| مقـالات
ثبت للجميع أن شارون غير قادر على تحقيق الامن من خلال إخضاع الفلسطينيين ، فمنذ انتخاب شارون تصاعدت الانتفاضة وتحولت نوعياً لتشمل استخدام قذائف الهاون والعمليات الاستشهادية داخل فلسطين المحتلة سنة 1948هـ ، إضافة الى تصاعد الهجمات على المستوطنين داخل الضفة والقطاع وقام شارون رداً على هذا التصاعد بهجمات انتقامية غير مثمرة، فبعد عملية نتانيا والتي قتل فيها 6 إسرائيليين شنت إسرائيل هجوماً انتقامياً شاملا استخدمت فيه الطائرات المقاتلة، ورغم شراسة الانتقام إلا انه لم يؤد إلى الاهداف السياسية المرغوبة، وعندما وقعت عملية تل ابيب كان متوقعاً أن تقوم إسرائيل بهجوم انتقامي قيل انه شامل، لكن شارون تردد في الأمر ببدء ذلك الهجوم الذي تدربت عليه قوات العدو لوقت طويل والذي منعه من ذلك فيما يبدو عدة عوامل منها:
1ـ الخسائر الكبيرة التي ستلحق بإسرائيل من عملياتها العسكرية في المناطق الفلسطينية المحررة.
2ـ قد ينتج عن تدمير السلطة الفلسطينية ظهور قيادات فلسطينية اكثر تشدداً.
3 ـ خطورة حصول مذابح تكشف إسرائيل على حقيقتها أمام الرأي العام الدولي وتزيد من التشدد في الجانب الفلسطيني والعربي.
لقد تعلم شارون من حرب لبنان 1982 انه قد يكسب المعركة ولكن يخسر الحرب فإسرائيل خرجت من لبنان بعد قرابة العشرين عاما بدون أي اتفاقات وترتيبات أمنية فما بالك باتفاقات سلام اما مذابح صبرا وشاتيلا فعادت على العدو بعواقب وخيمة، ان الدرس الأهم من حرب لبنان هو ان الزمن في صالح العرب، فإذا رفضت إسرائيل الخروج من الضفة القطاع والقدس الشرقية باتفاقات سلام اليوم فقد تخرج منها بعد عشرة أو عشرين عاما أو اكثر أو أقل مرغمة.
لقد مارس المجتمع الدولي ضغوطا كبيرة على الجانبيون الفلسطيني والإسرائيلي لعدم التصعيد وقبلت السلطة الفلسطينية وقفا فوريا وفعالا وغير مشروط لإطلاق النار ومازالت الهدنة قائمة منذ أسبوعين أو أكثر إلا انها هشة رغم تعززها بموافقة الطرفين على مبادرة مدير الاستخبارات الأمريكية. ولا شك أن ما سيعزز الهدنة الآن هو طرح مبادرة متكاملة للسلام في الشرق الأوسط ، وإلا فان الشعب الفلسطيني مل من عشر سنوات من التفاوض الذي لم يحقق له أدنى حقوقه المشروعة. وحيث إن الإدارة الأمريكية الجديدة تريد انتهاج منهج أقل تدخلا في تفاصيل عملية السلام في الشرق الأوسط لاهتمامها بالشأن الداخلي والدفاعي وما يمس بشكل مباشر المصالح الاقتصادية والتجارية والعسكريةالأمريكية ، وقد اثبتت التجارب ان التدخل الأمريكي كان دائماً لمصلحة الطرف الإسرائيلي لوجود عوامل داخلية سياسية واجتماعية تضغط على صانع القرار الأمريكي للاهتمام بالأمن الإسرائيلي، لذا فان الجهة الأقدر على طرح مبادرة سلام متكاملة هي الاتحاد الأوربي.
