| الثقافية
عينان غائرتان.. وجه حزين.. جسد غض مثقل بالهموم.. كاهل عجوز في جسد عشرينية..
)آه.. أصبحت أكره المساء.. وأمسيت أكره الحياة.. إلى متى أعيش؟ إلى متى أعشش مع الهموم خلف الزوايا؟!..
التفتت بقوة نحو المرآة.. نعم - صورتي ستبقى هكذا.. لماذا أنا؟.. لماذا أنا؟!..( غطت وجهها بيدها.. وأجهشت ببكاء شديد كالعادة-
أحست بيد حانية تربت على ظهرها.. )آه يا أمي.. أرجوك لاتقولي شيئاً.. لقد أتخمت بالنصائح والمواعظ. لاتحاولي -نعم لقد أصبحت قبيحة المنظر.. إنني أحس بالرعب كلما نظرت إلى نفسي في المرآة.. أمي اتركيني لعلي أموت بحسراتي.. فينقطع عن هذا البيت شؤم وجودي..(
).. سمر.. ارفعي رأسك. وكفكفي دمعك .. لم تخسري كل شيء فلقد بقي لديك الكثير!!...(
فاجأها هذا الصوت الأجش.. توقفت عن البكاء برهة.. انه ليس صوتاً غريباً.. ولكن .. من هو؟!
- رفعت رأسها قليلاً.. فرّجت أصابع يديها لتسرق النظر من خلالها إلى هذا المتكلم.. من؟!.. أخي عمار؟.. كيف؟.. ومتى..؟
- قاطعها عمار سريعاً: لقد وصلت للتو ياعزيزتي.. ساءني جداً خبر الحادث..
- وهل قطعت رحلة العلاج من أجلي!! لقد كنت مخطئاً.. فقدومك لن يغيّر شيئاً.. ولأن تخسر عائلتنا شخصاً واحداً أفضل من أن تخسر شخصين.. ارجع.. ارجع أرجوك..
- لقد انتهت فترة علاجي ياسمر.. بلا نتيجة.. ولا فائدة من رجوعي.. صعقت سمر لهذا الخبر.. وبلا إدراك أبعدت يديها عن وجهها المحترق )أخي لا تقل ذلك.. أرجوك.. أرجوك..(.
- عزيزتي لا تخشي شيئاً.. فلن يموت إنسان قبل أن يستنفد كل لحظة في عمره.. ولعلي محظوظ!!-
ولسوف استغل كل لحظة بقيت من عمري، في كل عمل مفيد صالح.. فهذا أفضل من إضاعة مابقي لي من وقت تحت جلسات العلاج المؤلمة التي لاترحم ولاتغني من مرض..
- )عمار.. عمار.. لا .. هل ستمو...( واجهشت ببكاء حار..
- كفى..كفى ياسمر إضاعة للوقت.. هيا.. فإن الحياة أجمل من أن تخسريها. قومي وانظري إلى من حولك.. إن مصائب الناس كثيرة.. ولست الوحيدة التي تبلى بهذا المصاب..
انظري إلى.. يعتقد الناس فتوتي ويغبطونني على شبابي ونضارتي.. والمرض الخبيث يسري في جسدي بلا كلل أو ملل.. ومع هذا كله فلن أخسر الجولة.. سأرنو للحياة.. ولن أيأس حتى آخر نفس لي فيها.
كانت كلمات أخي عمار حماسية عظيمة.. والحقيقة أنني لم أستطع أن اسكته أو أرد عليه.. كل مافعلته أنني نظرت إلى عينيه طويلاً.. كان يلتمع فيها الأمل..
- من الغد - قمت من فراشي كغير العادة.. لا أحس برغبة في البكاء إنما ذهبت إلى صديقتي المرآة.. نظرت إلى وجهي ملياً.. ثم انطويت خلف الزاوية.. عندها.. سمعت طرقات خفيفة على بابي.. ولأول مرة منذ الحادث.. فزّ قلبي استبشاراً بالقادم..
دخل أخي.. وأجال نظره في الغرفة. )أوه ماهذا الظلام ونحن في عزّ الظهيرة( أزاح الستائر.. ثم فتح النافذة..
- )فضلا ياعمار لا تضايقني.(
... التفت إلى فوقعت عيناه على المرآة المتعلقة على الجدار فوقي كالشيطان
- )نعم ياسمر.. هذه هي سبب انطوائك . احمليها وألقها بعيداً.. .. أو أنا سأحملها عنك(
- )أرجوك دعها ياعمار.. دعها(
- )ياعزيزتي المسلم مرآة أخيه.. وإن الله ينظر إلى قلوبنا وأعمالنا ولاينظر إلى صورنا.. ومن يسعى إلى الجنة ونعيمها فلايهمه بأي حال يعيش في الدنيا.. قد لاتقتنعي بكلامي الآن.. ولكنك حتما ستذكرينه يوماً ما..(
مرت الأيام والليالي.. كان عمار كالنحلة من عمل صالح إلى آخر..
ومن درس إلى مسجد.. ومن قريب إلى جار.. ومن سجادة إلى مصحف.. ولكنه كان كالوردة التي تذبل رويداً رويداً..
لكنا كنا نتوقع نهايته بين لحظة وأخرى، ولكننا كالظامئين نرجو السراب.. لا أدري لماذا لم أستطع النوم هذه الليلة مطلقاً.. آه إن أخي يصارع المرض بشدة.. ولم تستقر حالته منذ ثلاث ليال.. هل سيموت عمار..؟!
ياربي هل ستأخذ أخي منا؟
وهل سأموت أنا بعده.. خواطر كثيرة جالت في فكري.. لم يخرجني من بحر أفكاري إلا علو الصياح في منزلنا
نعم.. لقد انتهى كل شيء..
والآن - سألقي بالمرآة بعيداً
وسأبدأ من حيث انتهى عمار.. |
|
|
|
|
|