| مقـالات
الصحة مطلب الإنسان منذ الأزل، ولذلك اتجه الطب إلى علاج المرض ومنعه، وقد اختلطت بدايات الطب بالسحر لما عرف من حرص الناس على علاج مرضاهم. وقد عرف الطب منذ أيام السومريين والبابليين، وعرف في الصين ومصر والهند وبلاد فارس، كما عرف عند العرب قبل الإسلام على نطاق ضيق. وعرف الإغريق علم الطب وكتبوا فيه، ومن أطبائهم أبقراط، وجالينوس، والأسكندر الطَّرْيثي، وتوسع العرب بعد الإسلام في الطب فَعُرِف الأطباء المتمكنون مثل بختيشوع، وابن البَطْريق، ويوحنا بن مَاسَوَيه، وابن سينا، وابن رشد، والرازي، والزهراوي، وهؤلاء الأطباء هم الذين نقلت كتبهم إلى جامعات أوروبا الحديثة، فتأسس الطب الحديث بفضل الله ثم بفضل أولئك. وقد تطور الطب في أوروبا في العصر الحديث، فعرفت فيها المصحات قبل غيرها ثم امتد نفعها إلى الأقطار الأخرى، ومن الأقطار الأخرى بلادنا التي انتفعت بما توصل إليه الآخرون في علم الطب، ففتحت فيها المستشفيات والمستوصفات، ثم فتحت كليات الطب، والعلوم الطبية، وطب الأسنان، فأصبحت بلادنا تشارك الآخرين في بحوث الطب وإجراء العمليات، فنحن الآن نأخذ من غيرنا ونعطيهم، ومع التقدم الحضاري الذي نعيش فيه انتشرت المصحات في المدن والقرى، فالعلاج أصبح من أولويات وجوه الصرف، فالصحة تاج على رؤوس الأصحاء، لا يحتاج صاحبها إلى العلاج، ولكن المريض لا يهنأ له بال حتى يبرأ من مرضه، ومع عموم الوعي كثر المراجعون للمستشفيات فأحسَّ أصحاب الأموال بحاجة البلاد إلى المستشفيات الخاصة التي تساعد المستشفيات الحكومية في علاج المرضى فاتجه رأس المال الوطني وبعض الأجنبي إلى الاستثمار في المجال الصحي، وقد شجعت وزارة الصحة قيام المنشآت الصحية الخاصة، وأعانتها، لأن هذه المستشفيات تلبي حاجة القادرين، وتخفف من زحام المستشفيات الحكومية، وقد أقبل المواطنون على المستشفيات الخاصة بسبب الدعاية، وزحمة المستشفيات الحكومية، فقوبل ذلك الإقبال بالحرص على تحصيل المال، وتدني الخدمة واستغلال المرضى من قبل بعض الأطباء، فَتُنُوسِيَت الناحية الإنسانية ورسالة الطب، وتحول بعض الأطباء إلى متحايلين في كيفية تحصيل أكبر مبلغ من هذا المريض، إننا لا ننكر بعض أهداف إنشاء المستشفى التى منها الربح، فنحن لا ننشد الخسارة للمال الوطني أو المال المستثمر في بلادنا، ولكننا أيضاً لا نرضى بالاستغلال المشين الذي يزيد عن حده ويصبح على أفواه الناس في المجالس.
إن مجموعة الأطباء الذين يشتغلون في هذه المستشفيات الخاصة فئة من الناس، فيهم صاحب الضمير الحي، وفيهم من يَنْصَبُّ جلّ تفكيره على كيفية الحصول على المال بأي وسيلة، والفئة الأخيرة هي التي تسير أخبارها في المجالس، فيتناقل الناس أسماء بعينها، عُرفت بالبحث عن المال بأي وسيلة من وسائل الطب، لقد نقل إليّ من أثقُ به أن بعض الأطباء يؤجل زيارة المريض المُنَوَّم في المستشفى إلى ما بعد الدوام الرسمي ليضاعف له أجر الزيارة، وسمعت من مرافق لمريض أن طبيباً سجل في ملف المريض أربع زيارات مع أنه لم يزره إلا مرة واحدة، وسمعت أن بعض الأطباء يأمر بتحليل البول والدم كل ساعتين، وحالة المريض لا تستدعي ذلك. وحديث الناس في المجالس عن هذه الفئة من الأطباء لم يأت من فراغ، فهذا مرافق لمريض، وهذا اعتراه مرض ودخل المستشفى ثم تعافى. ونحن نتساءل عن الرقابة على الأطباء من إدارة المستشفى! هل تعرف إدارة المستشفى ذلك عن الأطباء وتسكت! أم أنها تشجع عليه لئلا يفلس المستشفى؟ ثم أين مراقبة وزارة الصحة؟
وهناك سؤال آخر: ألا يمتد عمل المباحث العامة إلى هذه الفئة من الأطباء، إنني لا أعلم مهام المباحث العامة ولكنني أتمني أن يمتد عملها إلى أطباء المستشفيات الخاصة.
|
|
|
|
|