| الاقتصادية
تحقيق: مريم شرف الدين
الجزء الأول
ملايين من اطفال دول العالم الثالث يولدون في جحيم الديون التي فرضتها عليهم الظروف السياسية والعسكرية التي خلفتها الدول التي سبق لها وان احتلتها حتى ترزح هذه الدول في محيط وضع مضطرب يموج بالفقر والجهل والمرض مقابل الاموال الطائلة التي انفقتها وتنفقها على التسلح العسكري.. مما يوقعها بالتالي في شراك الاقتراض الخارجي.
وقد اكد الاتحاد الامريكي لحقوق الانسان والتنمية ان العالم في منتصف الثمانينات كان ينفق مبلغ )200 مليون دولار( على التسلح كل 24 ساعة اضافة الى ان ثلاثة ارباع هذه الاسلحة تشتريها دول العالم الثالث.
اما الدكتور رمزي علي ابراهيم سلامة فقد اكد حول ازمة الديون الخارجية والبلدان النامية والاقتصاد الاسلامي، عام 1409ه بدبي ان قيمة صاروخ واحد عابر للقارات بامكانه ان يسد رمق 50 مليون طفل يتضورون من الجوع في كل من افريقيا واسيا وامريكا اللاتينية اضافة الى تشييد )65 الف مركز طبي( و )34 الف مدرسة(.
وان قيمة غواصة يمكن ان يشيد بها حوالي )40 الف مسكن شعبي(.
وان قيمة طائرة قاذفة نووية يمكننا من خلالها اقامة )75 الف مستشفى( سعة الواحدة منها )مائة سرير(.
اضافة الى هؤلاء الاطفال..
ومشكلة الديون واستناداً الى البيانات المتاحة التي توفرت لنا من خلال التقرير السنوي للبنك الاسلامي للتنمية يوجد هناك )666 مليون نسمة( في الدول الاعضاء بالبنك.. يمثل كل ثلاثة منها بين كل خمسة اشخاص يعيشون على دخل يقل عن دولارين امريكيين للفرد في اليوم الواحد اي ما يعادل )5 ريالات سعودي(.
هذا مما جعل المناطق الريفية تعاني من قلة المياه الصالحة للشرب وقلة الخدمات الصحية والبيئية وهبوط معدلات تسجيل الاطفال في مراحل التعليم الاولى وارتفاع معدلات الامية.
في )عام 1976م( كان حجم الديون الخارجية للدول الاعضاء في البنك )47 مليار دولار( بينما وصلت في )عام 1993م( الى )9.570 مليار دولار( وقد ارتفع حجم هذه الديون للدول الاعضاء عامة من )8.670 بليون دولار امريكي( في )عام 1998م( الى )2.689 بليون دولار امريكي( في )عام 1999م( أي بزيادة )4.18 بليون دولار(.
اما الدول الاعضاء الاقل نمواً . فقد بلغ اجمالي الديون الخارجية الخاصة بها من 4.91 بليون دولار امريكي في )عام1988م( الى )6.94 بليون دولار امريكي( في )عام1999م(.
بزيادة 2.3 بلايين دولار امريكي.
ويتوقع ان الحجم الاجمالي للديون سيرتفع خلال العام الحالي )2001م( 8.687 بليون دولار امريكي بينما سيرتفع الحجم الاجمالي لهذه الديون في )عام2002م( الى )2.709 بليون دولار امريكي( اي بزيادة تصل الى )4.21 بليون دولار امريكي(.
كما يتوقع ان تنخفض نسبة هذه الديون الى نسبة الصادرات في )عام2002م( والى اجمالي الناتج المحلي الى)8.124%( و)7.44%( على التوالي.
في ذات الوقت الذي تتوقع فيه هذه المؤشرات ان تنخفض نسبة خدمة الدين الى )17%(.
كما يتوقع من ناحية اخرى ان يرتفع اجمالي الديون الخارجية في )العام الحالي 2001م( الى )1.104 بليو ن دولار امريكي( .
