أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 23rd June,2001 العدد:10495الطبعةالاولـي السبت 2 ,ربيع الثاني 1422

الاخيــرة

)مقاهي(... ومُجتمعات
أنور عبدالمجيد الجبرتي
*المقهى، مؤسسَّة فرنسية عريقة. ولكنني عرفتُ، توثيقاً، من الأديب المصري الكبير، جمال الغيطاني، في كتابه )القاهرة، في ألف سنة( أن المقهى القاهري، لا يقل عراقة، وحضوراً، وتنوعاً عن المقهى الباريسي.
*نحن لا نعرف على وجه التأكيد، لماذا يرتاد الناس المقاهي، أو لماذا اكتسب المقهى هذه المكانة الاجتماعية والحضارية المهمة في بعض المجتمعات. هناك مجتمعات تعتبر ارتياد المقاهي، والجلوس فيها تسكعاً، وصياعة لا يليقان بالناس المحترمين، بينما، هناك مجتمعات أخرى، يرتاد مقاهيها، الأدباء والسياسيون، والعُلماء، والفنانون وغيرهم من أصحاب المصالح والمهن.
* كان الرئيس الفرنسي )ميتران(، في زمن المعارضة، يفضل قراءة صحيفته اليومية في مقهى )لو دُ، مَاجَو( بمنطقة )سان ميشيل( وهو مقهى باريسي يُطل على ميدان صغير، خفيف الدم، مُلاصق لمنطقة الحي اللاتيني، وألذّ ما في المقهى، إضافة إلى زبوناته اللطيفات الجالسات والعابرات، طبق جبنة
)المازاريلا( بقطع الطماطم وزيت الزيتون مع الخبز الفرنسي الشهير.
* ومقاهي )سان ميشيل( الأخرى المجاورة، هي مقاه عريقة، معروفة بزبائنها من الشعراء والأدباء والسياسيين، وأكثرهم شهرة في التاريخ الحديث للمقهى الباريسي، جان بول سارتر، المفكر والأديب الوجودي الشهير، وصديقته الأديبة )سيمون بي بوفوار(.
* وإذا كان المقهى الفرنسي، معروفاً ومألوفاً لدى الفرنسيين، أو زوارهم من عُلية القوم، أو أمراء الروايات الفرنسية، فقد ذاع صيتُ هذا المقهى الشهير، بعد أن بدأ يرتاده الأميركيون في فترة بين الحربين العالميتين، وخلالهما. وأشهر الزبائن الأميركيين هو )ارنست همنجوي( المراسل الصحفي الحربي، ثم الروائي العالمي ذائع الصيت، ومعه طابور طويل، من الفنانين والأدباء، والصعاليك وبقايا العسكر الأمريكي، وفتافيت من عازفي موسيقى الجاز، والأرامل الأمريكيات الثريات. ونتج عن ذلك أن أصبح المقهى الباريسي مقصداً سياحياً مهمّاً، لا تكتمل زيارة باريس دون الجلوس فيه، والتسكع حوله، خاصة المقاهي الشهيرة على ضفاف )الشانزلزيه(، أو زوايا الحي اللاتيني.
* وقد تعرفنا، ابتداءً على ملامح من هذه الظاهرة الفرنسية المثيرة، في قراءاتنا لكتابات العرب الذين ارتادوا باريس مثل الطهطاوي، ثم توفيق الحكيم في )عصفور من الشرق(، أو سهيل إدريس في )الحي اللاتيني(، أو ترجمات، منير بعلبكي، للبؤساء ل)فيكتور هوغو( أو قصة مدينتين ل)تشارلز ديكنز( وغيرها، ويضاف إلى ذلك الأفلام الأوروبية، أو أفلام هوليود عن الأمريكيين في باريس، أو عن الحرب الأهلية، وكذلك المشاهدات الشخصية لمعارفنا المخضرمين الذين كان لهم من الثروة والحظ، ما مكنهم من السفر إلى باريس، وارتياد مقاهيها في ذلك الزمن المبكر.
* وكنت أعتقد أن عادة التسكع، بالعيون، في المقاهي الباريسية، عادة عربية حديثة ظهرت، وترسخت، في عهد الانفجار السفري العربي المعاصر إلى باريس. فأكثر العرب لا يعرف من باريس أكثر من مقاهيها، وما شابهها، إضافة إلى مراكز التسوُّق، والبوتيكات بالطبع. والسبب في ذلك لا يعود إلى اكتشاف العرب، عشقاً جديداً لقهوة )السبريسو(، أو زجاجة الماء المعدني الفوّار، ولكن، غالباً، لأن المقهى الباريسي يشكل نافذة، ونقطة مراقبة جيدة، لفاتنات )الشنزلزيه(، الغاديات، الرائحات، وبعض الشخصيات الكاريكاتيرية، من مختلف الجنسيات، التي يزدحم بها ذلك الشارع العجيب.
* يذكر، جمال الغيطاني، في كتابه أن قهوة القزَّاز، على مقربة من الموسكي والعتبة، كان يرتادها أهل الريف غالباً. وكانوا يجلسون فيها ويتأملون النساء القاهريات المحجبات بالبراقع البيضاء والسوداء، أثناء اتجاههن لشراء حوائجهن من أكبر شوارع القاهرة في ذلك الوقت، شارع الموسكي. أما محل حلواني اللبّان بالقرب من هذا المقهى، فكان زبائنه من العسكريين القُدامى، والعجائز المتصابين، وكانوا يجلسون يتابعون المارّة، ويتبادلون الذكريات المستمدة من سنوات عُمرهم البعيدة.
* القاهرة من أكثر المدن، بعد باريس، احتفاء بالمقاهي، واهتماماً بها. والمقهى، مكاناً، كان موجوداً، ربما منذ العهد الفاطمي، ولكن المقهى، اسماً وتقاليد، جاء بعد تقديم القهوة، مشروباً في القرن السادس عشر على يد أبوبكر بن عبدالله المعروف بالعيدروس، كما يروي لنا الغيطاني.
* ويذكر كتاب )وصف مصر( الذي أعدته الحملة الفرنسية، إلى أن مدينة القاهرة كانت تضم ألفاً ومائتي مقهى خلاف مقاهي مصر القديمة وبُولاق. أما اليوم فيذكر الغيطاني، أنه يوجد في القاهرة، اليوم، حوالي خمسة آلاف مقهى، وتاريخ هذه المقاهي، وأنواعها، ومواقعها، ،روادها، يحكي فصلا مهما، ومثيراً، من التاريخ السياسي والفكري والأدبي، لمِصْر، ويعكس جوانب مهمة من حياتها اليومية.
أعلـىالصفحةرجوع















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved