أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 16th June,2001 العدد:10488الطبعةالاولـي السبت 24 ,ربيع الاول 1422

تحقيقات

«الجزيرة » تحاور القضاة والمشايخ والمصلحين ومسؤولي الأمن وتقتحم عالم القصاص وتنفيذ الأحكام الشرعية وتلتقي «يحيى المجرشي» أشهر سيَّاف:
قبلت بالعمل سيَّافاً لإعراض الكثيرين عن هذا العمل الشرعي
في مكة وحائل وجيزان عفا أصحاب الدم قبل أن أنفذ القصاص.. وفي تبوك توفي الجاني في ساحة العدل فرحاً
* تحقيق منصور العساف:
أسس الملك عبدالعزيز الأنظمة في المملكة على هدي من الشريعة الإسلامية الغراء الذي أصبحت به الدولة المتميزة في العالم التي تنفذ أحكام الشرع الإسلامي في كل تعاملاتها، هذا التميز.. الذي لا تبتغي به سوى وجه الله تعالى ثم مصلحة شعبها ومجتمعها.. آثار حفيظة بعض الذين يقض مضجعهم نجاح غيرهم، فعملوا على النيل من تنفيذ المملكة لأحكام الشريعة الإسلامية في معاقبة الجناة ومهددي أمن المجتمع ولم تجد بذلك سوى العزف على وتيرة حقوق الإنسان منطلقا لهجومها على المملكة في محاولة منها للنيل من هذا النجاح والتميز.
إن تنفيذ أحكام الشريعة الإسلامية في الجناة ومهددي أمن المجتمع هو الأساس القويم لحفظ حقوق الإنسان في التعايش السلمي وتحقيق الأمن والأمان الذي لن يتحقق بدون استئصال شأفة المجرمين والمفسدين وليس أدل على ذلك مما أورثه تنفيذ أحكام الشريعة الإسلامية في الجناة من تكافل اجتماعي يبرز في أبهى صوره عندما يتهافت المحسنون من المسلمين على افتداء رقاب كان حكم الله فيها يقتضي القصاص بالإعدام حيث نجد أن المملكة مع حرصها الشديد على تنفيذ أحكام الشريعة إلا أنها تفتح المجال واسعا لكل الجهود التي تبذل لمحاولة اصلاح المحكومين وتخفيف العقوبات عنهم إذا بدا صلاحهم مع حفظ حقوق أولياء الجناة.
إن هذه الموازنة تنفذها حكومة خادم الحرمين بكل اقتدار وتمكن مدللة على أن أحكام الدين الإسلامي تشمل جميع أحوال أفراد المجتمع الجاني والمجني عليه فتعطي كل ذي حق حقه بلا بخس ولا مظلمة، كل هذا وغيره كثير سيوضحه التحقيق التالي مع مختلف أطراف تنفيذ أحكام الله في الجناة من قضاة ومصلحين ومقيمين ومنفذين للحدود.
بداية لقاءاتنا كانت مع من يقوم بتنفيذ أحكام القصاص الشرعية.. وقبل أن ألتقي به وفي الطريق إليه كنت أتصور شخصيته رجلا جسيماً جهوري الصوت غليظ القبضة ذا نظرات حادة، ولكنني في المقابل طمأنت نفسي بأن الرجل لا يحمل سيفاً الآن على الأقل.. وعندما رأيته تبددت تصوراتي السابقة فقد استقبلني الرجل بسمت ووقار، قد نال البياض نصيبه من شعيرات رأسه، وضحك الشيب بمفرقه، وخطت على محياه ندبات السنين وتقلبات الزمن، إلا أن حيوية الشباب وبشاشة ربيع العمر حاضرة معه سلمت عليه وشعرت بأنني أمام رجل جدير بالهيبة ثم جلس وقد بدا لي وكأنه الحمل الوديع وبهدوء وبشاشة بدأنا حوارنا مع يحيى أحمد الصيفي المجرشي والذي يبلغ من العمر الثانية والخمسين ويحمل شهادة الكفاءة المتوسطة وسألناه بداية:
السياف المجرشي أثناء حديثه للزميل العساف ويبدو السيف في اقصى اليمين
بدأت عملي مرافقاً للسيَّاف وفي أول مرة شعرت بالغثيان والتعب
اللواء عبد الله الشهراني
* هل كان توجهك للعمل كمنفذ لأحكام الله بإيعاز أو مشورة من الغير أم أن الأمر جاء بمحض إرادتك، وهل سبق لك العمل في ميدان آخر؟
فقال: انخرطت في هذا العمل بطلب من أحد الزملاء العاملين في إدارة الشؤون الأمنية بالإمارة وقبل هذا كنت أعمل بالجيش وبرتبة رقيب.
* ألم تتردد في قبول أمر مثل هذا؟
عندما عرض علي العمل رحبت به وكان أمرا مقبولا لدي إلا أنني شعرت بالمسؤولية فترددت، ولكن ما لبثت أن غيرت رأيي وقبلت بعد أن علمت أن ما أقوم به عمل أنال من خلاله المثوبة والأجر إن شاء الله لا سيما وأن الناس يعرضون عنه ولابد أن يقوم به أحد المسلمين لذلك توكلت على الله وقبلت.
* وبعدها؟ هل كان هناك دورات لتدريبكم على تنفيذ أحكام القصاص أم أنك تتلمذت على يد من سبقك؟
بعدها بدأت التدريب وذلك بحضوري للساحة أثناء تنفيذ الأحكام ووقوفي بجانب السياف والاستفادة منه ومشاهدته في كيفية تنفيذ الحكم والأمر بعدها لن يطول فإذا شعرت بقدرتك على التنفيذ سوف تتلقى الإيعاز بذلك وتحمل في عنقك أمانة الدقة في التنفيذ لا سيما وأنك قد أخذت الموقف على محمل الجد منذ أن قبلت بأن تكون منفذا لأحكام الله.
* ومتى كان التحاقك بالوظيفة؟
كنت قد التحقت بالوظيفة في 1/7/1407ه وقبلها كنت رقيبا بالجيش.
* وكيف كان شعورك عند أول تنفيذ قمت به؟
عند تنفيذ أول حكم لم أشعر بشيء إلا أنني عندما تقدمت للتنفيذ شعرت بغثيان وسألني الطبيب في الساحة كيف ترى وضعك؟ هل تشعر بشيء؟ قلت له لا عبارة عن حموضه بسيطة قال: لا أصدقني هل تشعر بشيء؟ قلت نعم أشعر بغثيان والرغبة في الاستفراغ فقال لا بأس وأحضروا لي عصيرا باردا وطلبوا مني أن أرتاح قليلا وبعدها قمت ونفذت الحكم وكان أمرا عاديا.
رقابة ومتابعة
* هل هناك متابعة ومراقبة لعملك؟
نعم كانوا يراقبونني بشدة وحتى الآن أنا وغيري من السيافين نخضع لرقابة صارمة وصارمة جدا من قبل المسؤولين عنا فأنا موظف وعلي رقيب بعد رقابة الله عز وجل يحاسبني على أي تقصير في عملي وأخضع لتعليمات مستمرة من قبل رؤسائي في العمل.. لا تخطىء لا تستعجل.. كن مهيأ. هل تشعر بشيء؟.. أنت تحمل أمانة.. صدقني إنني أحاسب من قبلهم على كل صغيرة وكبيرة ورئيسي المباشر يقف بجانبي عند تنفيذ أي حكم وربما كتب تقريرا عن سير عملي وكنت أستشعر المسؤولية أمام الله عز وجل قبل كل شيء وذلك منذ أن تقدمت بأوراقي للعمل كنفذ لأحكام الله.
نصيحة ابن باز
* وعند الالتحاق بالوظيفة هل عارض أبناؤك وذووك؟
لا .. لم يعارض أحد بل لقيت التعاون من الجميع سواء في المنزل أو في العمل أو حتى مجموعة الأصدقاء والزملاء.. قلت لك أنك تعيش راحة الضمير إذا علمت أنك تقوم بعمل أعرض عنه الكثيرون وإن تقدمت له كسبت الأجر والمثوبة لندرة المتقدمين على الوظيفة، أضف الى ذلك أنني قابلت الشيخ العلامة عبدالعزيز بن باز «رحمه الله» في مسجده وسألته عن طبيعة عملي فشد من أزري ونصحني وحثني على الاستغفار منذ خروجي من منزلي لتنفيذ الحكم وحتى عودتي اليه ثم أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول:«تنفيذ حكم من أحكام الله في أرضه خير لكم من أن تمطروا أربعين خريفاً».
