| مقـالات
مضت أزمان جميلة كان الناس فيها آحاداً وهيئات يتبارون في تنمية مجتمعاتهم، عن طريق رعاية الفكر والمفكرين، وتوفير الإمكانات للإبداع، وتقدير المبدعين مادياً وأدبياً، لا لغرض شخصي، وإنما تطوع مشكور من أولئك الأوفياء لبلادهم وقد منحتهم فرص النجاح والثراء والشهرة.
وجاء زمن يعلي قيمة المادة على كل قيمة أخرى، لدى ساكني هذا الكوكب، وأصبح من المعتاد أن نرى رجال المال والأعمال لا يهرعون إلا إلى حيث رنين الدرهم والدينار رغم مسيس حاجة دولهم النامية على وجه الخصوص الى عونهم، حيث تعجز مواردها الرسمية عن الوفاء بنفقة النهوض بها للحاق بقطار العصر، وفي أيدي بعض أبنائها فائض غلة، للوطن فيها حصة مشروعة وحق واجب.
وهذا جون كيندي، في حفل تنصيبه رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، يقول لشعبه: «لا تسألوا ماذا سيعطيكم الوطن، ولكن اسألوا أنفسكم ماذا ستعطون أنتم للوطن!» وهي أقوى وأغنى دولة حتى قبل أن يصاب الدب الروسي العجوز بمرضه العضال، وتتفتت أوصال اليسار، وتخلو الساحة لها لاعباً وحيداً بغير منافس تقريباً.
فإذا كان هذا هو واجب المواطن في أغنى البلاد، فكيف يكون واجبه مفكراً وثرياً على وجه الخصوص في البلاد العربية التي لم تحسن حتى الآن استغلال مسوغات وحدتها الفكرية والتاريخية والمصيرية، بالتقارب والتنسيق والتكامل فيما بينها؟!
وحتى لو كنا ممن يرون الكأس ملآنة ولو كان بها بعض الماء، فيما تؤديه المؤسسات الأهلية العربية من دور في المشروع التنموي لكل دولة عربية.. فإن الأمير خالد الفيصل وهو على رأس واحدة من كبريات هذه المؤسسات، كان أبعد نظراً حين أدرك أن نمط الأداء لهذه المؤسسات مشتتة، وضعيفة بهذا الشتات، لم يعد ملائماً لملاحقة حركة العصر المتسارع، وأنه لا سبيل للخروج بالأمة من مأزقها الراهن وهو التخلف عن الركب وتحولها إلى أمة مستهلكة فقط دونما إنتاج يذكر، إلا بالوحدة «الأهلية» بين الشعوب العربية، وتوظيف قدراتها «مجتمعة»، بتسخير المال في خدمة الفكر، من أجل صياغة المشروع الحضاري الذي يعيد للأمة العربية مكانتها اللائقة بين الأمم.
وربما كان ذلك هو ما أشار إليه واحد من كبار المسؤولين المصريين حين أطلق مسمى «الجامعة العربية الشعبية» على مشروع «مؤسسة الفكر العربي» الذي دشنه الأمير خالد الفيصل في القاهرة، بعدما أطلق شعلته قبل عام في العاصمة اللبانية.
وهكذا أحيا خالد الفيصل وصحبه المؤسسون ومن يلحق بركبهم مستجيباً للنداء، عصور النبلاء من ذاكرة الأمة إلى واقع مشهود.
وفي الوقت الذي تبعث فيه الجماهير العربية بتحيتها إلى أولئك الأوفياء، فإن التاريخ يسجِّل أسماءهم في صفحات الفخار، بقدر ما يسهم مشروعهم في خدمة الأمة العربية جمعاء، وهو المأمول من الله سبحانه وتعالى لإعادة وعي أمة نزل بلغتها فرقانه، ومنها رسوله الخاتم، وبها مقدساته الثلاث.. في وقت يتعرض واحد منها «القدس» لهجمة صهيونية شرسة.
|
|
|
|
|