| الاقتصادية
تحقيق : مريم شرف الدين الجزء الأخير
ملايين من اطفال دول العالم الثالث يولدون في جحيم الديون التي فرضتها عليهم الظروف السياسية والعسكرية التي خلفتها الدول التي سبق لها وان احتلتها حتى ترزح هذه الدول في محيط وضع مضطرب يموج بالفقر والجهل - والمرض- مقابل الاموال الطائلة التي انفقتها وتنفقها على التسلح العسكري.. مما يوقعها بالتالي في شراك الاقتراض الخارجي.
ترشيد الإنفاق
معالي د. احمد محمد علي اكد على ان:
ترشيد الانفاق يعد من الامور الهامة جداً لتفادي خطر الوقوع في شراك هذه الديون.
ومن الحقائق المعروفة ان الادخار في معظم الدول الاعضاء في البنك ضئيل الى حد كبير.. ويعود ذلك لانخفاض دخل الفرد في هذه الدول بالاضافة الى تدني معدل النمو الاقتصادي كما ذكر معاليه آنفاً.
هذا فضلا عن التوجه العام نحو الابقاء على العجز المالي الذي ينتهي عادة الى زيادة نسبة الدين العام.
الإنفاق الحكومي
ويضيف معاليه الانفاق الحكومي عامة في ثلاثة اوجه هي:
- الانفاق على التنمية او برامج الاستثمار.
- الانفاق على المصروفات الجارية مثل الرواتب والاجور.
- خدمة التزامات الديون المحلية والخارجية.
ويوضح ان الانشطة الاستثمارية للقطاع الخاص عادة ما تكمل انفاق الحكومة على التنمية وبرامج الاستثمار..
كما تساعد على رفع معدلات النمو الاقتصادي على المدى الطويل.
كما ان ترشيد الانفاق على الوجوه الاخرى يساعد الحكومة على تخصيص المزيد من الموارد للاحتياجات التنموية.
المواءمة .. والموارد المتاحة
ويرى معاليه لعل احد اهم الامور الاساسية التي يمكن ان تساعد على ترشيد الانفاق هي مواءمة الانفاق مع الموارد المتاحة..
ويتطلب ذلك تحسين ادارة الطلب العام للاقتصاد المحلي لأن الطلب الخاص والحكومي معاً يمثل ان اكثر من ثلث الانفاق العام في هذه الدول. هذا مما جعل معظم الدراسات التطبيقية تتفق على اهمية اتخاذ خطوات المشاركة وتحسينها.. وكذلك مراقبة عملية اتخاذ القرار الاقتصادي والحد من الاهدار في الانفاق العام
الى جانب الحاجة الملحة لتبني قوانين للمحاسبة المالية وايجاد سبل لتفعيل إجراءات التبليغ او الافصاح.. وتحسين الشفافية.. وتوفير المعلومات الاقتصادية الواردة في وثائق واوراق الموازنة الحكومية.
إجراءات ضريبية
ويشير هنا الى احد العناصر الهامة في عملية ترشيد الانفاق.
ويتعلق بالاجراءات الضريبية المناسبة التي تحد من الاستهلاك وتحسين الانتاجية.
ومثل هذه الاجراءات الى جانب كونها مصادر للدخل المالي.. فانها من الممكن ان تشجع على الاقتصاد في الانفاق وسط المجموعات ذات الدخول العالية مما يؤدي الى تحسين الادخار في هذه الدول.
موازنة النفقات
د. عبدالعزيز داغستاني اوضح.. ان ترشيد الانفاق نهج يهدف الى كبح جماح الانفاق وموازنة الايرادات مع النفقات بقدر الامكان. وهذا امر ليس بالسهل.
ويكون الامر ضاراً بالاقتصاد في حالة اذا اضطرت الدولة الى اللجوء الى الديون الاجنبية لمواجهة النفقات الضرورية لها ناهيك عن الانفاق الاستثماري.
ويتفق هنا مع رأي معالي الدكتور احمد حول ضرورة ترشيد الانفاق ومواجهة الواقع وقهر الظروف السائدة.
شراك الديون وتلافيها
د. محمد بن حمد القنيبط
يرى بان الحديث عن ترشيد الانفاق طويل ومتشعب.. والسؤال عن فوائد الترشيد في الانفاق يشابه السؤال عن فوائد النمو الاقتصادي المتوازن الا انه في المقابل يرى..
إن الاهم من ذلك تلافي الوقوع في شراك الديون الخارجية لمشاريع ذات مردود مالي غير مجد. او المشاريع او اغراض استهلاكية.
واوضح في هذا النوع الاخير من الاقتراض الخارجي تم في بعض الدول العربية للتغلب على مشاكل اقتصادية داخلية.
