| مقـالات
هل يمكن لأي مجتمع أن ينمو ويتطور في ظل الموجة الثالثة ذات الثورة المعلوماتية دون أن ينتبه لإبداعات الطفل وتنمية روح الابتكار لديه؟ أظن لا.. إن نقطة الانطلاق للتطور هي التعلم الابداعي والمعرفة الابتكارية.
والركيزة الأولى في ذلك: هي تناول الطفل السعودي وتعهده ليصير مبدعاً وذلك من بواكير حياته أي من مرحلة ما قبل المدرسة، وتشربه الحافز على الاقبال على تلقي العلم والتزود بالمعرفة والانتقال من مرحلة التلقين إلى مرحلة الاتقان المبدع وتشجيعه على الاختراع باستخدام ما حوله من مواد، وتحفيزه المعنوي على الابتكار منها بنماذج يمكن بتطويرها ان تكون نافعة.
والركيزة الثانية: هي التعرف على قدراته والعمل على صقل هذه القدرات واستثمارها والتعرف على مواهبه وتنميتها وتفعيل أفكاره الابتكارية ليتحول من حالة السكون إلى حالة الدينامية والفعالية، وترشيد مسيرته التعليمية واكسابه الخبرات العملية.
أما الركيزة الثالثة: أن نستثير لديه الاستفسارات والتساؤلات عما يجول بخاطره وما يلم به من عناء في التفكير وتدبر فيما حوله، وتحويل التساؤلات الى محاور للبحث والتنقيب ليتعرف على الاجابات المقنعة والعلاقات الترابطية بين الأشياء واستخراج نتائج التأزمات.
الركيزة الرابعة: أن ندربه على تنمية واقعه وتطوير مكوناته مما يسمح بتنمية المجتمع ككل، وتطوير محاوره وأبعاده واستدخال فكرة امكانية تحويل الآمال المشروعة الى واقع معاش، وتفهيمه أنه لا يتحقق الحلم الا بالعرق والكدح والجهد والسهر والعمل المضني.
وأن نحميه من التشتت وندعوه للتركيز ونمنعه من عشوائية الاستغراق الذهني في اللامعقول من الفكر والسلوك.
بالأمس القريب كنا نتحدث عن الغزو الثقافي والتحوط منه الى أن صار واقعاً وبات ينال من موروثنا الثقافي عن طريق البث التلفزيوني عبر الأقمار الصناعية وتجييشها في سمائنا حاملة البرامج المتنوعة فضلاً عن المواد الزاخر بها مواقع الانترنت المتباينة.
إن ايقاع التغير بات سريعاً تتناوله عقلية انسانية مبدعة سواء كانت مع أو ضد إلا أنها بمقاييس التقدم العلمي فهي مبدعة حتى فيما يخرج عن نطاق الثقافة والعلم، ويتحول الى أسلحة الدمار الشامل، فهو وليد عقلية مبدعة سخرت ابداعها لدمار البشرية ولكننا نريد من أبنائنا ابداعاً من نوع آخر يحمل جماليات الفن الراقي في حدود المعايير الأخلاقية التي نرتضيها لمجتمعنا المسلم مع الإيمان القاطع والجازم بأن فوق كل ذي علم عليم.
إننا نخال الإبداع يتمثل في تحويل طاقة الطفل اللا محدودة الى أنماط للعمل يمكن توجيهها لخير مجتمعنا والوصول به الى مرتبة الكمال في العلم والانتاج ودعم الطفرة الحضارية. وهذا لا يعني البدء من نقطة الصفر، ولا يعني هد كيان المؤسسات التربوية واعادة بنائها من جديد لتتفق مع مرحلة نطلق عليها مرحلة الابداع، ولكن تحتاج هذه المرحلة الى دراسة الوضع الحالي للتعليم والتربية، والتعرف على نقاط القوة والضعف بما يتفق مع الآمال والطموحات المبدعة وما يمكن الاحتفاظ به من مقومات سليمة وما يحتاج الى تغيير والمرتكزات التي تحتاج لتعديل حتى تكون في حالة سليمة تتناسب ومتطلبات الابداع وهذه الخطوات تسير في مناحٍ متصلة ومتتالية تبدأ بتجمع النشاطات المترابطة فيما بينها لأنها عامل فعال في مدخلات الإبداع، ثم احصاء استثمار هذه النشاطات، ثم تقييمها في ضوء نماذج مثالية محققة في مجال الابداع باعتبارها نماذج محققة للنمو الممكن في المستقبل واتساع مداه وهذا يؤدي في كثير من الأحيان الى ما أطلقنا عليه الطفرة الحضارية.
أو نعلمه كيف يخرج بالاستدلال الصحيح لقضايا مطروحة؟ وكيف يخرج من المقدمات الصحيحة بنتائج سليمة، وكيف يمكن أن يقارن النتائج ببعضها البعض؟ وكيف يكتشف من المقارنة التباينات والاختلافات ومدى الانحراف ومعاملاته ومعاملات الارتباط؟ وكيف بنا أن نتحول بذلك إلى رؤية ابداعية؟ وكيف يمكن تحويل هذه الرؤية الابداعية إلى أعمال فنية راقية يستشعرها الطفل نفسه ويستحسنها من حوله؟ وكيف يمكن أن نصل به الى امكانات التحقق وأدواته ومردوده؟ وكيف ينعكس هذا على واقع المجتمع وتطوره؟ وكيف يمكن الخروج به من التوجهات التقليدية إلى الأفكار الابداعية؟ وكيف يمكن بلوغ أكثر من حل للمعضلة الواحدة فكيف توضح البدائل وكيف يتم ترتيبها تصاعدياً أو تنازلياً، وكيف يمكن انتقاء البديل الأنسب والأقرب والأكثر فائدة؟
الركيزة الخامسة: وتتمثل في اعداد المربي أو المربية التي تُحلق مع تصورات الطفل وأن تعلو بها وتسمو بروحها وترقى بمعطياتها وتشجع الطفل على التصور الخلاق دون وضع أية موانع أو عقبات أمامه تحول دون انطلاقه في التفكير وتكسر طموحاته وتقوض دعائم آماله، وتقف به دائماً عند نقطة اللا استمرار واللا تواصل ومع كل محاولة يعود ثانية الى نقطة الصفر والحد من انطلاقته.
اننا نريد المربي الذي يتعهد نواة الإبداع داخل الطفل بالرعاية والعناية بما يكفل نموها النمو المتوافق السليم بتخطي الصعوبات ومواجهة التحديات والقضاء على معوقات التفكير المبدع السليم.
الركيزة السادسة: فهي رعاية المجتمع للطفل المبدع وحفز المربي المشرف على الطفل المبدع، وتوجيه الأسرة التي تحتضن الطفل المبدع وتهيئة البيئة التي تتعهد الطفل المبدع، وكل ذلك من أجل دعم الابداع في مجتمعنا ليتواكب مع المتغيرات العصرية التي تزخر بالعلم والتكنولوجيا وانتاج البرمجيات، هذا وقد خيم علينا ظلال العولمة وتأثيرها في مناهجنا ليست الحياتية فقط ولكن في مناهجنا الثقافية والعلمية بل والتعليمية.
|
|
|
|
|