| وَرّاق الجزيرة
كنت أتصفح عدداً قديماً من مجلة الدعوة حينما كان يرأس تحريرها المؤرخ عبدالرحمن الرويشد فرأيت تأبيناً للأمير عبدالله بن عبدالرحمن بعد وفاته بقلم الرويشد نفسه.
تذكرت الأمير صاحب السمو عبدالله بن عبدالرحمن وتذكرت رجالا آخرين كانوا مصابيح نبل وعروبة وأصحاب عقيدة صافية. وقد فاتنا نحن الجيل الذي يليهم ان نكتب عنهم ما شاهدوه وما شاركوا فيه أيام توحيد هذا الوطن، ولعل ذلك يعود إلى تراخ منا أو عدم نباهة إلى ما كان يجب ان نفعله.
ويعتبر صاحب السمو الأمير عبدالله بن عبدالرحمن مرجعا تاريخيا في تاريخ الجزيرة وأنسابها وقد سماه المؤرخ عبدالرحمن الرويشد «عالم الأمراء وصديق العلماء» وذلك ان الأمير كان صاحب مجلس يقصده وجوه المجتمع من كبار رجالات القبائل ومن الشعراء والمفكرين والمهتمين بالتاريخ، وكثيرا ما يحدث نقاش حول موضوع تاريخي فيشتد الجدل حتى يصل إلى الغليان فينتصر الأمير لا لأنه الأمير ولكن لأنه مطلع ولديه روافد ثقافية، إذ ان لديه مكتبة ضخمة قل ان يكون عند أحد مثلها في زمن لم يكن معظم الناس يهتمون بالكتب، وكان رجلا موسوعي الفكر فهو يتحدث في التاريخ والأنساب وأصول الخيل وفي معرفة البلدان.
سمعت عن مجلس سموه الذي يمتلئ بالمناظرة ولم احضره إلا مرة واحدة على حداثة سني، إذ كنت في نزل أعده الأمير لصديقه الشيخ عمر بن ربيعان، والذي كان ينزل فيه عندما يجيء للرياض، وكان ليلتها يدور جدال بين اثنين من خاصته حول موضوع قوي وتدخل بينهما بادي السبيعي، فلما أقبل الشيخ عمر بن ربيعان وأخذ كل مجلسه قال سموه: هذا ابن عمكم يحكم بينكم، فكأن الشيخ عمر مال إلى جانب لا يميل إليه الأمير فبدأ الجدال من جديد فما كان إلا ان قال الشيخ عمر: هذا اللي عندي يا عبدالله، قال سموه: اللي عندك والله اني خابره.. ورى ما تقوله. فضحك الجميع من الاجابة المقنعة.
لئن نسينا او تكاسلنا عن كتابة ما لدى الرجال الصادقين فقد سبقنا جون حبيب إلى لقاء الأمير وكتب عنه قائلاً «وقد خصني صاحب السمو الأمير عبدالله بن عبدالرحمن شقيق الملك بمقابلة في منزله اعطاني خلالها اجابات مباشرة «ولا مثيل لها» عن كثير من المشكلات الحساسة التي تحيط بأصل حركة الأخوان ثم اندحارها، وقد ساعدني ايضاً نجله الأمير عبدالرحمن»، وجون حبيب هو من احسن من كتب عن الاخوان وقد ترجمت دار المريخ كتابه بعد ترجمة الدكتور عبدالله مصلح النفيعي له بسنتين.
كثيرون عرفوا فكر الأمير واستفادوا منه وكتبوا عنه خاصة فيلبي الذي بهره اطلاع الأمير وكثيرون استفادوا من مكتبته التي كانت في قصره ثم انتقل معظهما إلى جامعة الملك سعود.
انني اتحسر «متأخراً» على مجالس أولئك الرجال التي لا يخرج منها الشخص إلا بفائدة فكرية خاصة وان مجالس أولئك الرجال لا تخلو مما يسمونه ب«العناد» وهو فن رديف للمناظرة كان فاكهة مجالس النجديين وكان فنا قويا لا يدخل غماره إلا المتمكن من أشياء كثيرة أهمها التاريخ، غير ان من يحضر وهو من الذين يهتمون بالتاريخ فلابد ان يجد خلالها ثروة ضخمة من المعلومات، خاصة عن تاريخ مؤسس هذا الكيان العظيم الملك عبدالعزيز رحمه الله .
أدعو هنا الشباب الذين لازال لهم بقية من أجداد ان يكتبوا عنهم كل شيء ويحفظوه لأن التاريخ سوف يمحصه. وآمل من انجال الأمير عبدالله يرحمه الله ان لا يهملوا ما سمعوه في تلك الجلسات، المهم ان يكتب عنه ما سمعه الناس منه لأن مثل ذلك الأمير النبيل عرف عنه الصدق وعدم المجاملة لأحد، فهل نكتب ما سمعنا من أشياخنا؟ انه مهم وضروري فإن لم يكن مهماً اليوم فغداً..
والله المستعان.
ص.ب 102211
الرياض 11675
|
|
|
|
|