لقد عزل الاتحاد الأوربي عن عملية السلام في الشرق الأوسط، فعندما بدأت هذه العملية في نهاية أكتوبر 1991 لم يكن هذا الاتحاد موجوداً، وكان يعرف باسم الجماعة الأوربية ليصبح الاتحاد الأوروبي إلا في العام 1992، وبعد تأسيسه اكتشف الاتحاد الأوربي مبكراً اهمية المنطقة العربية للأمن الأوربي فالاتحاد الأوربي لا يفصله عن المنطقة العربية إلا مضيق جبل طارق في الغرب ، وبسبب وجود اليونان وتوقع انضمام قبرص للاتحاد قريباً ستكون حدود الاتحاد قريبة جداً من المشرق العربي. لقد حاول الاتحاد الأوربي ان يساهم في عملية السلام في الشرق الأوسط وعين مبعوثاً للسلام يوازي جهود المبعوث الأمريكي السابق روس ولكن جهود المبعوث الأوربي ظلت تراوح في خانة جمع المعلومات ومتابعة التطورات ولم تتطور للقيام بدور ملموس. وفي بداية الإدارة الأمريكية الحديثة وعزفها التام تعزز دور المبعوث الأوربي إلا انه ظل دون المستوى الفعال والمؤثر. والآن يبدو ان الإدارة الأمريكية عادت للاهتمام بالنزاع الفلسطيني الإسرائيلي لانعكاساته على المنطقة برمتها فبعث مبعوثاً جديداً هو سفيرها السابق في الأردن بيرنز، إلا ان الجهود الأمريكية منصبة تماماً على المدى القصير والنواحي الأمنية وهذه النظرة قصيرة المدى ستؤدي إلى تدهور الأوضاع مجدداً.
لذا فإنه من المناسب الآن وفي الوقت الذي ينشغل فيه الجانب الأمريكي بالإجراءات قصيرة المدى أن يطرح الاتحاد الأوربي وهو الاقرب جغرافياً للمنطقة والأكثر اهتماما باستتباب الأمن فيها ان يطرح هذا الاتحاد مبادرة متكاملة للسلام في المنطقة وقد تكون هذه المبادرة هي الوقت المناسب للاعلان عن ولادة الاتحاد الأوربي كعامل فعال في السياسة الدولية بعد مرور حوالي عشر سنوات على تأسيسه. لقد صادف الاتحاد الأوربي العديد من الأزمات خلال هذه السنوات العشر في البوسنة وكوسوفا وظل عاجزاً عن الفعل، لذا فان التحرك على صعيد الشرق الأوسط قد يكسب هذا الاتحاد الكثير من المصداقية على الصعيد الدولي، ورغم صعوبة اتخاذ القرار في اتحاد يضم خمس عشرة دولة، إلا ان قادة هذا الاتحاد يعقدون مؤتمراً لهم هذا الأسبوع في جوتنبرغ السويدية، وإذا استطاعت قمة الاتحاد او اجهزته الاخرى التوصل إلى طرح مثل هذه المبادرة فستكون تطوراً مهماً من قرارات الشرعية الدولية ومبادئ مؤتمر مدريد للسلام والتي ترتكز على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 والذي ينص على انسحاب إسرائيل الكامل من الأراضي العربية المحتلة سنة 1967 في الضفة والقطاع والقدس مقابل إجراءات أمنية قد تكون نشر قوات مراقبين أوربية أو أوربية ـ أمريكية مختلطة وقيام دولة فلسطينية وحق اللاجئين في العودة والذي من الممكن تنظيمه من خلال العودة الفورية للاجئين الفلسطينيين في لبنان وسوريا إلى بيوتهم في فلسطين المحتلة سنة 1948 وعودة بقية اللاجئين الذين لا يقبلون بحق التعويض على فترات زمنية مناسبة ومن خلال التفاوض بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي وبمشاركة دولية فعالة.
ان طرح مثل هذه المبادرة سيحدث زخما دولياً كبيراً لاسيما عند حصولها على موافقة الطرف الفلسطيني وبعض العناصر المعتدلة داخل إسرائيل مما قد ينتج عنه سقوط حكومة شارون ودخول المنطقة عندها في مرحلة جديدة.
|
|
|
|
|