عفو قبل التنفيذ
* العفو والعتق أمران عظيمان حث عليهما التشريع الإسلامي السمح فهل مر عليك أحدهما قبل تنفيذك الحكم؟
العفو والعتق عندنا كثير ولله الحمد والمنة فقد حدث لي في مكة المكرمة وفي حايل وجيزان «أحد المسارحه» ونحن قبل أن ننفذ الحكم ننتظر أكثر من ساعة فأهالي الخير يحاولون إقناع «صاحب الدم» في العفو وكسب المثوبة فبعضهم يبين له ويوضح له ما يناله من الأجر والمثوبة من الله عز وجل في حالة عفوه عن الجاني والآخر يتكفل بجميع التزاماته المادية وقد تصل المليون والمليوني ريال والآخر ينصحه من باب أن وقوف الجاني في هذا الموقف وامتثاله لتنفيذ الحكم فيه أمام هذه الجموع وحالة الرعب التي يعيشها ربما كانت عقابا كافيا له لا سيما وهو يمد عنقه للسياف، ثم أن «صاحب الدم» عندما يعيش هذه اللحظات الرهيبة، الناس تنصح له وتدعوه.. والسياف يتقدم ويظهر سيفه والجاني يقدم ويمد عنقه والجموع تترقب الموقف عندها ربما يعفو ولذلك شرع الإسلام حضوره للتأكد من تنفيذ الحكم ورغبة في عفوه عن الجاني.
حد القطع أصعب
* أيهما أصعب عليك تنفيذ حكم القتل قصاصاً بضرب العنق بالسيف حتى الموت أم قطع اليد للسارق؟
قطع اليد بالنسبة لي أصعب لأنه يقاومك فأنت تقطع اليد قطعا وليس الأمر مجرد ضربة واحدة لذلك هو يقاوم ثم أن من ينفذ عليه حكم القتل عندما تهوي بالسيف على رقبته لا يلبث في الكثير ثانية أو ثانيتين ويسلم روحه.
وهذا من الرأفة والرحمة فالإسلام دين الرحمة ولذلك فأننا نضربه ضربة واحدة نحاول قدر ما نستطيع أن لا نزيد عنها إلا أن بعضهم يتحرك يمنة ويسره وربما أدخل رقبته وضم كتفيه وهذا يؤخر عملية التنفيذ وربما يكون سببا في وقوع الضربة في موقع آخر اما أسفل الرقبة أو حولها لكن ولله الحمد نحرص دائما أن نكون في المكان المحدد وكثيرا ولله الحمد ما نصيب ذلك، وإذا انحرفت الضربة قليلا فالمسؤول عني هو من يقدر هل كان الخطأ مني أم من الجاني نفسه وذلك بكثرة تحركه.
* وهل لموقع الضربة مكان محدد؟
المكان المحدد يكون آخر الشعر مما يلي الرقبة أي أنه أعلى الرقبة وأسفل الرأس فإن أصبت ذلك وفقت في ضربتك بكل سهولة وما عداه فصعب جدا جدا.
* كيف يتقدمون للساحة ومتى يكتبون وصاياهم؟
هو يكتب وصيته في السجن وبعضهم يتقدم للساحة بثبات وهدوء يقرأ القرآن ويستغفر الله عز وجل وبعضهم تجده يتهادى ويجر خطاه.
* هل هناك مواصفات خاصة للسيف المستخدم في تنفيذ الحد من حيث ثقل نصله ونوع معدنه؟
نعم يجب أن يكون السيف من معدن خاص والمعدن الممتاز ثلاثة أنواع:
1 معدن هندوان ويستقدم من الهند ويقدر بحوالي 1000 ريال.
2 معدن غسان وهو دمشقي.
3 معدن جوهر وهو عربي من اليمن والجزيرة والشام ويتميز بأنه حاد وسهل السن ولكن سعره غال جدا يقدر بما يقارب 65000 ريال.
وهناك أنواع أخرى تجده لين وينحني وكأنه مطاط ومع ذلك تجده من أفضل السيوف في سرعة التنفيذ والاستجابة للضربة ولكنه غال جدا ويصل قرابة 200000 ريال.
مات قبل التنفيذ
* موقف أثر فيك وهزك من الأعماق أثناء تنفيذك بعض الأحكام؟
الموقف الذي تأثرت له عندما ذهبت الى مدينة تبوك لتنفيذ حكم القتل في أحد الجناة وعندما نزلنا الى ساحة العدل وقدم الجاني وأمام جموع الخلق والشهود عفا صاحب الدم عن الجاني لوجه الله وبعد أن أخبر الجاني وفك الرباط والعصابة عن عينيه وقف يحمد الله بين المهنئين له وما هي إلا خطوات وسقط ميتا، علما أننا في حالة العفو لا نخبرهم بل نعيدهم للسيارة وهم يستفسرون لماذا أعدتمونا؟ ما القصة؟ فنقول لهم أجل أمر التنفيذ لوقت آخر وفي السجن نقول لهم لعل هناك بوادر عفو.. وهكذا حتى نخبرهم شيئا فشيئاً.
* وهل تذكر بعض أسماء من سبقك في تنفيذ أحكام الله؟
منهم «خسارة» وكان في عهد الملك عبدالعزيز «رحمه الله » وعاش الى عهد الملك فيصل رحمه الله وضيف الله وابن خميس في عهد الملك سعود رحمه الله وكذلك عهد الملك فيصل رحمه الله وعبدربه الكعبي في عهد الملك خالدرحمهم الله جميعا والمولد والمجرشي في عهد خادم الحرمين الشريفين أطال الله في عمره.
* ومتى يكون موعد التنفيذ؟
في السابق كان كل يوم جمعة بعد صلاة الجمعة مباشرة ولكن لأن الناس بدأت تزدحم لأخذ مواقعها بعد الصلاة مما يقلل من خشوع المصلين وجعلهم يفكرون في احتلال المواقع القريبة من الساحة غير الموعد الى الصباح في الساعة التاسعة والنصف في فصل الصيف والساعة العاشرة في فصل الشتاء في أي يوم من أيام الأسبوع.
* وهل الزحام للحضور يكون كبيراً؟
نعم يحضر التنفيذ جموع غفيرة، وأذكر أنه في عام 1405ه كنت أحضر للمشاهدة قبل أن ألتحق بالإمارة وعند التنفيذ في أحد المحكوم عليهم سقط أحد الحضور من فوق نخلة كانت تطل على الساحة وقد صعدها ليشاهد عملية التنفيذ بعد أن تعسر عليه ذلك مع الزحام، لذلك منع صعود أي مكان عال حتى ولو على ظهر السيارة وكذلك منع دخول السيارات الكبيرة للسبب ذاته.
كانوا يهربون مني
* عندما قدمت الى منزلك كان أبناء الحي يجتمعون حولك وكنت أتوقع العكس «كيف أسرت قلوبهم»؟
كانوا يهربون مني فما أن أخرج من باب منزلي أو أقدم بسيارتي إلا وتجدهم يهرعون لمنازلهم وبعهضم يتخبأ في أقرب مكان وتجد أزقة الحارة خالية من الصبية ولكنني وبطريقتي الخاصة حببتهم مني وجعلتهم أولمن يستقبلني إذا قدمت من خارج الحي أو خرجت من منزلي فقد كنت أعمد شراء الكور وبعض الألعاب لهم.
الأطباء يباشرونه
* بعد قطع اليد كيف تقومون بحبس الدم «هل تضعونها بالزيت الحار كما يقال»؟
ضحك وقال هذا كان قديماً الآن يباشر عملية حبس نزيف الدم فريق طبي وذلك بسرعة تضميد الجرح وتطهيره ومن ثم ينقل الى المستشفى ويبيت هناك لمتابعة حالته فيما لو حدث أي مكروه لا قدر الله وفي صباح الغد يغادر المستشفى.
حددها الإسلام
ثم كان لنا وقفة مع أحد طلبة العلم علي أحمد الشمراني إمام مسجد عبدالرحمن الداخل بمدينة الرياض حيث شرح قول الله تعالى:
يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى..»
فلقد كان عقوبة القاتل قبل الإسلام متعددة الأنواع، فعند اليهود القصاص وعند النصارى الدية وعند عرب الجاهلية تشيع عادة الأخذ بالثأر فيقتل غير القاتل وقد يقتل زعيم أو وجيه أو رئيس في القبيلة بل قد يقتل أكثر من واحد من عشيرة القاتل، وربما طلب بالواحد عددا وبالأنثى ذكرا وبالعبد حرا.
ثم قرر الإسلام أخذا بالمساواة والعدالة عقوبة القصاص لأنها تردع عن ارتكاب جريمة القتل، والتاريخ شاهد على أن هذه العقوبة هي العقوبة الزاجرة حتى في عصرنا الحاضر، إذ ان السجن لا يزجر كثيرا من المجرمين المتعطشين لسفك الدماء، وتشريع الله هو الأعدل والأحكم والأسدُّ، لأن الله أعلم بما يصلح الناس وبما يربي الأفراد والشعوب وقد أباح الشرع أخذ الدية بدلا عن القصاص بشرط رضا بعض الورثة.
ومعنى الآية «يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص.. » فرض عليكم القصاص بسبب القتلى فيقتص من القاتل بمثل ما فعل في القتيل ولا يظلمن بعضكم بعضا بل لابد أن يقتل الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى مثلا بمثل، وإياكم والظلم فلا تقتلوا بالحر أكثر من واحد ولا بالعبد حرا.
