أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 23rd June,2001 العدد:10495الطبعةالاولـي السبت 2 ,ربيع الثاني 1422

مقـالات

الإنسان واللسان
د. حمد بن محمد الفريان
من المعلوم أن عراقة اهتمام العرب بالعلوم اللغوية تنغرس في الجذور العميقة لموروثهم الفكري، ومعلوم أن الإنسان حينما يفكر في اللغة فإنما يفكر في نفس الوقت باللغة ذاتها فالألفاظ أوعية المعاني، وكثير ممن يتصدون لأمر يخص اللسان في وقتنا الحاضر ينطلقون من جوانب شكلية، وقليل هم أولئك الذين يعنون بالجانب الموضوعي الدقيق، وربما اختلط الجانب الشكلي بالجانب الموضوعي فلم تتضح الصورة بشكل يزول معه اللبس، حتى قال بعض الباحثين إن شمس البحث الدقيق في اللسانيات وقضايا اللغة قد أصيبت بكسوف في سماء الفكر المعاصر، وقد يكون السبب ليس ندرة المختصين ولكن غيابهم عن الساحة وقت وضع المناهج أو تعديلها، وبما أن قضية اللسان بوجه خاص ينبغي أن تبلغ العناية بها أقصى درجات الاهتمام كما فعل اسلافنا إلا أن واقع الحال يستدعي التفاتة حازمة وذكية ليعود الاهتمام بلسان الأمة إلى المنزلة التي يستحقها، ومن المسلم به أن السنوات الأولى من عمر الإنسان مهمة للغاية لتلقيه مفردات ومعاني ومصطلحات لسان أمته، وهذا هو ما أجمع عليه المختصون، وقد كان من سنن العرب بعث أبنائهم الصغار إلى ربوع القبائل العربية المشهورة بالفصاحة وطلاقة اللسان، وفي عصور معينة أصبح التركيز على المؤدب والمعلم لضمان استقامة اللفظ وانضباط المعنى وسمو الذوق اللغوي، وفي عصور أخرى أصبح الوضع دفاعياً أكثر منه طلباً للتميز فبدلاً من تحقيق تفوق لغوي ورقي لساني بات من المهم في الدرجة الأولى حماية ألسنة الناشئة من لكنة العجمة، ولوثة الرطانة، والحفاظ على أفكار الصغار من الخلخلة والحيرة وشتات الذهن، وهذا هو ما دعا الكثيرين من المختصين وغيرهم بأن يتواصوا ويؤكدوا على وجوب العناية التامة باللغة الأم في المراحل الأولى من الدراسة معللين ذلك بأن المهمة الأولى والرئيسة للمدرسة بالنسبة للبنات وللمدرِّس بالنسبة للبنين وللبيت وللمجتمع تتمثل في وجوب تلقين الطلاب الصغار مفردات لغتهم الأم وقواعد ومخارج حروفها، وأن يُبَيَّن لهم بطبيعة الحال في الفصول الدراسية صفات الحروف عند قراءة النصوص وبخاصة عند تلاوة القرآن فيقال لهم هذه حروف إظهار وتلك حروف إدغام، والأخرى للإقلاب وهاتيك حروف إخفاء، وهذه لام شمسية وهذه لام قمرية، وهذا إظهار حلقي وذاك إظهار شفهي.. إلخ ويُعَوَّدون النطق الصحيح بالكلمات وبالحروف مراراً وتكراراً ، ويوضح لهم ويدرس بعناية حكم الفاعل وحكم المفعول به، وحكم المبتدأ وحكم الخبر، وأحكام التوابع نعتاً وعطفاً وتوكيداً وبدلاً، ويعلَّمون قراءة وكتابة الأعداد المفردة والمركبة والمعطوفة إلى غير ذلك من مبادىء وقواعد اللغة الأم شئونها وشجونها، مع التكرار والمراجعة الدائمة رجاء أن ترسخ هذه المبادىء في أذهانهم وتستقر عليها تطبيقاتهم نظراً للأهمية البالغة المترتبة على إجادتها في الحاضر وفي المستقبل على حد سواء، ومما يؤثر سلباً على هذا التوجه ويناقضه تقرير واعتماد دراسة لغة أخرى ولسان آخر في السنوات الأولى من عمر الطالب إذ سيدخل إلى الفصل مدرِّسٌ أو مدرِّسةٌ حسب الأحوال مهمة كل منهما تلقين الطلاب الصغار مفردات وكلمات ومعاني تلك اللغة وذلك اللسان، ولها حروفها بأشكالها وصفاتها ومخارجها وقواعدها ويطلب من كل طالب وطالبة هضم هذه اللغة حفظاً ونطقاً وكتابة وقراءة في الوقت الذي هم فيه مرهقون ومثقلون بعلوم لغتهم الأم ولسان أمتهم. ويبدو للوهلة الأولى والحال ما ذكر أن حدوث بلبلة فكرية وتشتت ذهني وتنازع عقلي متوقع الحدوث أو هو حاصل على الأصح في مخيلة الطفل بين مفاهيم هاتين اللغتين، ذلك أن كل واحدة منهما مترعة بالألفاظ المختلفة زاخرة بالمعاني، ولا خيار له حيال ما فُرض عليه من هضم ما هو مقرر عليه فيما يخص تينك اللغتين نطقاً وكتابة وقراءة وحفظاً، ومن المعلوم ان من الأمور المأخوذة بعين الاعتبار في المقررات والكتب المدرسية بالنسبة للمراحل الأولى وجوب تجنب ما يتعلق بإثارة مسائل الخلاف في القضايا العلمية التي يكون للعلماء فيها أكثر من قول، والهدف من هذا هو الحفاظ على الاستقرار الذهني للطالب الصغير ولضمان توافر قدراته على التركيز وعلى هضم المادة المقررة في حدود إمكاناته العقلية والفكرية في هذه السن المبكرة من عمره، ومما لا شك فيه أن الطالب في مرحلة ما قبل المتوسط من سلَّم التعليم العام لم يبلغ من النضج العلمي والإدراك اللغوي والرسوخ العقلي ما يمكِّنه بدون ضرر من استيعاب لسانين ودراسة لغتين، ومن هذا المنطلق يمكن تفهم توجه دول معينة حينما عمدت الى توحيد لسان الطالب في المراحل الأولى من دراسته فلم تكلفه بدراسة لغة اخرى إلا بعد اجتياز المرحلة الابتدائية، ابتداء من القسم المتوسط فالثانوي فما فوق وهذا التوجه له ما يبرره، وهو في نظر جمهور المختصين توجه معتدل ومعقول ومتوازن، إذ بمقتضاه أخذت تلك الدول نصيبها من الانفتاح اللغوي على العالم ولم تُغبن في المزايا المترتبة على إجادة لسان آخر إضافة الى لسان الأمة، وهو فوق ذلك توجه يليق بدول معينة ذات رسالة سامية قدرها أن تسعى بجد واجتهاد في حماية حمى الإسلام وتصون لغة القرآن انطلاقا من مسئوليتها الزمانية والمكانية بالنسبة لأمة الإجابة وأمة الدعوة على حد سواء.

أعلـىالصفحةرجوع















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved