| مقـالات
لقد كُتبت عن إمارة آل رشيد كتابات كثيرة، منها ما كتبه الرحالة الغربيون الذين زاروا وسط الجزيرة العربية في القرن التاسع عشر، وبخاصة خلال النصف الثاني منه، ومنها دراسات وبحوث تناولت تاريخ الإمارة بشكل عام، أو تناولت فترة من تاريخها أو وجهاً من وجوه نشاطها. وقد أحسن الأستاذ فيليب وارد في جمعه ما كتبه أولئك الرحالة عن حائل بالذات، وترجمة ما لم يكن بالانجليزية إلى هذه اللغة، وإخراجه كل ذلك في كتاب موحّد ترجمة عنوانه «حائل.. مدينة واحة في المملكة العربية السعودية» وقد نشر في نيويورك سنة 1983م.
أما الدراسات والبحوث التي كتبت عن التاريخ العام لإمارة آل رشيد فمن الأطروحات العلمية فيها رسالة الدكتوراه التي عملها الباحث بارون الأمريكي في جامعة ميتشجن عام 1978م بعنوان «إمارة آل رشيد»، ورسالة الدكتوراه التي عملتها الباحثة السعودية مضاوي الرشيد في جامعة كيمبردج عام 1988م وترجمت الى العربية بعنوان «السياسة في واحة عربية إمارة آل رشيد»، وقد تحدث عنها كاتب هذه السطور في سبع حلقات .
ورسالة الماجستير التي عملها الباحث العراقي جبّار يحيى عبيد بجامعة بغداد عام 1987م بعنوان «التاريخ السياسي لإمارة حائل .. 1835 1921م» ولذلك فإنه ليس من المسلم بصحته قول مؤلف الكتاب «الرسالة» الكريم الذي هو محل هذه القراءة: «إن الدراسات والكتابات التي تناولت تاريخ الإمارة «إمارة آل رشيد» كانت قليلة ومتناثرة».
لقد نشر الكتاب الأخ الكريم محمد الزعارير عام 1997م دون أن يذكر مكان طباعته وإن كان من المرجح أنها تمت في الأردن. وكان في الأساس أطروحة علمية قدمها الى قسم التاريخ بالجامعة الأردنية دون أن يذكر ما إذا كانت بحثاً للماجستير أو الدكتوراه.
على أن من المرجح أن تلك الأطروحة كانت للماجستير لأن مؤلفها لم يذكر على الغلاف أنه دكتور، ولأن مستواها العلمي أقلّ من أن يكون مستوى درجة الدكتوراه.
يتكون كتاب «إمارة آل رشيد في حائل» من 263 صفحة مشتملة على ما يأتي: فهرست للمحتويات، فإهداء، فشكر وتقدير، فتقديم بقلم المشرف على الرسالة، فمقدمة للمؤلف، فستة فصول، فخاتمة، فملاحق، ثم قائمة بالمصادر والمراجع.
وقد أتت عناوين الفصول كما يأتي: الأول الملامح الجغرافية والاقتصادية والبشرية لمنطقة جبل شمّر، والثاني بروز إمارة آل رشيد، والثالث نظام الحكم في عهد آل رشيد، والرابع العلاقات مع أقطار الجزيرة العربية، والخامس علاقات آل رشيد مع الدولة العثمانية وبريطانيا، والسادس سقوط الإمارة.
ومما يذكر للأخ الكريم الزعارير فيشكر كثرة المصادر والمراجع التي استعملها في دراسته. غير أن مما يؤخذ عليه أنه، أحيانا لا يقوم بتحليل المعلومات الواردة فيها أومقارنة بعضها ببعض، بل قد ينسب الى مصدر كلاماً نقله من مصدر آخر أو من دراسة معيّنة.
