أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 26th June,2001 العدد:10498الطبعةالاولـي الثلاثاء 5 ,ربيع الثاني 1422

مقـالات

مركاز
مرثية سعاد حسني
حسين علي حسين
الفنان هو الفنان الوحيد الأكثر بؤساً في هذا الكون، فأفراحه محدودة، وساعات نعيمه وبهجته محدودة، وقد ينعم بالثراء فيبدو مثل طفل في لحظة ترف أو طيش أو نرجسة، وهو حاد المزاج شديد العصبية، للحد الذي يغير أصدقاءه أحيانا، مثلما يغير الانسان العادي ملابسه، ومع ذلك فربما يعود في اليوم الثاني أو الثالث لوصل ما انقطع بينه وبين أصدقائه، وهو الوحيد الذي يمتلىء بالبهجة والحبور، لأن أحداً، مهما كان صغيرا، قال في حقه كلمة جميلة، انه يعيش على الكلمة الطيبة والاشادة والتشجيع، بدون هذه الأشياء ربما ينزوي على نفسه، بل ربما يترك فنه ومحيطه، وينزوي في ركن من فندق أو مقهى أو منزل، بل ربما ودع حياتنا كلها، رغم انه من أكثر الناس تأثراً بمفارقة الحياة بكل ما فيها من أضواء وثروة وأصدقاء!.
هذه المقدمة خاصة بسعاد حسني وطابور طويل من الفنانات والفنانين، الذين نساهم كمجتمع بادية نحسد عليها، على اسدال الستار عليهم، من خلال عدم عنايتنا بهم، صحتهم ومرضهم، متطلباتهم البسيطة في حياة حرة كريمة، توفير الرعاية الصحية التامة لهم، هذا الاهمال الاجتماعي، موجود بامتياز في العالم الثالث كله، ليس لأن هذا العالم فيه شح من المال، ولكن لأن النافذ أو صاحب العلاقات الواسعة، هو القادر على أخذ حق لا يحصل عليه فنان يبهج حياتنا!.
عاشت سعاد حسني كفنانة مرهفة الاحساس، حياة عريضة، لكنها مليئة بالمطبات، مطبات ربما كانت من صنعها، وربما توهمتها، لكن هذه المطبات جلعتها تختفي ثم تعود، حتى اختفت بعيدا عن أرضها وناسها، بعيدا عن الأضواء، لتعيش هناك مجرد امرأة على الهامش، مهزومة، محبطة، تتلقى معونة من الضمان الاجتماعي الانجليزي مثلها مثل آلاف العاطلين عن العمل، دون ان تجد مؤسسة أو شركة تقف بجانبها وتصرف على علاجها، لتجتاز أزمة جعلتها تنحدر ببطء حتى وجدت مرمية على أرض إحدى البنايات من الدور السادس، فهل زاد يأسها ودفعها للانتحار؟ أم أن شيئا ما تسبب في سقوطها؟ ألغاز كثيرة سوف تكبر في مقبل الأيام، لكنها جميعا لن تعيد لنا فنانة مبهجة بحق، مليئة بالأحاسيس والرغبة العارمة في العطاء بدون حدود.
ان فنانة تستخوذ على 10% من أفضل مائة فيلم مصري، تشكل وفاتها رنة أسى في نفوسنا، تجعلنا نعيد مشاهدة الشريط من جديد، شريط يضم حياة عشرات الفنانين من الممثلين والمغنيين والكتاب والمخرجين والرسامين، الذين يقبعون في الظلال المعتمة، منصرفين لفنهم، لكنهم كثيرا ما يمارسون اعمالا هامشية، لكي يصرفوا على أسرهم، أمراضهم، متعهم، وهم يحتاجون أحيانا الى إراقة ماء وجوههم، لكي تقبل مؤسسة أو شركة شراء عمل من أعمالهم أو ايجاد دور لهم في مسلسل أو فيلم أو مسرحية!.
هناك الآن فنانون بقامة محمد توفيق أو فنانات بقامة مريم فخر الدين، يعملون بالأجر اليومي، في الوقت الذي يعمل تلاميذهم بعقود تدر عليهم الملايين والخافي أعظم وأمر!.
انه وقت طباشيري.. كل شيء فيه قابل للمسح، حتى الأشياء الجميلة والمؤثرة.. لقد حملت سعاد حسني بعض أوزارنا وذهبت لتبقى في نفوسنا من حياتها شمعة مضيئة نستدل بواسطتها الطريق لخلق أعمال فنية راقية ومؤثرة مثل «القاهرة 30، الاختبار، الزوجة الثانية، وغيرها كثير».

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved