| شرفات
منذ أشهر قليلة عقد ابراهيم المعلم رئيس اتحاد الناشرين العرب صفقة مع الروائي الكبير نجيب محفوظ، وبمقتضاها يصبح لدار الشروق حقوق نشر أعمال نجيب محفوظ على الانترنت وقيل آنذاك أن الصفقة تبلغ المليون جنيه)!!(
بعد ذلك بفترة حدثت أزمة الروايات الثلاث التي صادرتها وزارة الثقافة المصرية لأنها تخدش الحياء العام.ثم فوجئنا بتعاقد أصحاب الروايات مع بعض الجهات لترويج هذه الأعمال «الممنوعة» على شبكة الانترنت. فإذا كانت حقوق النشر العادية ملتبسة وتضيع على الكتاب فكيف نضمن حقوق النشر الالكتروني؟ وهل يلغي أحدهما الآخر؟ تساؤلات كثيرة تشتبك في الإجابة عنها أطراف متعددة.. كتاب وأصحاب دور نشر وأصحاب شركات البرمجة ورجال القانون وغير ذلك وآثرنا أن يدلي مسؤولو النشر بدلوهم في هذا الموضوع، سواء من ينشرون بالطريقة التقليدية أم من يحملون الكلمات على أثير الانترنت.
موت الكتاب
رحم الله العالم الألماني الجليل يوهان جوتنبرج الذي اخترع الطباعة مفتتحا بذلك عصر الكلمة المكتوبة: كتب وجرائد ورسائل ومنشورات ودوريات. أوروبا الحديثة كلها بدأت حضارتها بعد اختراع أحرف الطباعة ربما لم يتخيل جوتنبرج أن يحقق اختراعه كل هذه المنجزات! والمدهش أكثر أن البشرية شهدت طفرة حضارية كبرى تتعلق بالصورة، فجرى انطاق الصورة وتوزيعها وتداولها بشتى الطرق بدءاً من اختراع السينما مع بداية القرن، واعتبر الكثيرون أن القرن المنصرم افتتح عصر الصورة وبدا الأمر كأن ثمة صراعا بين عصرين: عصر الصورة وعصر الكلمة فهل يعني هذا موت الكتاب التقليدي لصالح الاسطوانات ووسائل النشر الالكتروني؟
الدكتور عبدالجليل ناظم من دار توبقال - المغرب - يرى أنه من الصعب مسايرة النقاش في هذا الموضوع من نفس الزاوية التي تطرح في الغرب، لأننا بذلك نتناسى ثغرة تاريخية لابد أن نستحضرها، من خلال تخطيه أولاً - عوائق النهضة الثقافية العربية المزمنة والتي تعمق سنة بعد سنة، ففي كل نقلة أو تطور إنساني وكوني تتعمق الهوة بيننا وبين الغرب في الثلاثينيات علي سبيل المثال كنا حقا بعيدين عن الغرب ومتأخرين لكن المسافة كانت قليلة إذ كانت النهضة العربية متابعة والفجوة كانت أقل.. الآن الفجوة ازدادت نتيجة عدم مواكبة الثورات التكنولوجية.. ثانيا - الكتاب كان يطرح دائماً مع كل تطور سواء عند إنشاء السينما أو التلفزيون. وكان النقاش يدور خاصة بين علماء السوسيولوجيا ويتم طرح الفرضيات الأخرى بخصوص أهمية الكتاب ومقدار تأثيره في ظل هذه الوسائط التي تعتمد على الصورة.
بعد هذين التحفظين لا أشعر بسهولة التعبير عن رأي.. فرغم المناقشة الشديدة التي تلحق بالكتاب بعد كل تطور لايموت الكتاب ولكن وظيفته تتغير، هذا التغير رهين بتطور ورقي المجتمع ووجود القارئ.. ولاحظ أننا كعرب نعاني مشكلة إضافية وهي غياب القارئ.
ويؤكد المهندس يحيى الخطيب - شركة زاد للبرمجيات، مصر - ان الكتاب لن يختفي وسيظل يلعب دوراً محوريا على الأقل في بعض المجالات.