ورد في تقديم الأستاذ الدكتور عبد الكريم غرايبه للكتاب المتحدث عنه هنا قوله «ص11»:
«وأخيرا ومن الكويت بدأ عبد الرحمن بن فيصل مطالبته بعرش أجداده الذي كان قد زال. وسعى لنيل مساعدة عثمانية. ولكن الوالي العثماني جهّز حملته لضم الأحساء للدولة لا لمساعدة عبد الرحمن بن فيصل. واستقر عبد الرحمن وابنه عبد العزيز في الكويت».
ولعله قد حدث سبق قلم، أو خطأ مطبعي، في الفقرة السابقة، ذلك أنه من المستبعد على علم الدكتور عبد الكريم أو فطنته أن يخفى عليه بأن الإمام عبد الرحمن بن فيصل لم يكن هو الذي طلب المساعدة العثمانية، فالثابت تاريخيا أنه لما هزم سعود بن فيصل جيش أخيه عبد الله في معركة جودة، ودخلت الأحساء تحت حكمه، استنجد عبد الله بوالي العراق العثماني. وكانت النتيجة أن القوات العثمانية قدمت من العراق وانتزعت منطقة الأحساء من سعود لكنها أبقتها تحت سيطرتها. وقد ذهب عبد الرحمن بن فيصل الذي كان فيما يبدو مع سعود الى العراق ليفاوض واليها من أجل سحب تلك القوات من الأحساء، لكنه فشل في مسعاه، فعاد عبر البحرين الى المنطقة، وحارب القوات المذكورة ثم التحق بأخيه سعود، الذي كان حاكماً للرياض حينذاك.
ولما توفي سعود خلفه عبد الرحمن في الحكم، ثم تنازل عنه سنة 1293خ لأخيه عبد الله. وعندما سعى عبدالله بن فيصل لنيل مساعدة عثمانية لم يكن في الكويت حتى يقال: «من الكويت بدأ عبد الرحمن والمراد عبد الله بن فيصل مطالبته بعرش أجداده الذي كان قد زال»، ولم يكن الحكم السعودي قد زال، وإنما سيطر على أمور الرياض وما يليها شرقاً سعود بن فيصل بدلاً من أخيه عبد الله.
اشتملت مقدمة كتاب الاستاذ محمد الزعارير على عرض لما حوته فصوله، وإيضاح للمصادر وأهميتها، وإشارة الى بعض الدراسات المتصلة بتاريخ إمارة آل رشيد. ومما ورد في حديثه عن المصادر قوله «ص18»:
«إن ضاري بن فهيد الرشيد قد أملى كتابه نبذة تاريخية عن نجد بعد سقوط الإمارة. ولو قرأ الأخ محمد هذه النبذة قراءة فاحصة لوجد أن ممليها قال في حديثه عن أمراء آل رشيد بعد مقتل عبد العزيز بن متعب ما نصه: «أما سعود يعني سعود بن عبد العزيز فهو الآن أمير الجبل. ومن المعلوم تاريخيا أن سعودا قد بدأ حكمه سنة 1326ه ، وأنه اغتيل سنة 1338ه ، أي قبل نهاية إمارة آل رشيد بسنتين.
ولقد نص الاستاذ العالم الجليل الشيح حمد الجاسر رحمه الله في مقدمته لهذه النبذة «ص16» على أن ضارياً أملى الكتاب النبذة على وديع البستاني في سنة 1331ه/1913م، أي قبل تسع سنوات من زوال الإمارة المذكورة.
تناول الأخ الكريم الزعارير في الفصل الأول من كتابه رسالته الملامح الجغرافية والاقتصادية والبشرية لمنطقة جبل شمّر. فتحدث عن موقعها وسطحها ومناخها وتربتها ومياهها واقتصادها من زراعة ورعي وتجارة وصناعة، كما تحدث عن سكانها وتعليمهم وموقفهم من دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب.
واختتم هذا الفصل بالحديث عن قبيلة شمّر مع الإشارة الى بطن آل رشيد بالذات.