وليس لاقامة مشاريع انتاجية مثل الاقتراض الخارجي لدعم سلع استهلاكية او خدمات او لشراء حبوب للاستهلاك المحلي.. وليس لأغراض مشاريع انتاجية، ويكون الاقتراض الخارجي تم بهدف تخفيف السخط الشعبي لادارة الاقتصاد بطريق مباشر او غير مباشر.
وبالتالي النتيجة النهائية هي تراكم لديون الاقتصاد وعدم قدرة الدولة على السداد.
تغيرات هيكلية
د. عبدالله حمدان الباتل اكد من جانبه انه كما حصل في بعض الدول النامية..
فانه من المؤكد ان المردود سيكون سلبياً ، وربما ادى ذلك الى انهيار الاقتصاد، وصارت اضراره الاجتماعية كبيرة الى حد يستدعي اجراء تغيرات هيكلية اقتصادية واجتماعية وسياسية.
وهذا ما تحاول تحاشيه اغلب المجتمعات عن طريق تقليل الاضرار الناجمة عن الديون الخارجية ومحاولة إعادة جدولتها - والتخلص من جزء كبير منه ومن ثم العودة واللجوء الى الاسواق المحلية حيث الضرر ربما يكون اقل بالنسبة للاقتصاد والمجتمع.
وحتى لا تقع دولنا الاسلامية سواء اذا كانت نامية او غيرها في شراك هذه الديون..
ماهي الحلول المقترحة التي يمكننا بها معالجة مشكلة تراكم هذه الديون واعبائها المتزايدة على هذه الدول..
ارتفاع الديون - والناتج القومي
معالي د. احمد محمد علي اكد من جانبه..
ان معظم الدول الاعضاء في منظمة المؤتمر الاسلامي كغيرها من الدول النامية.. تعاني من مشكلة الديون واعبائها..
حيث تصل الديون الخارجية في بعض الدول الى اكثر من )200%( من ناتجها القومي.
وبناء على هذا فقد ارتفعت نسبة اعباء الديون من صادراتها حيث بلغت هذه النسبة في بعض الدول اكثر من )50%(.
تجارب علمية
ومن هذا المنطلق يرى انه من البديهي على هذه الدول ان تبادر باتخاذ موقف جدي لدراسة هذا الموضوع..
وايجاد الحلول المناسبة لهذه المشكلة التي ارهقت اقتصادها.. وادت الى زيادة حدة الفقر فيها.
ويشير الى التجارب العلمية في الدول النامية الاخرى قد بنيت بوضوح اهمية ذلك من خلال:
1- دراسة مشكلة الديون واعبائها.. والاضرار الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عنها..
ووضع استراتيجية مشتركة في تلك الدول لمواجهة هذه المشكلة.
2- العمل على ترتيب اقتصادها بطريقة افضل وذلك باعادة الهيكلة الاقتصادية..
والاهتمام بإصلاح نظمها الاقتصادية والاجتماعية.. وتحجيم الفساد.
مبدأ التضامن وأهميته
3- توسيع قاعدة المشاركة والمساهمة في تحمل اعباء الديون وذلك باشراك القطاع الخاص في تحمل اعباء هذه الديون..
واشعار المواطن بالمسؤولية .. ومحاولة تعبئة كافة الموارد الداخلية والخارجية للاسهام في حل هذه المشكلة..
عملاً بمبدأ التكافل والتضامن الاسلامي.
4- كما دلت التجارب مؤخراً على نجاع تحويل الديون الخارجية الى مساهمات في الشركات الوطنية.
حيث ازداد الاهتمام بهذا الحل في الآونة الاخيرة.. وبخاصة ان كثيراً من الدول النامية ومنها الدول الاعضاء من منظمة المؤتمر الاسلامي التي ترزح تحت وطأة ديون خارجية تثقل كاهلها وتضعف موازناتها..
ولعلها بذلك تجد مخرجاً في تحويل ديونها الى مساهمات في شركاتها الوطنية.
وتقلل بذلك الكثير من الآثار الناجمة عن هذه الديون على اقتصادها الوطني.
مسؤولية البنك ورفاهية الشعوب
وقبل ان ننتقل الى الدكتور الداغستاني..
كان لا بد من ان نسأل عن الدور الذي قام به البنك او ما يمكنه القيام به للمساعدة في التخفيف من اعباء الديون الخارجية التي تثقل كاهل هذه الدول.
اضاف معاليه ان البنك الاسلامي للتنمية كمنظمة مالية دولية قد اخذ على عاتقه اهتمامات الدول الاعضاء..
ومن اهمها.. محاولة تحقيق رفاهية شعوب هذه الدول.
لذا .. فقد قام البنك الاسلامي للتنمية خلال الستة وعشرين عاماً الماضية بتلبية احتياجات الدول الاعضاء. وبالاخص الدول التي واجهت صعوبات اقتصادية.
واوضح.. ان البنك قد سبق له وان قدم عدة مرات مساعدات لعدد من الدول الاعضاء بطرق عملية وموضوعية لتقليل عبء ديونها الخارجية..