فمثلا من الصعب قراءة القصص والروايات باستمتاع على شبكة الانترنت.
كما أنه ليس من مصلحتنا كشركات برمجة أن يختفي الكتاب فمثلا الجرائد مازالت توزع بكثرة رغم وجود التلفزيون ونشرات الأخبار، ورغم ان الجرائد أصبحت أيضاً على شبكة الانترنت ومع ذلك لم تختف من بين أيدينا كقراء حيث نستطيع أن نتفحصها في المواصلات العامة.
كما أنه مما يعزز من بقاء الكتاب أننا لا نستطيع أن نجلس أمام الكمبيوتر طيلة اليوم للاطلاع فهذا شيء مجهد ومكلف.
يضيف المهندس طارق مختار - دار الشروق - سبب آخر لبقاء الكتاب رغم النشر الالكتروني ويتمثل في أن ثقة الناس والقراء بالكتاب المطبوع أكثر بكثير من ثقتهم بالنشر الالكتروني.
ويفترض الناشر صلاح الملا - مصر العربية للنشر ولتوزيع - أنه حتى لو كان الكتاب سينتهي في أوروبا فإنه على الأرجح سيبقى لدينا وقتا طويلا نظراً لأن إمكاناتهم الحضارية أعلى منا بكثير، فإذا كان كل فرد في أوروبا يملك جهاز كمبيوتر نجد أن الأمر لدينا مختلف وبالتالي سنظل معتمدين على الكتاب الورقي بشكل أساسي.
فوائد النشر الالكتروني
يرى المهندس يحيى الخطيب أن الاسطوانة أو الC.D يمكن أن تستوعب ثلاثمائة مجلد. كما أن عملية البحث في المجلدات والموسوعات أصبحت سهلة وميسرة من خلال اسم الموضوع أو اسم الكاتب، بما يعني أن الحصول على المعلومة المطلوبة أصبح يتم في أقل وقت وأقصى سرعة فمثلا لعلاج موضوع قانوني معين كان على الباحث أن يتصفح مائتي مجلد في فترة طويلة زمنياً.
في التعليم أيضاً أصبح من السهل أن أعد أسطوانة عليها برنامج تعليمي بالصوت والصورة يوفر المبالغ الطائلة التي تدفع للدروس الخصوصية.
علاوة على أن أكثر من حاسة تشترك في التعلم عن طريق الكمبيوتر وهذا أفضل كما أن الصوت والصورة ساهما بدور فعال في تبسيط العلوم الصعبة كالهندسة والطب، وأصبحنا نطلع مثلا على الاعجاز العلمي في القرآن سواء عن طريق الفيديو أو الكمبيوتر.
كما يشير المهندس يحيى الخطيب إلى دور الC.D في نشر الثقافة الدينية وجمع الفتاوى والأحكام وتفاسير القرآن المختلفة بما يحقق قفزة للأمام ولم يعد الكثيرون بحاجة إلى استفتاء شيخ أو الاطلاع على مجلدات ضخمة علاوة على أن تلاوة القرآن الكريم بأصوات المشايخ الكبار أصبحت متاحة على ال C.Dبجنيهات قليلة أرخص بكثير من شرائط الكاسيت.
حقوق النشر الإلكتروني
إذا كان النشر الالكتروني يحقق هذه المزايا السابقة، فكيف يمكن أن نحفظ حقوق النشر للمؤلفين؟ وبمعنى آخر، هل تستطيع دار الشروق أن تحقق أرباحاً من نشر أعمال نجيب محفوظ على الانترنت تعوض قيمة العقد المبرم أو المليون جنيه؟!
يرى المهندس يحيى مختار - من دار الشروق - أن حقوق النشر الالكتروني ضائعة للغاية نظراً لسهولة النسخ، علاوة على التنافس الشديد والتجديد في البرمجيات فرغم أن النشر الالكتروني أصبح أرخص سعراً من الكتاب لكنه غير متاح للكثيرين ولا أستطيع أن أحافظ على النشر الالكتروني إلا بتقديم أفضل خدمة بأقل سعر حتى لا يلجأ المستهلك إلى نسخ الأعمال.