بينما سيصل في )العام القادم 2002م( الى )110 بليون دولار امريكي( اي بزيادة تصل الى )9.5 بلايين دولار(.
أيضاً ربما مازالت تختزن ذاكرتنا صورة تلك الظروف التي مرت بها المملكة في السنوات الماضية بعد ازمة الخليج نتيجة الديون التي اثقلت كاهلها وكيف انعكس ذلك على الوضع الاقتصادي العام بالبلاد والمواطن.
في ظل تراكم هذه الديون والشراك التي تنصبها حول الدول المستدينة وتحجيم قدراتها على تحقيق طموحاتها في التنمية المتكاملة والهاجس الذي اصبح يهدد الكثير من دول العالم الاسلامي والنامي.
وحتى لا تتكرر الظروف التي مرت بها المملكة او غيرها من تلك الدول.
وباعتبار ان هذه الديون تبقى هي حرب الاستنزاف التي يمتص بها دماء هذه الشعوب التي تحتاج الى بذل المزيد من الجهد لكسر هذا القيد والتحرر منه.
وحتى يمكننا ايجاد القاعدة او الاستراتيجية التي تمكننا من عدم الوقوع بين براثن هذه المديونيات.. اردنا مناقشة هذه القضية لمعرفة مدى الخطورة او المخاطر المترتبة على تزايد اعباء الديون الخارجية على الدول الاسلامية؟
وحيث ان المعلومات التي اوردناها آنفاً تؤكد التطور المطرد في هذه المديونات كان لابد من ان نتساءل عن الاسباب التي ادت الى تطور حجم هذه المديونيات؟
ايضاً ما هو اثر هذه الديون على واقع التنمية الاقتصادية الاقتصاد الوطني لهذه الدول؟
في المقابل..
ايضا كيف بامكاننا ان نحقق التكامل الاقتصادي للدول الاسلامية لتلافي اعباء هذه الديون؟
ومدى اهمية ترشيد الانفاق لتحقيق ذلك وكسر حدة هذه الديون؟
اخيراً ما هي المعايير التي يمكننا التوصل من خلالها لمعالجة هذه المشكلة؟
يشاركنا في مناقشة هذه القضية كل من / معالي د. احمد محمد علي رئيس البنك الاسلامي للتنمية.. د. عبدالعزيز داغستاني العضو السابق بمجلس الشورى ورئيس دار الدراسات الاقتصادية ورئيس تحرير مجلة عالم الاقتصاد.
د. عبدالله بن حمدان الباتل/ قسم الاقتصاد جامعة الملك سعود بالرياض ورئيس جمعية الاقتصاد السعودية د. محمد بن حمد القنيبط رئيس القسم الاقتصادي بمجلس الشورى.
وفي البداية .. وحول المخاطر المترتبة على تزايد اعباء الديون الاجنبية/ يرى معالي الدكتور / احمد محمد علي رئيس البنك الاسلامي للتنمية.
ان مشكلة تراكم الديون الخارجية تمثل عبئاًَ حقيقياً على كافة الدول النامية بشكل عام .. ومن ضمنها الدول الاعضاء في منظمة المؤتمر الاسلامي.
ويوضح معاليه.. ووفقاً لتوقعات عام 2001م..
فان اجمالي الديون الخارجية للدول الاعضاء ستصل الى نحو )688 بليون دولار امريكي(..
اي نحو )46 بالمائة( من مجموع الناتج المحلي الاجمالي لهذه الدول.. وهذا يمثل نحو )127 بالمائة( من اجمالي صادراتها من السلع والخدمات.
اما بالنسبة للدول الاقل نمواً.. فان هناك اتجاهاً تصاعدياً في اجمالي ديونها الخارجية.
