| الاقتصادية
في مثل هذه الأيام من كل عام يتجدد الحديث عن قضية هامة تشغل بال الكثير من المواطنين وهي قضية الحصول على مقعد دراسي في احدى مؤسسات التعليم العالي، وفي مثل هذه الأيام من كل عام يبدأ أولياء الأمور بالطوفان على الأبواب بحثا عمن يشفع لهم أو قل يتوسط لهم لدى صناع القرار في المؤسسات التعليمية لعلهم يستطيعون الحصول على فرصة القبول التي تقي أبناءهم من السقوط في غياهب البطالة ومؤثراتها المتعددة، هذه القضية التي أصبحت أم القضايا في ظل معرفة المواطنين المسبقة بعدم قدرة مؤسسات التعليم العالي على استيعاب الأعداد الهائلة من المتخرجين ولخوفهم من المصير المجهول الذي ينتظر أبناءهم خاصة في ظل تحول سوق العمل السعودي الى سوق عمل دولي بلا حدود جغرافية تحمي عنصر العمل السعودي من المنافسة الشرسة التي تفرضها عليه العمالة الأجنبية، وفي اعتقادي ان مصدر هذا التخوف ومصدر هذا الانزعاج العام من قبل المواطنين حول هذه القضية ناتج عن واقع خطير ساهم في حدوثه عدة أسباب أهمها:
1- الاعتقاد الخاطىء لدى الجميع بأحقية جميع المتخرجين في الحصول على فرصة مواصلة التعليم العالي الحكومي بغض النظر عن متطلبات التنمية وبغض النظر عن حجم الانفاق العام المخصص لمؤسسات التعليم العالي،
2- عدم اتاحة الفرصة للقطاع الخاص للمشاركة في تقديم خدمة التعليم العالي مما زاد من الضغط على المؤسسات التعليمية الحكومية وأدى الى هجرة الكثير من أبناء البلد الى الخارج بحثا عن فرصة مناسبة لمواصلة الدراسة بغض النظر عن متطلبات سوق العمل السعودي،
3- انحسار فرص القبول في الكليات التقنية والمعاهد المهنية والفنية التي تقدم خدمة التعليم لما بعد الثانوي على الرغم من ان متطلبات التنمية تقتضي التوسع في مثل هذا المجال الذي يؤمن احتياجات سوق العمل ويقضي على تضخم الشهادات في مجالات العمل المختلفة،
4- استمرار سياسة الاستقدام المفتوحة مما أدى الى انحسار فرص العمل المتاحة أمام الشباب في سوق العمل السعودي خاصة في ظل تواضع مستوى أجور العمالة الأجنبية بشكل عام والعمالة غير المتخصصة بشكل خاص،
وفي اعتقادي ان هذه الأسباب قد ساقت صناع القرار الى قرارات واجراءات خاطئة لعل من أخطرها محاولة مواجهة المشكلة من خلال صرف الشباب الى تخصصات نظرية لا تتوافق مع احتياجات سوق العمل بحجة عدم القدرة على استيعابهم في التخصصات المطلوبة وبحجة القضاء على البطالة التي بدأت تتفاقم بين شاب وشابات هذه البلاد على الرغم من استضافتنا لأكثر من 6 ملايين عامل أجنبي، وهنا أجد ان من الضرورة طرق المشكلة بواقعية ومنطقية أكثر حتى نستطيع ان نحافظ على عنصر العمل السعودي وحتى نستطيع تنفيذ سياسات الاحلال المنشودة في سوق العمل السعودي، ولعل من أهم الاجراءات التي يجب اتخاذها عاجلا ضرورة تقنين التعليم العالي الحكومي بالشكل الذي يخدم أغراض ومتطلبات التنمية بعيدا عن المجاملات والحلول الوقتية التي تساهم في اهدار الموارد الاقتصادية المتاحة، كما ان من الاجراءات الملحة في هذا الشأن تدعيم مساهمة القطاع الخاص في تقديم خدمة التعليم العالي والتعليم الفني والمهني لكونه أكثر قدرة على تقدير احتياجات سوق العمل من القطاع العام ولكونه يتمتع بالكفاءة والفاعلية المنشودة للمحافظة على مواردنا الاقتصادية، وأخيرا وليس آخرا فإن من الحق ان نقول بأن قضية القبول في الجامعات ليست مشكلة حقيقية ولكنها في الواقع نتيجة لمشكلة رئيسة تتمثل في ضياع هوية سوق العمل السعودي الذي لم يعد له من اسمه نصيب، وبالتالي فإن علاج مشكلة القبول في الجامعات لابد وان ينطلق من نظرة شاملة لسوق العمل السعودي حتى نستطيع ان نخفف من الضغط الذي تواجهه مؤسسات التعليم العالي وحتى نستطيع أن نؤمن للخريج فرصة عمل مناسبة تحقق للوطن المردود المنشود،
* أستاذ الاقتصاد المشارك بكلية الملك فهد الأمنية
|
|
|
|
|