| شرفات
يقول أحد فلاسفة اليونان: ما أعجب الإنسان من مخلوق! إن له عينين يستطيع أن يتلفت بهما إلى أي اتجاه، ويستطيع أن يغلقهما لينام، لهما أهداب لتنقية الهواء، وحاجبان ليبعد بهما العرق عن عينيه وله أسنان أمامية يقطع بها الطعام، وأسنان خلفية ليطحنه بها وفمه قريب قربا ملائماً لأنفه وعينيه التي ينتقي بها ما يأكله!!
هكذا كانت أعضاء الجسم محل نظر الأقدمين، وما أكثر الشعوب التي كانت تنسج حول أعضاء الانسان العديد من القصص والخرافات والعادات فماذا لو استبدلنا كلمة الفيلسوف العظيم سقراط: اعرف نفسك بنفسك، وقلنا: اعرف جسمك أولاً:
الأظافر والأصابع:
في الإسلام تقليم الأظافر من سنن الفطرة، وبعض الشعوب تعتقد أن تقليم الأظافر في الحقيقة يقوي البصر، أما تقليمها في الحلم فيعني حدوث فشل لصاحب الحلم. وفي بعض الجزر البريطانية اعتقاد بأن الوليد سيصبح لصا إذا قُصت أظافره قبل أن يبلغ العام. ومن يريد أن يعرف عدد الأصدقاء من عدد الأعداء ما عليه سوى أن يعد البقع البيضاء على ظفر السبابة ويقارنها بعدد البقع على ظفر الوسطى. علاوة على ذلك تدخل قلامات الأظافر في الأعمال السحرية التي تتصل بالحب والعواطف. كما يمكن التنبؤ بمستقبل شخص ما من خلال الشكل الذي تأخذه أظافره بعد تقليمها.
بالنسبة للأصابع نجد أن بعض الشعوب في غرب أفريقيا تحتفظ بأصابع الأسلاف وتتوارثها جيلا بعد جيل داخل أكياس صغيرة وهناك قبائل أخرى عندما يموت أحد زعمائها تضحي بمائة إصبع على الأقل، على حين نجد أن امرأة قبائل الهوتنتوت تكتفي بقطع عقلة واحدة من إصبعها عند وفاة زوجها العزيز. ومن العادات الشائعة لدى الصغار أنهم يتغذون من أصابعهم حين يشعرون بالجوع وخاصة اصبع الإبهام وفي الشعوب الغربية نجد أن اصبعي السبابة والوسطى معا يرمزان إلى علامة النصر V وهي تمثل الحرف الأول من كلمة Victory.
كما يلاحظ أن أغلب شعوب العالم تعتبر «البنصر» هو حامل وثيقة الرباط المقدس، يقيم العلاقات أو يهدم الأسر بمجرد خلع أو لبس خاتم الخطوبة، وسر اختيار هذا الاصبع لتلك المهمة يرجع لاعتقاد قديم بأن البنصر وثيق الصلة بالقلب، وأنه لو غمس في السم قليلا فإن الجسم كله يتأثر بسرعة ومن هنا أصبح الاصبع المهم عند العشاق والمحبين.
أما اصبع السبابة في اليد اليمنى فلها مكانة عزيزة في نفوس المسلمين إذ يرفعونها خلال التشهد عند كل صلاة كرمز للإيمان وكلمة التوحيد أما الأيدي والأقدام فلها كذلك دلالاتها الأخرى فاليدان مثلاً تؤديان دور اللغة الرمزية الأساسية عند الصم والبكم، وبواسطتهما يتم التعبير عن معان كثيرة كما تستخدم اليدان في كثير من الممارسات الدينية في عبادات البوذيين والمسيحيين وغيرهما من الجماعات الدينية.
كما أن لليدين دوراً كبيراً في أغلب الجمعيات والعلاقات الأخوية أو التضامنية. بحيث يمكن القول بأن هناك لغة لتلك الجمعيات تقوم على استعمال اليدين بطريقة لا تسمح للمحيطين بمعرفتها.
وإذا كانت بعض الشعوب تعاقب السارق بجدع أنفه فإن الشريعة الإسلامية تعاقبه بقطع يده ويعتقد المسلمون أن اليد اليسرى مكروه استخدامها في تناول الطعام أو المصافحة، ونجد عند الإمام الغزالي تعليمات كثيرة عن استعمالات اليدين.
وفي المعتقد الشعبي هناك دلالة خاصة لحكة اليد فإذا كانت في اليد اليمنى كان ذلك إيذاناً بأنه سيضرب أحدا، وإذا كانت في اليد اليسرى كان إيذاناً بأنه سيقبض مالاً.