حيث يتوقع ان تصل في عام 2001م الى نحو )104 مليارات دولار امريكي او اكثر، اي ما يعادل نحو 71 بالمائة( من مجموع صادراتها من السلع والخدمات بنسبة )476 بالمائة تقريباً(.
ومن المتوقع ايضا ان تبقى نسبة خدمة الدين في الدول الاعضاء بمعدلاتها العالية وبخاصة في الدول الاقل نمواً.
ويشير انه على الرغم من الجهود التي بذلت في السنوات الاخيرة لتحسين نسبة خدمة الدين في الدول الاعضاء.. الا ان من المتوقع ان هذه النسبة ستبقى بمعدلات عالية وبخاصة في الدول الاعضاء الاقل نمواً..
اذ يتوقع ان تبقى في حدود )16%( من الدول الاعضاء عامة.
وتعزيته للاسباب الرئيسية التي ادت الى زيادة حجم الديون بنسب عالية.. والى تدني النمو الاقتصادي في معظم الدول الاعضاء.. والى تأخير سداد الديون.. وضعف الهيكل الاقتصادي وادارته.
ويشير في هذا السياق الى تجربة بعض الدول الافريقية.. وعلى الرغم من ان الدول الافريقية الاعضاء في جنوب الصحراء قد حققت بعض النمو الاقتصادي في منتصف التسعينات بعد عقدين من معدلات النمو الاقتصادي السالبة.. الا انها لم تنجح في تسريع نموها الاقتصادي او في تخفيف حدة الفقر.
ويوضح واجهت الدول الاعضاء الاقل نموا معضلة كبيرة بسبب عدم كفاية مواردها المالية.. فقد سجلت ادنى معدلات التوفير في العالم.. وذلك بسبب تدني الدخل وزيادة الفقر.
وقد وقفت الايرادات المنخفضة لهذه الدول حجر عثرة امام قدرتها على توليد وتعبئة الموارد الخارجية وعلى ضوء انخفاض معدلات العون الخارجي.. لم تستطع هذه الدول ان تزيد نصيبها من تدفقات الموارد المالية الاخرى غير الدول الديون.. وبخاصة من الاستثمارات الخارجية المباشرة.. وذلك بسبب المخاطر السياسية وعدم الاستقرار الاقتصادي والنزاعات الاقليمية فضلا على ان الموارد التي تم استلامها لم توظف في اغلب الاحيان بطريقة فاعلة.
صورة قاتمة
د. عبدالعزيز اسماعيل داغستاني/ العضو السابق بمجلس الشورى ورئيس دار الدراسات الاقتصادية ورئيس تحرير مجلة عالم الاقتصاد اكد من جانبه:
ان الدين بصفة عامة التزام يكبل الاقتصاد وانه في حالة اذا ما ارتبط هذا الدين بديون خارجية فانه يكون اكثر سوءاً على الاقتصاد وتكون له انعكاسات سياسية سلبية.
ويوضح.. ومشكلة الدين العام بصفة عامة ترسم صورة قاتمة لمستقبل الاقتصاد ويحد من النمو الاقتصادي
اذ يترتب على ذلك الالتزام بدفع اصل الدين بالاضافة الى الفوائد وقد يقع الاقتصاد في حرج خاصة في حالة اذا لم يتمكن من دفع الدين في موعده والاضطرار الى الجدولة وبالتالي فان تراكم الفوائد.. ووجود الدين العام يحد من قدرة الاقتصاد على تنمية الاستثمارات مما ينعكس على خطط التنمية والانفاق التنموي او الرأسمالي.
مخاطر متباينة
اما د. محمد بن حمد القنيبط رئيس القسم الاقتصادي بمجلس الشورى قال من جانبه:
ان الموضوع ضخم والحديث عن مخاطر تزايد اعباء الديون الخارجية على الدول نامية ومتقدمة يختلف من دولة لاخرى.. بناء على الوضع الاقتصادي والقوة الانتاجية لكل دولة على حدة.
ويطرح هنا بعض الامثلة فمثلاً درجة الخطورة من ديون اجنبية على دولة نامية مثل ماليزيا لن تكون بنفس الدرجة لدولة نامية اخرى مثل اندونيسيا او باكستان.
محدودية القدرات.. وتطور الديون ويشير هنا الى اسباب تطور حجم المديونية الخارجية على كل دولة..
وبكل تأكيد اسباب تطور حجم هذه المديونيات تختلف من دولة لاخرى..
واعتقد ان اهم هذه الاسباب يتمثل : في عدم قدرة استخدام هذه المديونيات الخارجية في الغرض الاساسي الذي من اجله تم الاقتراض ومنها مثلاً:
لانشاء مشاريع انتاجية او خدمية ذات مردود مالي مباشر او غير مباشر او قد يكون كذلك للمبالغة في العوائد المالية المتوقعة لمشروع انتاجي تم الاقتراض الخارجي من اجله.
كما يعود هذا الى عدم الدقة في تقدير التكلفة المتوقعة للمشروع الذي تم الاقتراض الخارجي من اجله..
مما يتطلب هذا بالطبع اقتراض المزيد من المال لاكمال المشروع الذي بدأ انشاؤه.
انحسار الاستثمار
د. عبدالله حمدان الباتل قسم الاقتصاد جامعة الملك سعود )الرياض( ورئيس جمعية الاقتصاد السعودية:
كما تعلم تلجأ الدول والحكومات الى الاستدانة لسد عجز ميزانيتها التي رصدت فيها المبالغ التي سوف يتم انفاقها محلياً او خارجياً.
ويوضح.. وفي الغالب فان الحكومات تلجأ الى الاسواق المحلية لتغطية العجز الحاصل في الميزانية ومواجهة الانفاق سواء الآني منه او طويل الاجل ولكن عندما تتمادى الحكومة في الاقتراض من الاسواق المحلية فان ذلك يؤدي الى تراكم الديون والاهم من ذلك مزاحمة القطاع الخاص على اسواق الاقتراض
مما يؤدي الى هروب رؤوس الاموال وانحسار الاستثمارات المجدية وهذا بدوره يؤدي الى التأثير سلباً على النمو الاقتصادي للبلد.
الشروط المجحفة .. والسلبيات
ومن هنا فان بعض الحكومات تلجأ الى الاسواق الخارجية للاقتراض..
ومع ان هذه الاسواق تعتبر وسيلة جيدة للاقتراض الا انها غالبا ما تكون سلبياتها اكبر من ايجابياتها.. باعتبارها تؤدي الى تراكم الديون الخارجية..
مما يؤدي الى زيادة كبيرة في خدمة هذه الديون.. والذي بدوره يؤدي الى حرمان الاقتصاد الوطني من بعض السيولة المهمة التي كان بالامكان استخدامها لتنمية وتطوير الاقتصاد الوطني.
ويشير.. من ناحية اخرى كذلك فان بعض الدول تفرض شروطاً مجحفة على الدول المستدينة وتكيلها بشروط وقيود سياسية واجتماعية تكون عواقبها وخيمة على المجتمع وعلى الاقتصاد.
انعكاسات خطيرة
لكن ما اثار هذه الديون على واقع التنمية الاقتصادية.. والاقتصاد الوطني في الدول الاسلامية.
وعن هذه الاثار يقول معالي الدكتور احمد محمد علي :
مما لاشك فيه ان الديون الخارجية تمثل عبئاً حقيقياً على الدول الاعضاء.. ولها انعكاسات خطيرة على مسارها الاقتصادي على المدى المتوسط والطويل.
ويوضح.. هذا ما خلصت اليه بعض الدراسات، وتشير الدراسات التطبيقية الى صعوبة الحفاظ على معدلات النمو الاقتصادي في ظل تراكم الديون الخارجية وتنامي عبء الوفاء بدفع خدمات الديون
|
|
|
|
|