على سبيل المثال خفضت بعض الشركات مبيعاتها إلى 70% خاصة وأن الكثيرين يتخوفون من اقتناء الكتب على اسطوانات مدمجة نظرا لصعوبة الحفاظ على ال C.D إذا تعرض لسوء تخزين أو خدش أو مجال مغناطيسي بعكس الكتاب الذي يقاوم بشدة عوامل التلف. هذا المأزق يجعل مكاسب النشر الالكتروني مهددة.
بالنسبة لشراء أعمال محفوظ على الانترنت بهذا المبلغ ربما يكون الأمر نوعا من التكريم والتقدير لشخص محفوظ لأنه من الصعب أن نقول إن الغرض من هذه الصفقة هو المكسب المادي خاصة في ظل مايسمى بقراصنة الانترنت أو الهاكرز الذين يستولون على المواد ومن الصعب المحافظة عليها حتى بالاشتراكات.
ويرى الناشر صلاح الملا أن تجربة دار الشروق استعراضية ودعائية لأن أي شخص مهتم بأعمال نجيب محفوظ سيجد كتبه متاحة في أي وقت وبأسعار زهيدة ناهيك عن أن القراءة على الشاشة أمر غير معتاد وتحتاج إلى عشر سنوات حتى نستوعبها يضاف إلى ذلك أن النشر على الانترنت خدمة أكثر منها تجارة.
التطور سنة الحياة
من الملاحظ أن تجارب الانترنت مازالت محدودة لأسباب كثيرة وعادة لا يلجأ الناشر إلى عرضه على شبكة الانترنت إلا بعد أن يكون قد أخذ منه مايريد ماديا كما أن النشر الالكتروني تحكمه أخلاقيات الشخص المتعامل معه وليس الحماية الفنية.
إذن هناك تكامل بين نوعي النشر ومكاسب متبادلة تصب في تيار واحد هو نشر الثقافة العامة. هذا ما يؤكده الدكتور عبدالجليل ناظم - المغرب - قائلاً: إن التطورات الجذرية في التاريخ البشري هي استثمار لمنجزات سابقة ولايوجد انقطاع حرفي وإنما استمرارية وفي كل تطور الخاسر الأكبر هو المجتمع العربي الذي يعيش مشاكل إضافية خطيرة مثل الأمية وغياب التقاليد الثقافية الرصينة وغياب النسق التعليمي المرن وغير ذلك.
وبالتالي لا نستطيع أن نتنبأ بنتائج هذا التطور إلا في ضوء متغيرات المجتمع. هناك إرادة لإحداث تغيير جذري واستيعاب الثورة التكنولوجية لكنها لم تحقق فاعليتها تماما.
أما الأستاذ محمد عبدالعزيز الزغبي - دار الفكر دمشق - فهو كناشر تقليدي ليس قلقا من هذا التطور الحادث الآن، ويرى أن الذي يقف في مكانه يتأخر لا أحد ينكر أن الكتاب حمل إلينا مازرع الأقدمون إلى أجيالنا والأجيال القادمة، كما أنه لا أحد ينكر أن أقراص ال C.D هي عبارة عن مدخرات مايوجد في الكتاب. فالكمبيوتر اختصر على الإنسان الوقت والحواجز الفكرية والرقابية، وأصبح كل منزل يمتلك جهاز كمبيوتر كأنه يقبض على العالم كله. وبالنسبة لدور النشر إن لم تساير المسار العلمي الجديد فستتقهقر وتعود إلى الخلف مع الأخذ في الاعتبار اننا كعرب يأتينا العلم متأخراً جداً فالكمبيوتر يستعمل في أوروبا منذ أربعين سنة وكان من الأسرار الحربية إبان الحرب العالمية الأولى.
لا نعلم حتى الآن مايكنه الزمان - والكلام للأستاذ الزغبي - وهل الانترنت سيبقي على حاله أم تظهر أشياء ومخترعات جديدة وأيا كان ليس علينا كعرب سوى أن نسعى لأن نكون في بداية الركب.
|
|
|
|
|