| عزيزتـي الجزيرة
الادارة فن وقدرة وموهبة يهبها الله من يشاء، وهي من الولاية التي يعين الله عليها من لم يطلبها، وهي مسؤولية وامانة عظيمة يكفي فيها حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما من رجل يلي أمر عشرة فما فوق ذلك إلا اتى الله عز وجل يوم القيامة يده الى عنقه فكه بره او اوبقه إثمه اولها ملامة واوسطها ندامة واخرها خزي يوم القيامة» رواه الإمام احمد، وحديثي هنا ليس عن الادارة ولكنه عن المدير نعم عن المدير الذي نذر نفسه وكل ما يملك لينجو وينجح، اما لينجو فاسأل الله له ذلك وحسبه وحسبي اني اعلم من حاله ومن خلال العمل معه سنوات ليست بالقصيرة انه مجتهد مخلص احسبه كذلك والله سبحانه وتعالى هو حسبه ولا ازكي على الله احدا، واما عن النجاح فيكفيه شهادة في ذلك الحفل الذي اقامه منسوبو المعهد العلمي في الملز مساء يوم الاثنين الموافق 27/2/1422ه لتوديعه والذي حضره بالاضافة الى المنسوبين عدد ليس بالقليل ممن سبق لهم العمل في المعهد وكلهم مجمع على ما كان يتمتع به فضيلة مدير المعهد الشيخ مبارك بن محمد آل رشود لعقدين من الزمان من خلق رفيع وادارة حكيمة وحب خالص لمرءوسيه وتفان في عمله ظهر هذا الاجماع من خلال ما قُدم في الحفل من قصائد وكلمات وما بان من شعور لدى الحاضرين.
ان لحظات الوداع صعبة ومؤثرة، وتزداد صعوبة كلما زادت علاقتك وودك لمن تودع، ومدرسو ومنسوبو المعهد العلمي في الملز عاشوا كأسرة واحدة منذ تأسيسه في عام 1401ه ومنذ ادار دفتيه فضيلة الشيخ مبارك فلقد كان خلال العقدين الماضيين الاب الحاني والراعي الكريم والمؤدب المتفاني والمربي الفاضل لكل من انتسب لهذا المعهد خلال تلك الفترة، ولقد كان يحفظه الله حريصاً كل الحرص على تطبيق الانظمة والتعليمات مع حفظ الود ورعاية العهد ونشر الخير والفضل وستر العيب ومعالجة الخطأ، بالفعل لقد كان ادارياً بارعاً وراعياً اميناً يساعده في ذلك شخصيته المتميزة وسمته ووقاره والهيبة التي تعلو محياه، وهي جميعاً لم تمنعه من ان يباشر كل اعمال المعهد بنفسه فله من اسمه المبارك النصيب الاكبر فقد كان مباركاً فعلاً كما هو مبارك اسماً فعندما لا تجده في مكتبه تجده في ادارة شؤون الطلاب يعالج ويشارك في حل مشاكلهم، او تلقاه في ردهات المعهد مستقبلاً الاساتذة او الطلاب وقت الحضور الصباحي مودعاً لهم عند الانصراف، واثناء الحصص الدراسية قد تجده يُدرِّس في احد الفصول التي يكون قدغاب عنها المدرس الاصلي مضطرا وقد يشغل درس انتظار يوجه الطلاب وينصحهم فيه او يمر على المدرسين ويحضر دروسهم فهو الموجه المقيم في المعهد، وفي ايام الاختبارات وما ادراك ما ايام الاختبارات يحضر وطيلة سنوات ادارته في المساء رغم بعد سكنه عن المعهد اول من يحضر فتجده يتابع درجات الطلاب على الحاسب الآلي اولاً بأول او يُملي الدرجات على مُدخلها او يرتب الكراسات تمهيداً لرصدها وما أكثر ما يطلب عملاً يساعد به الزملاء ، لقد كان ابو محمد مديراً ميدانياً يحب العمل حباً كبيراً ويكره العجز والكسل ، ولقد كان يحفظه الله في حبه لعمله نادراً يدفع كل من عايشه وعمل بجانبه الى بذل المزيد يندر ان يباريه في حرصه او يجاريه في متابعته لعمله او يعطي عطاءه احد والعجيب ان يكون ذلك في كل احواله وطيلة سنوات عمله، قد يكل الانسان ويتعب وقد يتأثر فيحزن او يفرح فينعكس ذلك على ادائه وعمله، اما ابو محمد فيضغط على نفسه ويتحمل المواقف حتى يظهر على سجيته وطبيعته يستقبلك بالابتسام وحسن المعشر والخلق الرفيع ويرد التحية باحسن منها، وان كان لا يُقرك على تصرف معين اختار اسلوب المعالجة الناجع وقدم لك التوجيه والنصح بطريقة فريدة تنبئ عن خلق رفيع ورقة ولين بشدة وعزم وحزم فتخرج منه راضياً داعياً، وكم يبذل من النصح للجميع ويذود ويدافع عنهم عند الحاجة لذلك ، وان غبت عنه فلقيك غمرك بكرمه وفضله فهو رجل مضياف لا ينسى العهد والصحبة والعشرة، ذو معدن اصيل كيف لا وفضيلته سليل اسرة اصيلة عريقة، لقد عملت معه سنوات طويلة ولي منه فيها في كل يوم درساً جديداً وبالذات عندما عملت معه في الادارة انه بحق مدرسة تعلمت على يديه الكثير والكثير.
ان المعهد العلمي في الملز وهو يودع علماً من اعلامه وشمساً سطعت في سمائه لعقدين من الزمن ليحزن حزناً عميقاً ، لكن العزاء ان عطاء الشيخ المبارك وتفانيه في خدمة دينه وامته ورعايته لزملائه وابنائه الطلاب تلك المدة الطويلة كان فيه نكران كبير لذاته ونسيان لنفسه عله ان يلتفت لها وينصب في حقها منطلقاً من قوله تعالى :« فاذا فرغت فانصب» اسأل الله العلي القدير ان يجعله مباركاً اينما كان، وان يطيل في عمره على عمل صالح وان يوسع له في رزقه ويبارك له في عقبه وان يمتعه متاعاً حسناً انه ولي ذلك والقادر عليه.
سليمان بن عبدالله الدويش
مدرس في المعهد العلمي في الملز
|
|
|
|
|