أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Wednesday 27th June,2001 العدد:10499الطبعةالاولـي الاربعاء 6 ,ربيع الثاني 1422

متابعة

الوقاية من المخدرات بين التشاؤم والتفاؤل
د. عبدالرزاق الحمد
يمكن لنا أن نشبه تعاطي المخدرات بالذنب فالغالبية من الناس الأسوياء يحاربونه ويقفون ضده دونما أي وعي أو معرفة لماهيته أو تفصيلات حقيقته وآخرون كثيرون ينشدون الخير في الوقاية من شر المخدرات دونما أي وعي لما يجب الوقاية منه أوكيف يمكن تحقيق الوقاية في الواقع. ولذا تتسارع الجهود والضغوط التي تؤدي إلى برامج وحملات وقائية ولكنها للأسف غير فاعلة ولا مواتية فمثلاً أكثر هذه الحملات تركز على طلاب المدارس وتقوم على الاعتقاد السائد والساذج أن الأطفال إذا أخبروا بأضرار المخدرات فلن يتعاطوها ويكون رد الفعل لهذه الحملات الفاشلة اليأس والتشاؤم الذي لا داعي له، كما تعطي هذه الحملات صيغة سيئة للوقاية مما يدعو إلى التقهقر إلى النظرة السوداوية والتي تقول ليس بالإمكان عمل أي شيء تجاه سموم المخدرات.
ولكن الأمل يشرق أمامنا إذا ما توجهنا باستراتيجيات متعددة وعلى مستويات مختلفة وفي المجالات المتاحة كلها وكانت هذه الاستراتيجيات مستمرة متواصلة ومدروسة علميا وواقعيا فستكون الوقاية عندئذ أفضل من العلاج.
ومع ذلك فإن التخلص من التعاطي في مجتمع ما نهائيا والقضاء عليه تماما يبدو مستحيلاً وفي ذات الوقت فإن الوقاية وإن حققت انتصارات إيجابية إلا أنها عملية ومسؤولية شاقة ومكلفة، فمثلاً يظهر لنا أنها استراتيجيات بديهية ومعقولة لا تنجح دائماً وقد يكون لها سلبيات غير متوقعة. وعليه فان دراسة هذه الصعوبات أمام العمل الوقائي ضرورة ملحة تمثل أرضية علمية ومنهجية لعمل وقائي فاعل متفائل.
الصعوبات الوقائية:
عدم وضوح الهدف:
إن تحديد الهدف ووضوحه يشكل صعوبة أمام فعالية حملات وبرامج الوقاية، فهناك فرق واضح بين أن يكون الهدف هو تخفيف الأضرار والآثار المترتبة على التعاطي أو أن الهدف هو منع التعاطي وإيقافه والبعد عنه وكذلك هل الهدف هو الوقاية من التعاطي ذاته أم الوقاية من آثار وأضرار التعاطي. وهل الحملات الوقائية تقصد إلى التركيز على الوقاية من الدخول في التعاطي أم الوقاية من التعاطي المزمن، ولذا فإن كل هدف له وسائله وبرامجه وحملاته المختلفة. وعليه فان وضوح الهدف أو عدم تحديده قد يكون سبباً في فشل الحملة الوقائية.
عدم تحديد الشريحة المستهدفة في المجتمع:
ولهذا علاقة بما قبله ولكن المشكلة هنا هو عدم تحديد التجمع المستهدف للحملة الوقائية، فما يصلح لشريحة المراهقين لايصلح للراشدين والكبار وكذلك الرجال والنساء قد يحتاجون إلى طرق وبرامج مختلفة. ولذا تفشل استراتيجيات الوقاية إذا ما وجهت نحو شريحة اجتماعية واحدة كالتركيز على المراهقين فقط واهمال التعاطي لدى الكبار أو افتراض ان المستهدفين هم شريحة واحدة لها طبيعة واحدة توجه لها استراتيجية وقائية واحدة.
وهم الشعار الواحد:
إن من أكبر الصعوبات ان تختزل القضايا الاجتماعية المعقدة كقضية المخدرات باللجوء إلى حل سطحي بسيط لرغبة فردية من خلال شعار معين كما يزعم البعض، مثلاً ان التركيز على الفصول الدراسية وتعليم الأطفال ليقولوا )لا للمخدرات( هو الشعار الفعال وآخرون يزعمون عدم جدوى ذلك وآخرون يرون ان تحسين الوضع الاجتماعي المدني هو الحل الوحيد. ولكن يغيب عن كل هؤلاء ان الحلول الاختزالية المبسطة لقضية معقدة متشعبة كالمخدرات غير مجدية.
التركيز علي مخدر واحد ونسيان غيره:
إن النظرة الوقائية الشاملة المتكاملة والتي تتوازن بحسب انتشار كل مخدر في المجتمع هي الاستراتيجية السليمة والتي يجب أن لا نعدل عنها إلا لضرورة وبشكل مؤقت وإذا نظرنا إلى الآثار الصحية للمخدرات فغالباً ما يركز على الآثار الأقل انتشاراً ونغفل الآثار المنتشرة والخطيرة، فمثلا نركز كثيرا على الهيروين وخطورته بينما يموت أعداد أكبر بسبب الكحول والتدخين. ولذا علينا أن نتوازن في استراتيجيتنا الوقائية بين هذه كلها ونواجه المخدرات جميعها.
ضعف الالتزام:
إن الضمانة الوحيدة بإذن الله لنجاح العمل الوقائي هي الوعي الكبير لدى المواطن والمجتمع والالتزام الاجتماعي لمواصلة الإجراءات والفعاليات الوقائية اللازمة وبغير هذا الالتزام لن خرج إلا بشعارات فارغة ومواقف سياسية انتهازية.
وأخيراً فان جميع القوى الدافعة ضد الوقاية ستنجح في النهاية.
مثلاً التدخين فإن الدعاية المضادة من مؤسسات المجتمع المتعلق بالرياضة والفن في كل مشهد وإعلان هي التي تتغلب في النهاية، فالالتزام من المجتمع ومؤسساته جميعها في موقف واحد متكامل منسق ضد المخدرات ومحاربتها والوقاية منها هو مد يجب أن نطالب به ونناقشه وندفع إليه ونواصل العمل به إذا ما أردنا الاستراتيجيات الوقائية ان تكون فاعلة لا مجرد شعارات.وبالتالي فإن هذه الصعوبات تستدعي ان نبادر إلى برامج وحملات علمية مبرمجة مدروسة شاملة متكاملة تستنهض همة المواطن والمقيم وتستجلب الالتزام من مؤسسات المجتمع كلها شعوراً بالمسؤولية والأمانة التي ننهض بها لله تبارك وتعالى ثم لحياتنا الإسلامية الحضارية السعيدة في وطني نرعاه ويرعانا حباً وولاءً.
أستاذ مشارك الطب النفسي
كلية الطب جامعة الملك سعود
عضو اللجنة العلمية الاستشارية لمكافحة المخدرات

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved