|
| الثقافية
المؤلف: شريفة الشملان
الناشر: الدمام: مطابع الوفاء، 1997م
من - منتهى الهدوء - عنوان المجموعة القصصية الاولى لشريفة ابراهيم الشملان، وعدت هذه القاصة بالتميز الفني في المجموعتين التاليتين: «مقاطع من حياة» و«غداً يأتي» وسرعان ما ارتفعت هذه القاصة الى رتبة الروائي المميز عن «أكمام الورد» و«الجنة» و«تململ الشوق في شراييني» مفرداتها اللغوية الموسومة بحبة المطر على الأمطار الموسمية؟! في ذاكرة الزمن الذي توقف على معالم صخرة بنجد وفاجعة الخيار المرّ مابين العائلة الصحراوية وذاك الرفيق الابدي )الجمل( في فواصل الايام التي توغل فيها روائح الشيخ والقيصوم وشقائق النعمان والامنيات البدوية )الصاهلة( على اوراق الحبق والنعناع والبراعة الابداعية في ذاكرة ذائبة ودائمة الحركة لتموج بما نسميه بالسهل الممتنع او بالوحدة مع التنوع أو الكل في واحد.. كما هو التراوح ما بين التجريد كشكل والقضية المطروحة كموضوع ملموس وحسي.. حيث التجريد حاقد يخلو من البعد الثالث «كذلك» النشوء الانساني في رحم هذه الصحراء الكبرى في وقائع شبه الجزيرة العربية التي هي موطن ندى الليالي للكاتبة القاصة التي ربطت علاقة الكتابة بالمكان كربط علاقة الأم بولدها وهذه ليست علاقة جامدة مع شيء جامد بل هي روح تحتوي على حياة أناس ربما يكونون قد رحلوا من بيننا ولكنهم قد يعيشون على الورق ولذلك فإنني لا أترك للاهداء الا مراحل واصلة ما بين رمل الصحراء وأطواد المدينة الوارثة الشرعية للخيام وحياة هذه الزمن الذي يمر ليجعلنا مصنوعين بكد الفكر الوقاد والزند الذي لا يمل.. لهذا في راحتي هذه القاصة العربية السعودية المبدعة شريفة الشملان ما أجد الا تزاحم الظنون وقد ترتمي مع معالم المجموعات القصصية الثلاث ومما يليها من ابداعات اخرى هي الدعوات السماوية والارضية ما يشبه الهوامش التي قد لا تحصى إلا في اشارات هي من نكهة الحصاد العنيد على الشفاه المتشققة؟! لأسجل مع هذه المبدعة بعض كلماتها المحمومة بالعافية والنبض والنسغ مع ما ألمحه من تطريز باللهفة على ارتباك الفصول وتعاقب التجارب في نزيف الايام لهذه الحياة التي استهلكت حياة انسانها العربي المعاصر بألف شكل ولون وعبر عالم آسر بغرابته ومزدانه مع تقاطعات الاسطورة والموروث الشعبي والذاكرة الجمعية مع استهداءات الشيوخ والعارفين والحكمة المنقولة عن الاجداد وضروب العلماء ومرتادي آفاق النفس البشرية التواقة لله والحرية في صلوات جميع شخوص ابطالها.. المحكومين بالتهيؤات والوساوس التي تراود الافراد في لحظات سكنهم الذي يتزامن مع ليل الهجير والملحمة الكونية التي تحاول به القاصة شريفة الشملان ملامسة اصدائه عبر فرادة الخيال وخصوبة عين العاشقة للذات الجماعية في الهم الانساني التي اوقف مجموع قصصها القصيرة جداً والطويلة بالتتابع وكأن روافد النص الادبي أشبه ما تكون بالنهج الخاص في هوامش التاريخ والمصادر والتلقائية التي يدعيها لزوميات توقيع الشخص المبدع مع تفاصيل الحياة في الخصوبة والعطاء والحضور بكل تجاوزات استحالة الواقع الانساني البالغ الروعة والتعقيد.. فمن الكلمات الاولى لمجموعة: وغدا يأتي طبعة 1997 تأتي كلماتها حميمة وذات هارمونية الوصل والوصال ما بين روح الانسان المبدع مع معمارية التذوق في العمل الفني وفي التجليات حيث السلم الداخلي يقول كما كتبته القاصة: «صغيرة كنت أنشد مع الطالبات - نحن الشباب لنا الغد - ولم أكن افقه معناها.. وعندما فقهتها وجدت الشباب ولم اجد الغد فإلى كل الحالمين مثلي بأمل قد يأتي مع الغد اهدي مجموعتي..» لتحضر من بعدها قصة - السد - حيث خرج حكيم القرية من بين كتبه وقال لنا مشجعا علينا بالسد فان خلفه معارف جمة دعونا ننفذ فنجد كنوزاً للمعرفة.. نغرف منها كما نشاء.. بحور للعلم وأشجار حبلى بالمعارف كحكماء معروفين ومجهولين.. لنقرأ العلم جيداً بين أسطره لنجد حلا للغزنا مع السد..» وهكذا راح البعض يسأل في الكتب عن السر العظيم وعن حرية الحاكم والمحكوم وحرية