| مقـالات
لما كان الكتاب مسكونين بهموم الناس منذ القديم بالفطرة والاكتساب أو هكذا ينبغي أن يكونوا يعكسون آمالهم وآلامهم فهم اليد المرفوعة إلى الأعلى تبتغي الإجابة وهم الكلمة التي تعرف مجال وآمال فئات من الناس لمن لا يعرف شؤون فئات كثيرة من المجتمع وأحوال كثير من المدن والقرى والأقاليم، وهم دعوة لعل يداً عليا تعطف على يد سفلى لا تستطيع سد حاجاتها المتعددة أمام زحمة الحياة وقسوة الظروف عند من يستطيع أن يبسط يده أو يصدر قراره فيه، وباختصار هم يد ولسان ومرآة فالأولى تشير والثاني يتكلم ويبلغ والثالثة تعكس الحال وتلفت البال.
في القديم وفي العصر الفاطمي في مصر اعتمد أحد الخلفاء على رجلين أحدهما يهودي اسمه منشأ والآخر نصراني اسمه مرقص وقرب هؤلاء كثيرًا من بني ملتهما ومكنا لهم في المهن والصنائع والأعمال والوظائف حتى ضاق الناس ذرعاً بالوضع وتمكن هؤلاء وقلت فرص العمل للآخرين وفي أحد الأيام كان الخليفة ماراً في أحد طرقات المدينة وجد دمية على هيئة رجل منتصبة على جانب الطريق تحمل لوحة مكتوباً عليها )والذي أعز النصارى بمرقص واليهود بمنشأ وأذل المسلمين بك هلا سمعت شكايتي(، لا شك أن ذلك الكاتب الذي جسد الوضع كان ذكياً فقد لخصه في مشهد جمع كل عناصر المشكلة وألوان معاناة الناس وأسبابها فكان الخليفة كأن استيقظ من نوم أو انطلق من عقال أو أزيلت عن بصره غشاوة فهب لمعالجة الأوضاع واصلاح الحال وقتذاك. ثارت تداعيات هذا الموقف وتلك الاستجابة عندما قابلني وبادرني بقوله اكتبوا عنا يقولها بكل حرقة ومعاناة وقد اشتعل رأسه شيباً وحفرت السنون أخاديد في وجهه وكاد ينحني قوامه وأن يصبح بعيده قريباً وأن تصبح أرجله ثلاثاً، أو هو مقدم على هذه المرحلة وقريباً سيكون إلى هذا المصير لا فكاك ولا مفر. إن هذه الفئة بعد أن قلت فرص العمل وضاقت ذات اليد وتقدم بها العمر تمثل شريحة كبيرة وعريضة في مجتمعنا، إنها شريحة المتقاعدين ولاسيما اصحاب المراتب الدنيا او من كانوا على بند الاجور والمستخدمين ومن في حكمهم ان هؤلاء كانت مرتباتهم مجزية وسادَّة لحياتهم بالاضافة الى عملهم وكدهم خارج الدوام عندما كانت الفرص مواتية والاعمال متوفرة والصحة مساعدة، فمن هنا وهناك كافحوا وبنوا أسرا وسددوا وقاربوا كما يقال لكن لما احيلوا الى التقاعد استحال الراتب الى النصف أو قريبا من ذلك وهو ضعيف في الاصل والآن امام كبر حجم عوائلهم وكثرة متطلبات أبنائهم وبناتهم وقد كبروا، وأمام غلاء المعيشة وأمام ضيق الاعمال المساندة التي كان يمارسها أولئك والصحة والقوى الضعيفة التي لا تساعد على الكد والكدح كما كانوا من قبل. امام كل هذا من ظروف هؤلاء المتقاعدين وغيره مما ستكشفه دراسة اوضاعهم فإن حالهم وحياتهم تحتاج الى علاج واعزاز ودعم بصورة من الصور فخلف هؤلاء وما اكثرهم على امتداد مجتمعنا افقيا مكانا وزمانا تقبع اسر كبيرة كانت تعيش كفافا مستورة فكيف بحالها بعد تقاعد عائلها وقد كبرت، انه اذا ما اهتزت هذه الاسر واخترقها الفقر فإنه لن يكون وحيدا فسوف يجلب الجهل والمرض وآفات اخرى لا تحد وكاد الفقر ان يكون كفرا، وعندئذ سيتأثر المجتمع وستكون تنميته غير متوازنة وغير محصن، وتكون خططه فرطت في علاج أوضاع هؤلاء ومن خلفهم من الناس والآمال والآلام، إن صناديق التقاعد والتأمينات الاجتماعية ترفل بالمليارات ولن نعدم البرامج والاستثمارات التي يعود ريعها لصالح هؤلاء، كما ان التفكير في اعانة للاطفال او للتعليم لهذه الشريحة سوف تحل كثيرا من معاناة هؤلاء وتحسن أوضاعهم وأهل الاختصاص )أبخص( إذا ما وجدت العزيمة والاهتمام بهم.
|
|
|
|
|