فالعدل مطلوب في القصاص، والمساواة شرط فيه، فلا يقتل الكثير بالقليل ولا يتجاوز القاتل الى أحد أفراد قبيلته أو عشيرته.
فمن عفي له عن جنايته من جهة أخيه ولي الدم حتى ولو كان واحدا من أولياء القتيل فيجب على العافي أن يحسن في الطلب بلا إرهاق ولا تعنيف وعلى القاتل أداء الدية من غير مطل ولا تسويف.
ذلكم الحكم الذي شرعه من العفو عن القاتل الى الدية أو بدون دية تخفيف وتسهيل ورخصة من ربكم، ولم يكن أخذ الدية مشروعا عند اليهود وليس لأولياء المقتول إلا القصاص وقد خفف هذا الحكم عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم وشرع قبول الدية، وحكمة القصاص إنه يساعد على توفير الحياة الهانئة والمستقرة للجماعة والأفراد، ويزجر القاتل ويقمع العدوان، ويخفف من ارتكاب جريمة القتل إذ من علم أنه إذا قتل غيره قتل به امتنع عن القتل فكان في القصاص حفاظا على حياتين حياة القاتل وحياة المقتول، كما أن القصاص يمنع انتشار الفوضى والتجاوز الى غير القاتل ويحصر الجريمة في أضيق نطاق ويشفي غليل ولي القتيل ويطفىء نار غيظه ويستأصل من نفسه نار الشر والحقد والتفكير بالثأر.
والذي يقدر حق الحياة، ويفقه سر التشريع بالقصاص وما يحققه من مصلحة عامة وخاصة هم العقلاء فعليهم إدراك الحكمة وفهم دقائق الأحكام الشرعية فإذا فهم العقلاء أن القصاص سبب للحفاظ على الحياة اتقوا القتل وسلموا من القصاص، فالمراد هنا من )تتقون( إتقاء القتل خشية القصاص، إذ إن العاقل يحرص على الحياة ويخشى من تطبيق القصاص.
ينفذ بالقتل العمد
ثم التقينا بالشيخ الدكتور صالح سعد اللحيدان المستشار في وزارة العدل وسألناه:
* متى ينفذ حكم القصاص في القاتل؟ سواء كان رجلاً أم امرأة؟
فقال فضيلته: ينفذ القصاص بالقتل العمد العدوان إذا كان القاتل بالغا عاقلا مميزا سواء كان القاتل رجلا أو امرأة.
* بعد تنفيذ الحكم في الجاني هل تسقط عنه آثام جريمته ويكون تنفيذ الحكم فيه بمثابة التطهير له؟
هذا هو الراجح فإذا كان القاتل المقتص منه مسلما فإن القصاص منه جبران ما لم يترتب على هذا تعد آخر ينجر بسببه قتله العمد العدوان.
* عند إقامة ا لحد هل يتوجب حضور أهالي المجني عليه عند تنفيذ الحكم؟
لا بأس بهذا.
* هل يصلى على من نفذ فيه حكم الله وهل يغسل ويقبر بمقابر المسلمين؟
نعم إذا كان مسلماً.
* متى يشرع إخبار الجاني بتنفيذ الحكم فيه؟ ومتى تؤخذ وصيته؟
تختلف الحال من شخص الى آخر حسب نفسية المراد القصاص فيه. لكن لابد من إخباره بما يجب عليه من الوصية والحقوق ونحوهما.
* ما خير ما يوصي به الجاني قبل تنفيذ حكم القصاص قتلا فيه؟
تقوى الله تعالى والشهادة والتوبة والندم وحسن الظن بالله وحمده على كل حال.
* ما الصفات التي يجب توفرها في منفذ أحكام الله؟
الأمانة والورع وأكل الحلال وتجنب الظلم حسه ومعناه وحسن أداء ما وكل إليه.
* هل لابد من طهارة المرأة وكذا الرجل عند إقامة الحد على أحدهما؟
لا يلزم هذا لأنهما يغسلان بعد القصاص، لكن إن حصل تطهر منهما فهذا حسن.
نسعى بالصلح والعفو
ثم التقينا بالشيخ: بدر بن نادر المشاري إمام وخطيب جامع حطين بخشم العان، وهو ممن يسعون في سبيل الله للاصلاح بين أهل الجاني وأصحاب الدم «أهل المجني عليه» وذلك بتكليف من صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن فهد.
يقول الشيخ بدر عن هذا الموضوع:
لقد ابتليت الأمة في الآونة الأخيرة بكثرة قضايا القتل التي هي من كبائر الذنوب «والذين لا يدعون مع الله إله آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون..» الآية
وكل قتل يحدث على وجه الأرض من غيروجه حق فالوزر على ابن آدم الذي قتل أخيه في بداية الأمر.
