| عزيزتـي الجزيرة
عزيزتي الجزيرة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد ..
فقد اطلعت على مقالة الأخ حمود المشوح الواردة في العدد 10452 في 17/2/1422ه والمعنونة ب «اللغة العربية لا اللهجة العامية»، وانه ليشكر على غيرته على لغته الأصيلة ، فهي أهل أن يغار عليها، غير أن الغيرة لا تبرر التخبط العشوائي والتجريح في الآخرين، حيث قال في مقاله: «وما هذا السعار المخيف من أصحاب التسجيلات الإسلامية حول الأشرطة الوعظية باللهجة العامية إلا نهش في جسم اللغة العربية وفي لحمها الطري على حساب حفنة من الدراهم سوف تذهب ويبقى أثر هذه المجازر اللغوية».
أقول يا أخي الكريم: رويدك، ولماذا اخترت التسجيلات الإسلامية بالذات؟ ولماذا عممت عليها جميعا ولم تقل بعض التسجيلات الإسلامية لتكون أقرب الى الحق؟. وهل التسجيلات الأخرى ليس لديها مجازر لغوية؟ وهل سعر البيع في التسجيلات الأخرى أرخص منه من التسجيلات الإسلامية؟.
وأقول اليك النقاط التالية:
الأولى : هناك عوامل كثيرة لا تزال تنهش في جسم اللعة العربية، وكما نقول في نجد «تلعب بها لعب الشطرنج»، غير انك أعرضت عنها جميعا ووجهت سهمك الى التسجيلات الإسلامية، ومن هذه العوامل:
1 الإعلانات التجارية في عموم أجهزة الإعلام وفي الطرقات والمحلات وعلى معظم الأدوات، تمزق اللغة تمزيقا.
2 الصفحات الشعبية في الصحف.
3 البرامج الشعبية في الإذاعة والتلفاز.
4 المجلات الشعبية المتخصصة والتي أنف منها حتى أهل الفن الشعبي لضعف نتاجها، فقد مزقت اللغة مقابل أدب ضعيف سمج ولو كان الأدب قويا لهان الأمر ولو كان عاميا.
5 الفنانون الذين ملؤوا الدنيا لم يقم أحدهم لتبني الفصحى بل عامة عطائهم بالعامية ولقد اقتسم هؤلاء الفنانون الجزيرة العربية فصار كل منهم يغني ما في منطقته من التراث الشعبي، فهل كل هذه العوامل خفيت عليك ولم تعلم منها إلا التسجيلات الإسلامية؟ أم أنها عين الرضا وعين السخط؟.
النقطة الثانية: العوامل السابقة اتخذت العامية طريقا الى الأغاني والإعلانات التجارية، أما التسجيلات الإسلامية فقد ذكرت في مقالك أنها تنتج أشرطة وعظية، فهل الى هذا الحد خفي عليك الفرق بين الأمرين.
النقطة الثالثة: قلت «إن أصحاب التسجيلات الإسلامية لهم نبل المقصد لا صحة الطريقة»، وهذا ليس عذرا عن الاتهامات السابقة.
وقلت «إن التسجيلات الإسلامية فعلت ذلك مقابل حفنة من الدراهم»، وأقول: من ذكرتهم فى النقطة الأولى أخطؤوا المقصد وفي الطريقة، فلماذا أغفلتهم؟. كما أنهم فعلوا ذلك مقابل ملايين الدراهم وليس مقابل حفنة منها، كما أن التعارض واضح في قولك «على حساب حفنة من الدراهم» وقولك «نبل المقصد».
النقطة الرابعة:
أقلوا عليهم لا أبا لأبيكمو
من اللوم أوسدوا المكان الذي سدوا
فالهاتف أخي الكريم متوفر، فلِم لمْ تكلف نفسك برفع السماعة للاتصال بأي تسجيلات إسلامية او تزورهم بنفسك لتطلع على ما عندهم من الجهود التي تتلاشى عندها مسألة اللهجة العامية وتدفن في حسناتها ولن يضيرك ذلك.
النقطة الخامسة: لعلك تعلم أنه لا يمكن تداول أي شريط إلا بفسح من وزارة الإعلام فلماذا توجيه هذه السهام؟.
النقطة السادسة: جميل المثل الصيني القائل «تشعل شمعة في الظلام خير من لعن الظلام ألف مرة»، فلماذا لا تنتهج منهجا عمليا للرفع من شأن اللغة الفصحى بدلا من تراشق الأقوال؟ واليك لبنات لهذا المنهج:
1 الدكتور عبد الله الدنان له دورات تعنى بتطبيق الفصحى في التخاطب ابتداء من منسوبي المدرسة من طلاب ومعلمين، أقيمت قريبا في الرياض وفي الشرقية.
2 اهتمام المدارس بالفصحى وتفعيل التعاميم الواردة بهذا الخصوص من الوزارة أو من إدارات التعليم.
3 اتباع طريقة التقريب بين العامية والفصحى، وقد سلك هذا المنهج الدكتور إبراهيم بن محمد العواجي، سمعت ذلك منه عندما استضافه أحد برامج القناة الأولى، كما سلكه الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله ، فتجده كثيرا ما يقول هذا من العامي الفصيح، انظر مثلا كلمة «الخباص» بمعنى الخلاط في كتابه مع الناس ص 55 هامش 1 وفي ص 87 منه هامش 1 و2 قال عن عبارة «حط بنا الجمّال» وعبارة «.. ولا الخصومة في البيدر»: هذا التعبير من العامي الفصيح، وفي كتابه تعريف عام بدين الإسلام ص 35 هامش 1 قال عن كلمة بديهي وطبيعي: القياس أن نقول بدهي وأنا استعمل العامي الفصيح تنبيها على فصاحته.
4 الشيخ عبد الله بن خميس أتم الله عافيته مع تحمسه للأدب الشعبي والكل يعرف برنامجه الذي طبع فصار كتابا «من القائل» فهو مع ذلك يهتم بالتخاطب بالفصحى، وقد قرأت قديما لقاء معه، قال مُجري اللقاء متعجبا : سأل الشيخ الخادم لماذا لا تعمل المدفأة؟ فرد الخادم قائلا :إنها ازدهرت ثم خبت ثم عادت فازدهرت! قال مُجري اللقاء هذا من حرص الشيخ ألا يتكلم أحد في بيته إلا بالفصحى.
أعود في الختام فأسأل أليس هذا المنهج خيراً من رمي التهم بلا خطام ولا زمام؟. وخيراً من لعن الظلام ألف مرة؟.
أبو عمار صالح اليحيى
الرياض
|
|
|
|
|