| مقـالات
نحن العرب نعشق لغتنا، نعتبرها وطننا أكثر من أرضنا، وسمائنا، ومياهنا، وصحارينا، وجبالنا، وأشجارنا. وهي لغة أحبها الله لنا، وجعلها وسيلة هدينا إلى مرضاته، وعبادته، وقراءة القرآن الكريم الذي أنزله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
وهي ليست لغة العبادة والفلسفة والوجدانيات وحسب، ولا لغة الأشعار والعواطف والبلاغة وحسب، ولا لغة التصور والخيال وحسب، ولا لغة الثناء والهجاء وغير ذلك وحسب، بل هي أيضاً لغة الدقة والإيجاز، ولغة الحساب والجبر والهندسة، ولغة الطب والعلوم الأخرى، إنها لغة نستطيع استخدامها للحصول على كل غاية، وفي كل حال.
ليس العيب في أن تشدنا لغتنا العربية إلى أصالتنا وأعرافنا وتقاليدنا وديننا، ونحن نظلم أنفسنا إن اعتبرنا انتماءنا إلى لغتنا وتاريخنا وأمجادنا العريقة حالة رجعية تعيقنا عن التقدم نحو الحداثة التي تتمتع بها الدول المتقدمة حتى تركتنا متخلفين عنها. بل العيب القاهر ألا نندفع مسلحين بأصالتنا ولغتنا لنصل إلى طليعة الدول المتقدمة ولنتخذ موقعنا الذي نستحق تحت الشمس.
لنستطيع ذلك علينا ألا نقع في مصيدة الرغبة في الحصول على الحداثة المطعمة باللذات فنقع فريسة شهواتنا المؤقتة الفانية. بل علينا أن نفكر في كل خطوة نحن فيها، ثم نفكر في كل خطوة نتخذها نحو أهدافنا، نقدر الحسنات والسيئات، والمنافع والمضار، فنتخذ تلك الخطوة، أو نتخذ خطوة بديلة توصلنا إلى غايتنا.
ليس هدفنا في وصولنا إلى طليعة الدول المتقدمة سياسياً وديمقراطيا واجتماعياً واقتصاديا وثقافيا وحضاريا مستحيلاً، ولو أنه صعب وهو لا يحتاج إلى زمن طويل لتحقيقه، فحقيقة أن العربي الذي لم يعرف السيارة أو الهاتف ولم يسمع عن الراديو واللاسلكي، في نهاية الربع الأول من القرن الماضي، يرى أبناءه وأحفاده، يعانقون السماء بالطائرات المقاتلة النفاثة، ويتعاملون مع الكمبيوتر وكأنه حاسة سادسة، ويجرون عمليات زراعة القلب، ويتفوقون في الهندسة المعمارية، ويبرعون في التجارة والصناعة، ويتقنون لغات غير العربية، ويدخلون كل ميدان يريدون الدخول فيه كل ذلك يدلنا على حقيقة المقدرة الفائقة للإنسان العربي على التقدم والتغيير.
لماذا تأخرنا؟؟؟
الجواب في تاريخنا الحديث. وبعد رعيل الأفغاني وعبده والكواكبي ورضا ورعيل الخطابي والجزائري وعرابي وزغلول والمهدي، حتى قامت الثورة العربية الكبرى بقيادة الحسين بن علي والتي حررت العرب من استبداد الاتراك ثم غدر بريطانيا وفرنسا.. حيث يكمن سر التعطيل المعوق لحركة الأمة العربية إلى الأمام.
فنحن مازلنا نعاني من بعض الأمراض التي خلفها عهد الاتراك، وعهد الفرنسيين والإنجليز، الذين عززوا مكانة الأفندية والبكوات والبشوات واستخدموههم في قهر إرادة العرب الذين وقعوا تحت انتدابهم أو استعمارهم.
وبينما كان العرب يناضلون ويستشهدون من أجل حريتهم واستقلالهم ووحدتهم وتقدمهم نحو الحياة الأفضل، كان بعض الأفندية والبكوات والبشوات الذين احتضنهم الفرنسيون والإنجليز يتسللون إلى دور الاعتماد والانتداب والاستعمار الأجنبية لتنسيق جهودهم لحرمان كل عربي من الوصول إلى حريته واستقلاله.
نعم السر تاريخي ويكمن في عهود أولئك وما زالت بالرغم من كل التقدم الذي أحرزته الأمة العربية، بعض بقاياهم قائمة بصورة أو أخرى. غير أن الدول العربية موعودة بالوصول إلى طليعة الدول المتقدمة مع المحافظة على الأصالة العربية الإسلامية.
|
|
|
|
|