والحديث في هذا الفصل جيد بصفة عامة. على أنه قد وردت فيه بعض الأمور التي نقلها عن الآخرين مع أنها تحتاج الى إعادة نظر، إما لأن ذكرها لا داعي له لأن وجودها من باب تحصيل الحاصل، وإما لأنها غير دقيقة . ومن الأول قوله وهو يتحدث عن موقف أهل حائل من دعوة الشيخ محمد «ص34»:«وكان في حائل عدد من المساجد يجتمع فيها الناس للعبادة في الصلوات الخمس، وفيها أيضا مسجد جامع تقام فيه صلاة الجمع والجماعات بناه الأمير طلال بن عبد الله آل رشيد».
فهل يمكن أن يظن أحد بأنه لم تكون هناك مساجد في حائل وهي بلدة في وسط جزيرة العرب مهد الإسلام وسكانها مسلمون؟ وهل لم يكن في حائل مسجد جامع قبل المسجد الذي بناه طلال؟ إن كلاماً مثل هذا يمكن أن يكتبه سائح أوروبي زار هذه البلدة، وأراد أن يصفها لقارئه الأوروبي، الذي ربما خفي عليه وضع جزيرة العرب حينذاك، لكن أن يوضع في كتاب لقارئ عربي في القرن الخامس عشر الهجري فأمر لا داعي له.
ومن الأمور غير الدقيقة قول الأخ الكريم الزعارير «ص33»، اعتماداً على والين دون تعليق:«من المؤكد أنه قبل عهد عبد الله لم يستتب أمر للأفراد ولا للأمن. ولا يزال بعض المعمّرين يذكرون أياماً لم يكن أحد يجرؤ فيها على السفر من حائل الى قفار إن لم يرافقه عشرة أو عشرون مسلحا».
إن الكلام السابق ربما انطبق على بضع سنوات بين نهاية الدولة السعودية الأولى واستتباب الأمر للإمام تركي بن عبد الله مبتدئاً الدولة السعودية الثانية. لكن من الثابت تاريخيا أنه كان هناك أمن راسخ في جبل شمّر من دخوله تحت حكم الدولة السعودية الأولى سنة 1201ه إلى نهاية تلك الدولة سنة 1233ه . ورسوخ الأمن في المناطق التي دخلت تحت حكمها أمر أكّدته المصادر المؤيدة والمعارضة لها على حد سواء.
ومن الأمور غير الدقيقة التي ذكر الأخ الكريم الزعارير في هذا الفصل قوله «ص36»: «إن عبد العزيز بن محمد بن سعود أجلى قسماً من شمّر تحت زعامة مطلق الجربا إلى العراق بعد أن تمكن من إخضاع شمّر لنفوذه، ودخلوا في حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في سنة 1201ه .
صحيح أن إقليم جبل شمّر دخل تحت حكم الدولة السعودية الأولى عام 1201ه ، لكن فئة من بادية شمّر، بقيادة مطلق الجرباء انضمت الى قوات شريف مكة، غالب بن مساعد عندما توغلت في الأراضي السعودية بنجد عام 1205ه . ولما انسحبت تلك القوات فاشلة الى الحجاز قام سعود بن عبد العزيز بمهاجمة الجرباء وأتباعه ومعهم فئات من قبيلة مطير كانت قد انضمت أيضا إلى قوات الشريف. وفي القتال الذي وقع بين الطرفين في مكان يقال له: العدوة قتل مسلط بن مطلق الجرباء، وغنم سعود وأتباعه غنائم قدّرها كل من ابن غنّام وابن بشر بأكثر من ستة آلاف بعير ومئة ألف من الغنم.
ومن الواضح أنه لم يكن لدى مطلق الجرباء رغبة في البقاء في نجد، بعد معركة العدوة تحت الحكم السعودي، ولذلك؛ غادرها بأتباعه الى العراق .
وبهذا يتضح أن ذهابه ومن معه الى العراق حدث بعد سنة 1205ه لا كما يفهم من عبارة الأخ الكريم الزعارير سنة 1201ه وأن سعوداً لم يجلهم الى العراق، وإنما هم الذين ذهبوا الى هناك لأنهم لم يرغبوا في البقاء تحت الحكم السعودي.
|
|
|
|
|