| مقـالات
الجامعة بمفاهيمها الحديثة في الإدارة والتنظيم والتخطيط والتقويم، وبوظائفها في البحث والتدريس وخدمة المجتمع، وبرسالتها في المحافظة على ثقافة الأمة وتجديدها ونشرها والعمل على تنميتها، ليست وليدة اليوم ولا الأمس القريب وإنما وراء ذلك تاريخ طويل من فكر وعمل وممارسات حيث تضرب فكرة الجامعة بجذورها في أعماق التاريخ.
إن التحليل اللغوي لكلمة «جامعة» يشير إلى عمق وقدم الممارسات والجذور التي تستند اليها الجامعات الحديثة فكلمة «جامعة» في اللغة العربية اسم فاعل من جمع.
يقول د. عبدالعزيز السنبل: أخذت المؤسسة التعليمية العالمية الحديثة اسمها «جامعة» انطلاقا من الممارسات القديمة جداً والتي ترجع إلى ما قبل الميلاد، والتي استمرت وقويت حتى وقت انتشار التعليم الجامعي الحديث من اجتماع طلاب العلم وأساتذتهم في جامعة واحدة لغرض طلب العلم ونشره وتوسيع حدوده في استقلالية تامة.
وأقدم تلك المؤسسات التي نبعت منها فكرة الجامعة هي المؤسسات الهندية المعروفة ب«مدارس الغابة» التي يرجع تاريخها الى 1500 ق.م. في تلك الخلوة للتأمل والمناقشات الفلسفية حيث الهدوء والتفرغ، وهذه المدارس لا تشكل أصلاً تاريخياً من أصول نشأة الجامعات فحسب، بل إن فكرة الانقطاع التام عن العالم الخارجي للتأمل والبحث قد لازمت فكرة الجامعة وممارساتها حتى عهد قريب.
والمؤسسات الحضارية الإسلامية كثيرة،أهمها في بغداد «بيت الحكمة» حيث وفر مادة العلم من كتب ومراجع وجو علمي بمتطلباته، وقد أسسه المأمون.
وقد كانت هذه الدار مركزاً ثقافياً يقصدها العلماء من شتى أنحاء العالم الاسلامي وتخرج منها عديد من العلماء لذا، يحق أن نقول إنها تعد من الأصول التي تستند اليها جامعات اليوم.
وهكذا كانت أيضا «دار الحكمة» في القاهرة جامعة إسلامية اجتمع فيها العلماء والباحثون والطلاب.
ولم يقتصر الأمر على «بيت الحكمة» في بغداد، و«دار الحكمة» في القاهرة، بل إن أنواعاً من التعليم تشبه التعليم في المرحلة الجامعية اليوم انتشرت في عديد من بلدان العالم الاسلامي في المشرق والمغرب والأندلس، حيث وجدت مكاناً لها في المكتبات والمساجد والصالونات الأدبية، كما أن المسلمين خطوا خطوة أكثر قرباً من جامعات العصر الحديث ببناياتها الخاصة، وأساتذتها المأجورين وشروط التحاق الطلاب بها، وتتمثل تلك الخطوة في تأسيس المدارس النظامية في القرن الخامس الهجري.
يقول د. نور الدين عبدالجواد: يبيِّن التاريخ أن الجامعات الأولى التي ظهرت سواء في الشرق أو في الغرب ظهرت في أحضان دور العبادة، ففي الشرق اتخذت في البداية من المساجد مقراً لها، ومن الإسلام والثقافة الإسلامية منهجاً وموضوعاً للدراسة.
وفي الغرب ارتبطت الجامعات بالأديرة والكنائس واتخذت منها مقراً لها، كما جعلت من علوم اللاهوت وفنون النحو والبلاغة والجدل مجالاً لدراساتها. ومما يجدر تأكيده أن الجامعة اليوم متأثرة بالحركة الاجتماعية التي قوي تيارها في القرن الماضي حيث بدأت تعدل من فلسفتها وأخذت تتجه نحو المجتمع تتلمس حاجاته وتعمل على تلبيتها وترتبط به ارتباطاً وثيقاً، لأنها لم تعد كما كانت خارج الكيان الاجتماعي العام، بل أصبحت في بؤرته، كما أنها لم تعد شيئاً منعزلاً عن عصرها، بل على العكس أصبحت تعبر عن روح العصر، كما أنها بالتالي لم تعد تؤثر في الحاضر، بل امتد تأثيرها لينال الحاضر والمستقبل سواءً بسواء. ختاما أقول إن جامعات اليوم لم تعد قاصرة على فئة دون غيرها، بل أصبحت في خدمة المجتمع، كما أنها أصبحت في خدمة نوعيات جديدة من البشر، وهي وفق هذا المفهوم لم تعد مجرد مكان لتلقي التعليم العالي، وإنما غدت مصنعاً للرجال والنساء، لقادة الفكر والأدب، لكل الذين يمكنهم أن يشاركوا في خدمة المجتمع، إنها أصبحت باختصار شديد في خدمة المجتمع.
*عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الاسلامية
|
|
|
|
|