والله جعل من الحدود الربانية والعقوبات الشرعية رحمة منه سبحانه لعباده وجعل في القصاص حياة ومع ذلك شرع الصلح الذي يحصل به الخير العميم والجزاء الآخر.
يقول الله :« والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة إنا لا نضيع أجر المصلحين» الأعراف.
وقال تعالى:« وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين» .
وقد امتن علي ربي بالمشاركة الكثيرة في قضايا الصلح وخصوصا قضايا الدم، ونحرص حقيقة على ألا تكون أسباب القتل فساداً أو إفساداً مجتنبين في الغالب القضايا الأخلاقية وغيرها وقد نتصل أحيانا بالقاضي للتأكد من تفاصيل وملابسات القضية والاستئناس بوجهة فضيلة القاضي الشرعية، وبعد ذلك نكتب شافعين لمن اشتهر عنه في الغالب السعي في الصلح وعلى رأسهم الرجل المبارك سمو الأمير عبدالعزيز بن فهد الذي له اليد الطولى في هذا الباب وفقه الله بتوجيهات من قائد مسيرتنا وولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين متعه الله بالصحة والعافية.
وخلال زيارة أهل الدم لنبين لهم فضل أمر المصلحين والساعين فيه أخذا بقوله تعالى:« ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا» وقوله تعالى:« لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما».
ونرغبهم أحيانا بإنشاء مشروع خيري ووقف الميت يكون صدقة جارية له.
أما من حيث استقبال أهل الميت فيختلف من شخص الى آخر وقد تتغير نفسية الشخص نفسه من زيارة الى أخرى ولا يلام صاحب الدم إذا كان والداً ولكن سرعان ما يذكر بالله وما أعده من أجر عظيم لمن عفا وأصلح فيتراجع ويرغب في التنازل وهذا ما نلمسه في أوساط المملكة لأن أهلها مستمسكون بأعرافهم وعاداتهم الطيبة في استقبال كل من سعى في الخير حتى ولو لم يتنازل فكم قابلنا من رجال وجهاء بل حتى تدخل في الصلح بعض النساء.
أذكر أننا ذهبنا في إحدى المرات الى سوريا للبحث ومقابلة والد مجني عليه قتل في المملكة زرناه في منطقة برية تبعد عن العاصمة بمسافة بعيدة وفي البداية لم يوافق واستمر الحال حوالي ثماني سنوات ثم أتت الموافقة وعفا عن شخصين وعتقا من القصاص وقام الأمير عبدالعزيز بن فهد بدفع مبلغ الصلح.
ونجد أحيانا من يقيم مناسبة لاستقبال الساعين في الصلح ولم نواجه ولله الحمد والمنة مواقف سلبية تذكر.
ونحرص من خلال الزيارة أن يكون معنا عدد مناسب من أهل العلم وذوي الجاه وخصوصا ممن سيؤثر على أهل الميت إما بمعرفة أو خبرة أو أسلوب في النصح والحديث ورافقنا عدة مرات الشيخ الدكتور سعد بن عبدالله البريك في بعض القضايا واستفدت منه كثيرا.
وشاركت في قضية الصلح في أبها بين قبيلتين وأدهشني كثرة الحضور الذي فاق ستة آلاف شخص.
وأضاف الشيخ بدر المشاري:
أهيب بكل مسلم ومصلح وكل من آتاه الله جاهاً بعلم أو بمال أن يبذل ما في وسعه الصلح الذي ينطبق على ما قاله ابن القيم رحمه الله عليه في أعلام الموقعين: قال: فالصلح الجائز بين المسلمين هو الذي يعتمد فيه رضى الله سبحانه ورضى الخصمين. فهذا أعدل الصلح وأحقه وهو يعتمد العلم والعدل فيكون المصلح عالما بالوقائع عارفا بالواجب قاصداً للعدل فدرجة هذا أفضل من درجة الصائم القائم.
الاصلاح منبعه النفوس السامية ولذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج بنفسه ويسعى للاصلاح بين الناس.
كتابة الوصية
ولكن كيف يكتب وصيته من ينفذ فيه حكم القصاص؟
يقول عن ذلك الشيخ عمر العبد الوهاب كاتب عدل في كتابة العدل الثانية بالرياض وأحد المشرفين على كتابة وصايا من ينفذ فيهم حكم الله عز وجل يقول: إن الوصية تضبط ويشهد عليها اثنان ويؤخذ إقرار الموصي عليها وبصمته وهو في السجن.
* فيم يوصي كثير منهم؟
كل الذي أشرفت على وصاياهم كانوا يوصون على أولادهم وذويهم والاهتمام فيهم وفي تربيتهم أو الحج عنهم فيوصون من يكلف بالحج عنهم أو سداد ديونهم التي غالبا لا تتجاوز الألف أو الألفين بالريال السعودية هذا عن معظم وصاياهم.
* وكيف يتقدمون لكتابة وصاياهم؟
كل الذين أشرفت على وصاياهم يتقدمون لكتابة الوصية بثبات وإيمان راسخ ولله الحمد وردة فعلهم «طيبة» وبعضهم يطلب منا مهلة قبل أو بعد كتابة الوصية ليتوضأ ويصلي ركعتين ونلبي طلبهم حتى إن كان أحدهم مصرا على أن ينفذ فيه الحكم لأنه يريد أن يتطهر من ذنبه وهذا الموقف أثر فينا جميعاً.
* وما هي طرق الاحسان التي ر بما يساهم فيها أهل الخير من المحسنين في هذا الموقف؟
أهل الخير لا يقصرون أبدا في ذلك ودائما نرى منهم كل تجاوب ومبادرة في فعل الخير فمثلا أحدهم تكفل في أن يحج عن شخص نفذ فيه الحكم ووصى بأن يحج عنه وأظنه حج عنه في نفس السنة التي نفذ فيها الحكم وآخر أوصى على ابنته الصغيرة الوحيدة فقام أحد رجال الخير «جزاه الله خيرا» وتكفل بصرف مبلغ خمسمائة ريال لها مع نهاية كل شهر وهناك من يتكفلون بدفع مبالغ لتسديد الديون الموصى بسدادها وهنا أرفع يدي وأعدو الله العلي القدير أن يجازي هؤلاء المحسنين عن إحسانهم ويحسن أعمالهم ويطيل أعمارهم ويدخلهم جناته جنات النعيم ولا يريهم مكروهاً في أهلهم وذويهم والمسلمين أجمعين، وهي بالمناسبة دعوة لأهل الخير ممن لا يعلمون عن بعض سبل الاحسان لأن يساهموا ويتبرعوا بما تجود به نفوسهم في هذا المجال.
نرشدهم لكتابة الوصية
* وماذا عن الأجانب؟
الأجانب يعطون نموذج الوصية بلغتهم وتجد بعضهم لا يعرف ما المطلوب لذلك نقوم بتوضيح الأمر لهم وإرشادهم حتى يتمكنوا من كتابة وصيتهم كاملة.
الغسل والدفن
يقول عن ذلك سلطان السهلي أحد الشباب المتعاونين والعاملين بمغسلة الأموات في مجمع الرياض الطبي.
بعد نقل الجثة من ساحة العدل توجه الى المغسلة فتغسل كما تغسل جثة المسلم هذا إن كان مسلما ثم يصلى عليها وتلف بالبلاستيك خشية أن تنزف دما ثم تدفن في مقابر المسلمين.
المجهزون
وهم من يقومون بنقل من نفذ فيه حكم القتل من ساحة العدل الى المغسلة ومن ثم يصلى عليه ثم ينقل للمقبرة.
وحول سؤالي لأحدهم عن بدايته في العمل وشعوره نحو عمله، قال: كل ما في الأمر أننا ننقل الجثة من ساحة العدل الى المغسلة ومن ثم يصلى عليها ثم تدفن بمقابر المسلمين.
وحول شعوره تجاه ذلك يقول طبيعي جدا نحن نمر بما هو أصعب من ذلك فالجثة في ساحة العدل نظيفة يجب أن تعلم أن هذا عملنا، المشكلة تكمن لدينا في الجثث المتعفنة من جراء استخدام المخدرات.. شيء لا يطاق.. أبدا لا يطاق.
الجثة في ساحة العدل نظيفة بدنيا ونظيفة إن شاء الله من الذنوب التي اقترفها أما صاحب المخدرات فنحن متخوفون من التقدم له عفا الله عن عباده، فبعضهم يعطي نفسه إبرة مخدرة ويدخل جسده جزءاً بسيطاً من الهواء مع هذه الابرة فيموت ويلبث جثة هامدة لا يعلم به أحد وعندما نذهب له بعد البلاغ عنه نجده قد تعفن وربما يسيح جسده دما وعرقا ورائحته على بعد عشرات الأمتار.. يالله! من سيتقدم لنقله؟
حضور تنفيذ الأحكام
أما حضور منفذي الأحكام فلهم آراء أخرى فيما يشاهدونه في ساحات التنفيذ حيث يقول إبراهيم عثمان الموسى وهو من الذين قد حضروا أحكام القصاص والرجم وأيضا حد السرقة إن بلادنا ولله الحمد تنعم بالأمن والأمان وهي من أقل شعوب العالم في الجريمة والسبب الوحيد بعد الله هو تطبيقها للشريعة الإسلامية.
