| عزيزتـي الجزيرة
المعلم الطالب، الطالب المعلم حلقتان متصلتان، والحديث عنهما وعن مفارقاتهما لا ينتهي، ويجب ان يكون كذلك، وهما يتصدران القضايا التعليمية بحثا وتمحيصا: طرحاً، أخذاً وعطاء، قبولاً ورداً، افتراضات، اجتهادات صائبة وخاطئة، بذل بسخاء، غير أن المحصلة النهائية لا تتناسب مع تلك الجهود والأموال المبذولة، ولم تحقق إلا جزءاً يسيراً من طموحاتنا المستقبلية، وأحلامنا الوردية.
والسبب معروف وواضح وضوح الشمس في رابعة النهار، فهو يتمحور حول شخصية المعلم التي لم تعد الإعداد الجيد يستوي في ذلك معظم خريجي معاهد إعداد المعلمين، وبعض خريجي الجامعات.
هذا الى جانب فتح باب التعليم على مصراعيه لمن هب ودب، فانخرط في سلك التعليم رجال لا نعيبهم في ذواتهم، إلا أنهم لا يحملون مؤهلات تربوية تؤهلهم للقيام بمهامهم المناطة بهم، والتي هي من الضرورة بمكان وشرط يتقدم ما سواه من الشروط الأخرى.
ولعل ما سبق ذكره، مضاف له نظرة الازدراء للمعلمين على حد سواء من قبل بعض فئات المجتمع، جعلت المعلم يفتقد أبسط الحقوق الإنسانية ألا وهو حق «الاحترام والتقدير».
فقيمة المعلم الاجتماعية أقولها بكل مرارة: مفقودة.. مفقودة.. مفقودة.. فالطالب لا يتورع عن رفع يده على معلمه، أما رفع الصوت وتلقي الإهانات فذاك أمر أصبح عاديا ومألوفا.
والأدهى من ذلك والأمر أن بعض المسؤولين في بعض الدوائر الحكومية لا يقيمون للمعلم وزنا عند مراجعتها لإنهاء بعض المعاملات التي تتطلب حضوره، ودلالة هذا قصور في العقلية ولا شك زد عليه ضموراً وانحساراً في الجوانب الثقافية. ولا أقول لمثل هؤلاء إلا: أرجو أن لا يصحب عقوقكم هذا عقوق للوالدين، فأنتم ومن يعض اليد التي مدت لمساعدته سواء، وأقول لهم كذلك: أين أنتم من قول الشاعر شوقي !!!؟:
قم للمعلم وفه التبجيلا
كاد المعلم أن يكون رسولا |
أيها الأحبة اخوتي بالله أولياء الأمور.. ومسؤولو التعليم.. دعوة صادقة من محب ومشفق أفيقوا أيها الآباء من نومكم العميق فقد طال بكم الرقاد، أعيدوا النظر في تربية أبنائكم التربية الإسلامية الصحيحة التي دعا لها صفوة الخلق عليه أفضل الصلاة والتسليم، ووضع لها أسساً وقواعد من أخذ بها ضمن سعادة الدارين.
فالتربية علم قائم بذاته منبعه ومنهله العذب المصطفى صلى الله عليه وسلم.
يا رجال التعليم ومسؤوليه.. يا من تحملون لواء التربية والتعليم.. أعيدوا للمعلم التربوي الجدير بمهنته هيبته المفقودة.. حتى اذا ما سئل عن مهنته قالها بكل فخر واعتزاز وهو شامخ الهامة.. مرفوع الرأس: إنه يمتهن مهنة الأنبياء والرسل. ولنقف جميعا على اختلاف مستوياتنا الكبيرة قبل الصغيرة احتراما للمعلم الذي أوصل الرئيس للرئاسة.. والوزير للوزارة.. والمدير للإدارة.. ولتكن جميع قراراتنا تصب في صالح المعلم لا ضده، وما هذا إلا اعترافا ضمنيا بأفضاله علينا جميعا. ولتكن اليابان قدوة لنا في كل ما يخص المعلم وألا نأخذ جانبا ونترك آخر بحسب ما يتناسب مع رغباتنا والتي منحت المعلم راتب الوزير، ومكانة القاضي، وهيبة الضابط. وهذا نقلا عن سفيرة اليابان في دولة الإمارات العربية من خلال ندوة تربوية حول المعلم بثتها «قناة دبي الفضائية» تخللها اتصال هاتفي مع السفيرة اليابانية والتي أردفت قائلة أيضا: لو أن معلما دخل على أحد المسؤولين ولم يقم له احتراما، وهو يعلم أنه معلم لتعرض للمساءلة.
فالمعلم نفسه لم يصل للتعليم إلا عن طريق المعلم الآخر، والذي لا يحترم المعلم هو الجاهل الذي لم يتذوق حلاوة العلم، بل إنه تجرع مرارة الجهل الذي أسقط عنه التكليف.
والمعلم الذي ننادي ونطالب بضرورة احترامه هو من يحترم مهنته المقدسة فيمنحها من وقته واهتماماته ما تستحقه. فيعنى بالجوانب التربوية، وتنمية القدرات العقلية كما يعنى بالجوانب التعليمية بل يزيد، فليست مهمته محصورة على نقل المعارف وتلقينها لتلامذته، بل هو مطالب بالعمل على تكوين مفاهيم وسلوكيات تربوية لدى تلاميذه تتمشى مع عادات المجتمع وتقاليده، وإكسابهم كذلك العديد من الميول والاتجاهات والقيم وأوجه التقدير والتذوق، ومساعدتهم على اكتساب أشكال المهارات المختلفة التي تتناسب مع إدراكهم وميولهم، وإحداث تغييرات عقلية ووجدانية مصحوبة بمتابعة دقيقة لكل ما يطرأ على حياتهم التربوية والتعليمية والأسرية والاجتماعية والتي تمكنه من تذليل جميع الصعوبات والمشكلات التي تعترضهم خلال مسيرتهم التعليمية، فتبقى بصماته على المدى الطويل واضحة الأثر في تكوين شخصياتهم، وتبقى كذلك محبتهم واعتزازهم بهذا المعلم الذي أنار لهم طريق النجاح، ورسم لهم معالمه، وسما بأنفسهم وعقولهم حتى أصبحوا لا يبصرون إلا معالي الأمور، ولا يتوقون إلا لتذليل الصعاب. هكذا هو المعلم صاحب الأثر والفضل الذي يظل عالقا في الأذهان.
فالمعلم هو الرجل التربوي الوحيد الذي يتعامل مع الثروة الحقيقية للوطن الثروة التي لا تنضب فعن طريقه يتم إعداد العلماء والمفكرين الذين سيحملون على كاهلهم أعباء الأمة وهمومها من علماء دين.. وقادة فكر.. وأطباء.. ومهندسين.. و.. فهل نعي ذلك..؟ ونجعل من أهم اهتماماتنا.. وأول أولوياتنا.. المعلم فكل ما يصرف في سبيل تطوير المعلم والارتقاء بمستواه التربوي والعلمي فهو مخلوف بإذن الله وسيعود نفعه على الدين والوطن بالخير الكثير والنفع العميم.
أخيرا أقول: أعيدوا النظر في فئات المعلمين، أقيموا الدورات التربوية الإلزامية التي تضيف لمحصلة المعلم أفكارا ومعلومات تربوية جديدة تأخذ بيده حتى يساير الركب ويمتطي جواد الإبداع والتألق في إعداد رجال الغد، وليرسموا مستقبلا مشرقا لأشرف وأعز الأوطان، ومن لم يكن كذلك فلا يمتهن مهنة التعليم فيشوه صورته الجميلة. حتى لا نندم حين لا ينفع الندم عندما نرى أبناءنا ومستقبل أمتنا وبقلوب يعتصرها الألم ينزلقون في الوحل ويعيشون في ظلمات الجهل لا هم لهم سوى التقليد والانخراط في صغائر الأمور لا في معاليها فتنحصر اهتماماتهم في أمور لا طائل منها.
عبد الرحمن بن عبد الله البقيشي
القصيم بريدة
|
|
|
|
|