عرائس البحر وهذا العالم الجميل الذي تختلط به ريح غربية مع شرقية تقتلعنا بقوة مع كل صباح يومي وربيعي بكل هذا السواد الملتحف بالنساء والبكاء وغروب كل نهار مع الحكايا التي تجاوزت احلامها عبر ثقوب سطوح المنازل حيث تريد القاصة في حكاياها.. حكاية ترضي بها ذاك المجنون - البطل - الذي حاول الاقتراب من السد - عبر هذا المستحيل المعيوش بسلطة عظمة روح التمرد والانتفاض التي تجددها روح - الناس البسطاء الطامحين الى صنع ثقب في هذا السد لينفذ للجهة الاخرى ولكنه لم يعد ولم يزهو بجثته التي جرفها التيار وأكلتها الذئاب؟! وما أكثر الذئاب التي تأكل الجثث؟!.. كذلك بقي السد كبيراً وموصدا - كالحياة التي تحمل يومياتها بمزيد من الهموم والمدى والتجارب والخبرات مع زوايا المظلمة والمقيمة في أعماق الروح الانسانية التي تحتفي بمسارات ارضية وروحية لتجعلنا عبارة عن كائنات تجري مع رعشة الاوتار اليومية في ظلال النخيل العنيد في المدن الفاضلة التي تجمع المحسوس والمجرد دون رياء حيث مساحة الحياة ارحب واللون قد يأتي محموعاً بألوان الطيف التي تتوالد في المساحة البيضاء لتتوزع هارمونيا جديداً على القمر الخارجي في قصص شريفة الشملان التي تنسحب على مساحات كل ما هو غائر في المعاني والرمز ومستكين ومقاوم مع خصوصية التجلي والحضور والكشف في عناصرها المرسومة بدقة حرية الكاتب الذي ينزع الى الجوهر والاصل وهي المشبعة بوجع هذا الزمان عندما تلاحق بروح الكاتبة المتناغمة مع دفء المكان وأبخرة التربة التي لم تكن تنبت الا الطيب لترسم الهواجس والاسئلة عبر فيض بوح في مجموعاتها القصصية لتكتب لنا عبر )وغداً يأتي( روح )الصلاة على الجنازة( اليومية للمشهد النازف بقضايا الناس وهموم صفائهم الوجداني مهما مزقت ألسنة الاحباط حياتهم.. حيث المسرح كبير وواسع والنار صدى على العشق الحقيقي ولكل ما في دواخلنا في حيرة وانغلاق ونزوع.. مع) سيدة البيت الرخامي( حيث الحلم هو التعبير الكامل الذي يعبر عن وجداننا الصاحي لتوقظ في أرواحنا النائمة بمطرها الزماني الطاهر كل قلق السؤال في وجودنا الرابش على خلفية المشهد العائلي.. من شرقيتنا المفطورة على المسافات وتقاطع الزمن الذي لا ينتهي في امتداد الجذور .. كذلك باقي القصص القصيرة جدا والحلم الأخضر مع معزل كل ما يقال وما لا يقال والفترات الثلاث والراعي وذئب القطيع ولو لو وصخرة نجد وأكمام الورد والصورة والحوت والمدنية والنمل الابيض والقرد الرابع وكويني في حكاية صغيرة هي كبيرة بمقاطع عودة الاثار الفنية المرتبطة بالخيال.. الشعبي الخلاق في عشقه الاصيل للحرية في اقصى افاقها ومداراتها سواء عبر حدود التجني أو الشطط الذي يظهر على لسان وجع الكلمات النازفة بلحظات الذبح الزماني والمكاني وهي تحول مشروعية الميلودراما على مشروعية هدم جدران القصة والسواد عبر تقلبات الإيحاء المستمر في الحضور المستمر لانسانية ابطالها سواء عبر الرجل او المرأة مع استصراخ الكاتبة في الهواء القادم في حزن النفوس الى هياج الريح العاتية التي وزعتها باخضرار المساحة والصوت والكلمة لتجمع بقايا احلام الناس وتدخل معهم والى بيوتهم المشرعة نوافذها وأبوابها المفتوحة للضيف تستيقظ بهم حلما مهشما وآمالا محطمة الى طهارة هذه التربة وقدسية ساكنيها الأوائل لتكبر بآمالهم مع شجيرات المدى الصحراوي وهي تؤرخ لهم بغرض البحث والتجريب وبمهمة الناطق بلسانهم روح التوظيف الحواري المدروس بدقة تصوير سينمائي وبلوحة وجدانية تريد ايصالها للقراء وهم المتلقون حتى يعرفوا أسباب التبدلات الطارئة على المكان وناسه.. حيث الروح تسير والجسد لا يتوكأ على الذاكرة لتدخله الكاتبة بلغتها القصيرة والممتعة بأفكار مضاءة بقطرات الندى الصباحية للارض الطيبة المروية بدم وعرق الاجداد والآباء والامهات مع بقايا أحلام الناس معها.. وهي المعجونة بأوراقها التي تعبر عن هويتها وانتمائها للأرض الطيبة والرائعة.. عبر مراياها المسورة بالعشب والزمن والمفارقات ورحمأمها الأرض...
|
|
|
|
|