بالنسبة للقدم نجد كثيرا من الشعوب مثلما عند الرومان والغالبية تستخدم القدم كوحدة قياس. وفي بعض اللغات الدارجة ترمز القدم إلى البلاهة لأنها تقع في مقابل المخ والذكاء بينما نجد أن الفن الهندي القديم عندما يرسم جسداً متعدد الأيدي والأقدام فهو بذلك يشير إلى معنى القوة وتعدد النشاط. ويلاحظ في المعابد القديمة وجود انطباعات أرجل أو أخفاف محفورة في التراب، كي ترمز للشخص الآتي لتقديم تضحية والذي يتكرر حضوره إلى مكان مقدس ويقال إن مصر هي أصل هذه العادة المنتشرة في حوض المتوسط.
هناك في أساطير شعوب كثيرة قصص وخرافات عن رجل بأقدام ظلفاء هذا الرجل في الفن الأغريقي الروماني هو «ستير» مرافق باخوس وهو شخص خرافي نصفه الأعلى بشر والأسفل ماعز ومعنى الاسم المجازي يشير إلى الشهواني أما هذا الرجل الخرافي في الفن المسيحي فيعني الشيطان الرجيم. كما أن هناك العديد من القبائل الافريقية كالزولو والهوتنتوت تعتبر أن آثار القدمين علامة على جسد صاحبها وبالتالي يمكن التأثير على الشخص بالسحر عن طريق التراب الذي عليه آثار قدميه وهذا يفسر تقديس بعض هذه القبائل للحشرات التي تطمس اثار الصيادين والمحاربين.
وفي منطقة بوهيميا لكي تصيب شخصا بالعرج تأخذ تراب آثار قدميه وتضعه في غلاية ومعه مسمار ودبوس وقطع زجاج مكسوروتترك الخليط يغلي حتى تتصدع الغلاية. تلك هي وضعة بوهيميا الذكية لإصابة شخص بالعرج بقية عمره وفيما يتعلق بالكبد والقلب فإن كثيراً من الشعوب تعتقد أن القلب مصدر الدم ومركز الروح، وأن أكل قلب شخص ما ينقل جميع صفاته التي كان يتحلى بها، لذلك نجد في بعض مناطق غرب افريقيا أن على الزعيم الجديد أن يأكل قلب سلفه السابق، كي يكتسب نفس القدر من الشجاعة )هذا إذا كان سلفه يمتلك أصلاً الشجاعة(! وتعتقد شعوب أخرى في أهمية أكل قلب بعض الحيوانات كالأسد أو الدب باعتبار ذلك مصدر القوة والشجاعة.
ويذكر التاريخ أن أبناء قبيلة الأشانتي بعد أن قتلوا السير تشارلز ما كارش في عام 1843م واعترافا منهم بشجاعته الفائقة أكلوا قلبه بالهناء والشفاء كي تنتقل إليهم هذه الشجاعة.
كما اعتادت شعوب اللازيتيك على تقديم قرابين معتبرة عبارة عن قلوب بشرية فحسب طمعا في تحقيق النصر في حروبهم.
وبعيداً عن هذه الدموية فإن للقلب رمزية غنية باعتباره موطن المشاعر الدارجة كالفرح والخوف ومقر الإقامة للمشاعر النبيلة كالحب. ففي هذا القلب الذي لايكف عن النبض نحتفظ بأجمل الذكريات والمعاني والمشاعر.
ومن الغريب أن الكبد يتشابه معه في رمزيته عند شعوب كثيرة حيث تنظر إلى الكبد أيضا باعتباره مصدر الدم ومركز الروح وموطن القوة والشجاعة فمثلاً قبائل الهنود الحمر في أمريكا الشمالية كانوا يأكلون أكباد ضحاياهم. وهناك شعوب تفضل على الكبد البشري أكباد بعض الحيوانات، على سبيل المثال يأكل أبناء بتشوانا كبد الثور كاملاً ليزدادوا شجاعة وذكاء، ويعتقدون أن أكل قطعة واحدة منه تصيب المرء بالنسيان، ولهذا فإن النساء وحدهن يكتفين بأكل قطعة واحدة فحسب لأنهن يفضلن نعمة النسيان عن نعمة الذكاء.
وإذا كان الرومان يفضلون كبد وحيد القرن باعتباره شيئا عظيم القيمة نجد أن أسلافهم من الاغريق يكتفون بكبد متواضع وسهل الهضم هو كبد الأوزة.
كما نجد أن قدماء المصريين توصلوا إلى علاج العمى الليلي بأكل الكبد نظراً لثرائه بمادة الكاروتين في حين ان زنوج المسيسبي كانوا يعالجون الجرح بوضع كبدة عجل فوقه.
وفي ايطاليا يُعتقد أن من يريد أن يتعلم فنون السحر ليس عليه سوى أن يأكل كبد امرأة.
شريف صالح
|
|
|
|
|