ومن خلال ما شاهدت من تنفيذ لأحكام الله في مدينة الرياض أجد من الملاحظات ما يكفل بأن يكون لهذا الحد الشرعي فائدته المرجوة بتعميم تنفيذه في أكثر من جامع على مستوى مدينة الرياض مثلا جامع عتيقة وكذلك جامع الراجحي بالربوة وكذلك جامع أم الحمام وغيرها ولا يكون مقصورا على الجامع الكبير بالديرة نظرا لكبر مساحة مدينة الرياض وفي حال تطبيق ذلك يذكر بوسائل الإعلام بأن تلك الجوامع المذكورة هي أماكن لتنفيذ الأحكام الشرعية ليبتعد عنها صغار السن ويذهبوا الى جوامع مجاورة.
ليست لدينا حوادث قتل مجهولة
وأخيرا تحدث مدير شرطة منطقة الرياض اللواء عبدالله بن سعد الشهراني فقال: إن جريمة القتل لم تكن وليدة اليوم والأمس القريب.. فقد حدثت في عهد سيدنا آدم عندما قتل هابيل قابيل لخلاف نشب بينهما.. وجاءت آيات القرآن الكريم توضح ذلك.. وتؤكد أن طبيعة بني البشر وغرائزه تحتم عليه البحث عن البقاء والدفاع عن النفس والعرض والمال حتى وإن تعدى هذا الدفاع الى القدر الذي تكون الروح هي المفقودة. ولعل الاعتداء على النفس وانتزاعها من الجسد الإنساني بغير حق هو الأمر الذي أكد على عظمة القرآن الكريم وقرن قتل النفس بقتل الناس جميعا وهذا يدل على كرامة الإنسان وسمو الروح، ولكن تظل الحياة تسير في طابعها الذي بدأت به وتزايدت من خلاله تداخل الناس على اختلاف مشاربهم ومصالحهم ونشأت الخلافات التي قد تفضي الى جريمة القتل أحيانا ولكن تظل جريمة القتل في المملكة جريمة واضحة الدوافع معلومة الفاعل محدودة الوقائع.. ومن حسن الطالع ان سجلات الأمن في المملكة خالية من حوادث القتل المجهولة وهذا بفضل الله ثم بفضل تحكيم كتاب الله وسنة رسوله وحرص حكومتنا الرشيدة على تطبيق حدود الله.
من التحقيق
ذكر السياف يحيى أنهم يتريثون قبل تنفيذ الحكم ليتمكن دعاة الخير من إقناع صاحب الدم بالعفو حتى أن بعضهم يتبرع بالمليون والمليونين.
ربما خفي هذا الموقف على بعض الميسرين.. ويا باغي الخير أقبل.
هناك بعض النساء يحضرن في ساحة العدل لمشاهدة تنفيذ الأحكام.
السياف تمنى أن لا يخلفه ابنه لأنه يريده أن يكون مهندساً.
قال صلى الله عليه وسلم «انا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين واشار بالسبابة والوسطى»
الشيخ الذي يحكم بالقضية ومندوب الإمارة ومندوب الشرطة ومندوب هيئة التحقيق والادعاء العام أو من ينوب عنهم والمجهزون «من البلدية» بالاضافة الى السياف والطبيب الشرعي وأصحاب الدم أو من ينوب عنهم لابد من حضورهم أثناء تنفيذ الأحكام.
السياف يحيى يمسك الغمد باليسرى ويضرب باليد اليمنى.
ثقافة السياف يحيى تجلت عندما تحدث لنا عن «مسرور» سياف هارون الرشيد المشهور.
وزن السيف يبلغ 2 كيلو جرام.
السياف يحيى كان لاعب كرة قدم في المنتخب العسكري.
عند قطع اليد تربط الأصابع ببعضها ويشد الكف من جهة والساعد من جهة ثم تبتر قطعا.
شاهدنا بعض أولياء الأمور يحضرون أبناءهم لمشاهدة تنفيذ الأحكام!
السياف الهزازي تتلمذ على يد السياف يحيى المجرشي.
مساعي صاحب السمو الملكي الأمير عبد العزيز بن فهد وسمو الأمير سلطان بن محمد في هذا المجال مشهودة ومباركة
عندما رفعت السيف ادركت مدى الجهد الذي يقوم به السياف
أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved