| مقـالات
تعددت المنابر التي تتناول مشاكل الإعاقة وقضاياها كما كثر الذين يحاولون أن يقدموا خدمة للمعاقين وذويهم وأصبحنا نرى كل يوم مؤسسة تقوم ومركزاً ينشأ ولكن يتبادر الى الذهن سؤال في غاية الأهمية وهو هل حققت هذه المؤسسات ما يتطلع اليه الأشخاص المعاقون وذووهم أم أن هناك حلقات مازالت غائبة في سلسلة هذه الاحتياجات؟ ولكن من باب الانصاف نرى ان هذه المؤسسات قدمت خدمات جليلة خلال العقد الماضي ولعل من أهمها هو إبراز قضية الإعاقة على السطح وأصبحت حديث الشارع وتداولت وسائل الإعلام جزءاً منها وهذه حسنة لا يمكن لنا أغفالها لهذه المؤسسات والحسنة الأخرى هي السعي الدؤوب لدى أسر المعاقين في البحث عن البرامج المناسبة لأبنائهم فانطلقت نظرتهم من أهمية تلك الخدمات التأهيلية وكيف يمكن لها أن تساهم بجزء فاعل في دمج أبنائهم في المجتمع بدلاً من بحثهم في السابق على دور إيواء بهدف دفن وصمة العار فيها الى الأبد.
ولكننا نتساءل مرة أخرى بأنه لا بد لنا من الانتقال الى مرحلة جديدة نعدها نقلة نوعية في تقديم هذه الخدمات وحتى تكون النقلة النوعية مؤثرة فلا بد أن يكون لدى العاملين في هذا المجال من المخططين وصناع القرار نظرة شاملة الى مفهوم الإعاقة، وهذا المفهوم لا بد أن يتحرر من المفهوم السابق لا سيما وأن الإعاقة مشكلة تولدت داخل الشخص المعاق ولذلك يصبح هو المهتم الوحيد بحدوث هذه الإعاقة وحتى يتخلص من اعاقته لا بد ان يتم تغيير الشخص نفسه من الداخل حتى يستطيع ان يندمج في هذا المجتمع ويعيش فيه كغيره ولقد عبر عن هذا الموقف أحد الباحثين في مجال الإعاقة الاجتماعية بقوله: إن مجتمعنا تم تهيئته فكرياً ومهنياً واجتماعياً وثقافياً وحتى المباني والطرقات بحيث لا يستوعب الأشخاص المعاقين فيه وأزيد على ذلك بأن معظم المجتمعات قد هيئت ليس على عدم استيعاب الأشخاص المعاقين فقط بل على نبذهم وتهميشهم من الحياة كما ان مفهوم الإعاقة لا بد أن يتحرر من النظرة إلى أن المعاقين بحاجة الى بعض الاحتياجات الاجتماعية مهملة الاحتياجات الصحية أو التعليمية أو الاجتماعية مهملة الاحتياجات العقلية التي هي عبارة عن احتياجات الإنسان فأين مفهوم التملك وتكوين الأسرة والترفيه والبناء الثقافي.. إلخ.
ومن المشاكل التي صاحبت القصور في الفهم الشامل لاحتياجات المعاقين هو ان بعض المؤسسات والمراكز أغرقت في الوسائل
متناسية الأهداف والغايات فالتركيز على تطوير جهاز معين لاحدى الإعاقات مطلوب في حين ان الحاجات الأساسية لهذا الشخص المعاق التي يكون بحاجة اكبر اليها تكون مهملة بصورة كبيرة اهمالاً تاماً، كما ان الإغراق في اجراء الدراسات بصورة تستهلك كثيراً من الميزانيات التي لو تم توجيه بعضها الى تطبيق هذه الدراسات لكان أولى بالاشخاص المعاقين.
ولقد اشارت بعض الدراسات الى ان كثيراً من الدول تنصرف الى المسوحات والدراسات الميدانية حتى اذا جاء دور تقديم الخدمة لم يوجد لها من الميزانيات ما يحققه وهذا ما دعا منظمة الصحة العالمية الى ابتكار وسائل دراسات ميدانية بسيطة ولا تستهلك مبالغ كبيرة من اجل المحافظة على هذه الميزانيات في تقديم الخدمة للاشخاص المعاقين فقد تبذل احدى المؤسسات الأموال الطائلة في الحديث عن وسيلة مساعدة وعن اهميتها وهذا حسن ولكن يكثر الحديث عنها حتى تصبح حديث المجتمع بحيث تنسى قضية الاعاقة نفسها او ما تحتاجه هذه الاعاقة من وسائل أخرى، ولعل من القضايا المهمة في التخطيط لبرامج المعاقين ألا تكون خططاً وبرامج منعزلة ولكن لا بد ان تكون ضمن جميع الخطط الخاصة بالبلد فعند اعلان أي خطة أو برنامج يجب أن تكون هذه الخطة مناسبة للأشخاص المعاقين مثل مناسبتها للأشخاص غير المعاقين.
كما أن مراعاة تقديم خدمات المعاقين في منازلهم وداخل مجتمعاتهم المحلية احد التوجهات التي لا بد ان يعنى بها واضعو الخطط والبرامج وصناع القرار في قضايا الاعاقة حيث ان العملية التأهيلية في المنزل والمجتمع المحلي لها فوائد عديدة اشارت لها الدراسات العلمية المختلفة فتقليل الانفاق الذي يصرف على المراكز المتخصصة في مجالات التأهيل ليس هو الفائدة الوحيدة من برامج التأهيل المنزلية والمجتمعية، ولكن الزيادة في عدد المستفيدين من هذه الخدمات هي إحدى الفوائد، بالاضافة الى ان عملية التأهيل في المنزل والمجتمع المحلي تنطلق من واقعية ان المعاق يستطيع الحياة في هذه البيئات بدلا من عملية التأهيل في المنزل والمجتمع المحلي تنطلق من واقعية ان المعاق يستطيع الحياة في هذه البيئات بدلا من عملية التأهيل التي تتم في المراكز ثم لا يستطيع المعاق ان يمارس دوره في منزله ومجتمعه المحلي نتيجة لعدم توافر البيئة المماثلة لبيئة المركز الذي كان يتلقى فيه التأهيل، وقد عزل المعاقون في مثل هذه المراكز الإيوائية والتأهيلية الى ان اصبحوا غرباء عن مجتمعهم وبدا المجتمع يبني نفسه وبناه التحتية في معزل عن هؤلاء لغيابهم عن الحياة اليومية لذلك فالبرامج المنزلية والمجتمعية سوف تسعى جاهدة الى اعادة هندسة المجتمع هندسة كاملة ليكون المعاق عضوا فاعلا فيه.
كما ان الانطلاق ببرامج الاعاقة من البيئة الدينية والثقافية للبلد راعتها عدد من البرامج العالمية لخدمات المعاقين وفي مجتمعنا المسلم لا بد من تهيئة البيئة العبادية لذلك فجعل المساجد والجوامع ميسرة لجميع فئات المعاقين الحركية والسمعية والبصرية وهذا أحد الجوانب المهمة التي يجب ان يراعيها واضعو البرامج وصناع القرار في مجال خدمات المعاقين.
كما اتصور ان البرامج الإعلامية التي تتحدث عن الاعاقة وقضاياها لا بد ان تخدم هذا الجانب من خلال النظرة الشاملة لقضايا الاعاقة وتخرج من الاطروحات التي تؤكد على جوانب محدودة وغير شاملة في حين انها في بعض الأحايين تركز على جانب العطف والشفقة او جانب تضخيم إنجاز المعاق بصورة كبيرة وكل هذين الجانبين غير مرغوبة من المعاقين وذويهم.
وأخيراً فإن برامج المعاقين التي تنطلق من نظرة شاملة للاشخاص المعاقين وذويهم وتراعي احتياجاتهم العقلية وتركز عليهم في وضع الخطط والبرامج وتقدم لهم في مجتمعهم هي المرحلة القادمة والمنتظرة من مقدمي هذه البرامج.
* مستشار جمعية المعاقين بالشرقية
|
|
|
|
|