للارباح الخيالية وزاحمت مستشفياته ومستوصفاته وصيدلياته المساكن والتموينات في حين الادارة والمستوى معتمدة على غير أبناء هذا المجتمع وتوازي فواتير العلاج فيها احيانا دخل المواطن المتوسط او العالي الشهري، فإذا انتقلنا الى مهنة التمريض وهي مهنة مساندة للطب وجزء لا يتجزء من المجال الصحي في اي مجتمع فإن مجتمعنا يحتاج من الآن قرابة خمسين سنة أخرى في سبيل الاكتفاء فيها ولما كانت بداية خطط التمريض بدأت عندنا منذ عام 1385ه فإن وعلى الرغم من عقباته وعدم نجاحنا في قولبة هذا المجال وفق مقتضيات حال مجتمعنا وظروفه وخصوصيته إلاّ أنه أقل تكلفة من المجال السابق والإقبال عليه أكثر إلاّ أننا نحتاج علاج مشكلته وقوالبه وتطبيقاته الغريبة عن هذا المجتمع ولن نعدم الوسائل في ذلك حتى لا نحتاج فيه نصف قرن آخر للاكتفاء فيه أيضاً.
أما جودة الطب ومستواه من حيث تعميمه وأدواته ومعامله ومبانيه والأدوية فينبغي أن يكون الاهتمام بها موازيا للاكتفاء الطبي المنشود في عقدين أو ثلاثة لكن ليس في قرن أو قريب منه ناهيك عن البون الشاسع في مستواه في تلك الجوانب بين المدن الكبرى والمدن الصغرى على ما في الجميع من قصور وعجز أو روتينية مدركة.
وهذا كله يحتاج إلى خطة أخرى موازية تمثل خط الدفاع الصحي الأول وتتمثل في تفعيل دور طب الأسرة والرعاية الأولية وحملات التوعية والوقاية من الأمراض وضرورة خلق وعي صحي في مجتمعنا يكون جزءا من ثوابته وقيمه وبنيته التعليمية والتربوية وعندها سيوفر علينا المال والإمكانات الباهظة التي يحتاجها الطب والعلاج جراء القصور أو التراخي في تلك المجالات وأهم من ذلك ستهب تلك الخطة لمجتمعنا مزيداً من العافية والصحة وتحفظها عليها، ولكن ذلك لا يتم باهتمام ثانوي أو بطيء أو موسمي أومحدود لا يلبث أن ينتهي بانتهاء مناسباته وإنما يحتاج إلى خطط وسياسات طبية ومراكز وكوادر بشرية تعد وتنفذ وتفعل باعتبارها برنامجا مستمرا وخطة مستديمة وقدراً مقدوراً في حياة هذا المجتمع منذ نشأة أجياله وحتى كهولتهم أينما كانوا وحيثما استقروا. هذا إذا كنا نرغب الرقي والتقدم مثل العوالم الراقية في هذا الميدان. أما إذا كنا نريد المقارنة ببعض البيئات الأفريقية فلا داعي أساساً لهذه الآمال والمقال ولو بعد قرنين.
|
|
|
|
|