وعلى سبيل المثال/ فقد تمت مساعدة لكل من غينيا بيساو- وجزر القمر- والكاميرون- والنيجر- وسيراليون- والسنغال- واليمن في اعادة جدولة ديونها.
هذا بالطبع الى جانب مساندة البنك الاسلامي للتنمية لاتفاقية مساعدة الدول الفقيرة المثقلة بالديون )HIPCS( والتعهد بتطبيقها ومباشرة البنك الاسلامي للتنمية العمل ضمن مجموعة بنوك التنمية الاخرى في العالم لتحقيق توصيات مساعدة الدول الفقيرة في محاولتها للحصول على دعم تقليل اعباء هذه الديون عنها..
وتقوية الاتصال بينها لتقديم الاعانة وتخفيف حدة الفقر فيها.
وفي هذا الصدد اشار معاليه إلى ان البنك الاسلامي للتنمية يدعم ايضا الآلية التي يمكن بها ازالة المعوقات التي تواجه )HIPCS( .. التي ظهرت بوضوح عند اعادة التشكيل النهائي لها.
مساندات لاحقة
وسوف يقوم البنك الاسلامي من ناحية اخرى بتقديم الدعم الكامل لهذه الدول لاعادة ادارة مواردها المحددة في النواحي الاقتصادية التي سوف تعود بالنفع المباشر على شعوب هذه الدول.
كما قام البنك بمساعدة اوغندا باعتبارها كانت هي الدولة الاولى المؤهلة للاستفادة من مشروع مساعدة الدول الفقيرة المثقلة بالديون )HIPCS( في تخفيف عبء الديون الخاصة بها.
في ذات الوقت الذي يقوم فيه البنك في سياق هذه الجهود باتمام الاجراءات اللازمة لمساعدة كل من جمهوريتي مالي - وبوركينافاسو.
كما سيقوم البنك من ناحية اخرى تباعاً بتقديم اقتراحات الى مجلس المديرين التنفيذيين لمساعدة الدول الاعضاء الاخرى المؤهلة للاستفادة من مبادرة )HIPCS(.
فجوة كبيرة
د. عبدالعزيز داغستاني اكد من جانبه:
ان الحلول الوضعية وهي الروشتات الاقتصادية معروفة.. وفي الغالب تتم عن طريق البنك الدولي..
اما الحلول الاسلامية فمغيّبة تماماً لوجود هوة او فجوة كبيرة بين الدراسات الاسلامية والدراسات الاقتصادية..
حيث مازالت الدراسات الاسلامية بعيدة كل البعد عن قضايا الاقتصاد بمعيار وضعها لأسس تعالج قضايا الاقتصاد الكلي وفق نظرية متكاملة.
واوضح.. ان الطروحات السائدة تعتبر جزئية في مجملها وتبتعد عن التحليل الكلي.
وهذا تعقيد بشري لا يجب ان نحمله على الدين الاسلامي الذي كما نعرف انه دين حق - صالح لكل زمان ومكان.
نموذج اقتصادي
ويرى د. عبدالعزيز..
ان العيب يكمن فينا نحن والحاجة تدعو بشكل ملح الى رؤية اقتصادية اسلامية استراتيجية تتجاوز الطرح الجزئي وتخلص الى وضع اسسس كلية قادرة على بناء نموذج اقتصادي اسلامي يستوعب المتغيرات الاقتصادية الدولية ويتعامل معها بموضوعية وواقعية والتصدي لها برؤية علمية.
وليس ذلك بالامر المستحيل متى ما توافرت لدينا الرغبة الحقيقية لتفعيل هذا الطلب الملح.
سوق مشتركة
د. عبدالله الباتل يرى ..
انه بامكان الدول الاسلامية بشكل عام ودول الخليج والدول العربية بشكل خاص التقليل من الاعتماد على الاسواق الاجنبية والقروض الاجنبية عن طريق ايجاد سوق مشتركة لرؤوس الاموال وتبادل الخبرات والمهارات والاستثمارات وتحقيق التكامل فيما بينها عن طريق :
1- تشجيع الاستثمارات والمشاريع المشتركة التكاملية وليس التنافسية.
2- فتح اسواق هذه الدول على بعضها البعض وايجاد تكتلات اقتصادية كبيرة قادرة على استيعاب منتجاتها وخلق اعمال لأبنائها.
3- وزيادة الانتاجية وجذب المشاريع الاجنبية المنتجة والاستفادة منها عن طريق استخدامها لجلب التقنية الفنية والمهارات المتراكمة لديها وعليها.
كما يتفق في رأيه هنا مع الآراء السابقة حول :
ضرورة النظرة في اعادة الهياكل الاقتصادية وتطويعها لحاجات الاقتصاد الوطني.
|
|
|
|
|