أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 16th June,2001 العدد:10488الطبعةالاولـي السبت 24 ,ربيع الاول 1422

مقـالات

العلاقات العامة والمفاهيم المتداخلة
د. عبد الرحمن بن محمد القحطانى
مدخل
تعاني المؤسسات المعاصرة اليوم مشكلة تكمن في التداخل الواضح بين العلاقات العامة، التي تعد نوعاً من السياسة والسلوك لأية مؤسسة تجارية أو صناعية أو حكومية، والمفاهيم المتداخلة كالعلاقات الإنسانية والاتصال والتسويق والاعلان، مما يزيد الخوف على دور ادارات العلاقات العامة في دول العالم الثالث التي تركز على الدعاية لاعتناقها مبدأ أو فكرة معينة أو الترويج والتسويق لمنتج بعينه. فالافصاح عن هذه المشكلة يعد المرحلة الأولى في معرفة واقع التداخل بل ومدى خطورته على قيام المؤسسات بأنواعها بدورها تجاه المجتمع ككل. هذا الأمر أعاد لذاكرتي بحثا قدمه الدكتور محمد محمد البادئ بعنوان: العلاقات العامة ومشكلة المفاهيم المتداخلة معها في المؤسسات المعاصرة والذي نشر في مجلة كلية الآداب والعلوم الانسانية المجلد الثالث 1403ه والذي نرتكز عليه في طرح هذا الموضوع الهام.
ونحو مواجهة ايجابية مع مشكلة التداخل، كشف التحليل الوظيفي الحل العلمي التطبيقي النظرتان الأكاديمية والتطبيقية على أسس متكاملة أهمية توفير المرونة لفكر الادارة العليا وتحويل الفكر المرن الى سلوك منظم وتحقيق التكامل بين المؤسسات المعاصرة ومراعاة الشمول والتوازن علي مستوى المجتمع كله. وكنتيجة حتمية تكون المواجهة شاملة فكراً ومنهجاً تعطي للتطبيق مزيدا من الحل المفيد. ولكي تتضح الرؤية حول العلاقات العامة والمفاهيم الخاطئة يتطرق هذا المقال الى المواضيع التالية: تحليل الأنشطة المتخصصة المتداخلة مع العلاقات العامة، والتحليل الوظيفي لمواجهة التداخلات وخاتمة.
أولاً: التحليل
تشتمل الأنشطة المتخصصة المتداخلة مع العلاقات العامة بحسب طبيعتها الى ثلاث مجموعات رئيسة هي:
1 الأنشطة التي يطلق عليها العلاقات الانسانية والصناعية.
2 انشطة الاتصال والنشر.
3 الأنشطة التي تمس بالتسويق والاعلان.
1 الأنشطة التي يطلق عليها العلاقات الانسانية والصناعية.
في دراسة قام بها سام بلاك S.Black رئيس الاتحاد الدولي لجمعيات العلاقات العامة تبين ان تحسين العلاقات الصناعية داخل مفهوم العلاقات العامة من الأمور المطلوبة كمنع الصراع وسوء الفهم، والتنسيق بين المصلحة الخاصة والعامة بل وتنمية النية الحسنة مع جمهور المنشأة العام. أما الدراسة الميدانية التتبعية التي أجريت على احدى وسبعين جهة مصرية متعددة التخصصات توصلت ان هناك عدداً من الأنشطة يدخل ضمن دور العلاقات العامة بنسبة كبيرة كالعلاقات الانسانية والترويج، والتبصير بأنسب الوسائل لزيادة الكفاية. وبالتالي أدت مشكلة التداخل التي يمكن حصرها في أربع نقاط:
أ التعارض بين الحاجة لأنشطة تقف أمام التحول الذي طرأ علي المجتمع نتيجة الثورة الصناعية خلال القرن الثامن عشر والتي تنادي بالمساواة، وحرية التعبير ووجود البرلمان والانتخابات.. والاستجابة لتلك الظروف العميقة التي تتصل بفكر المؤسسات وفلسفتها التي لم تكن متوافقة مع الحاجة للعلاقات العامة.
ب الموقف السلبي للمؤسسات طالما الادارة تسعى للمؤسسة ولمشروعاتها الاقتصادية بالنجاح فقط، دون الاهتمام بحقوق وحاجات الفرد. مما ساعد على ضعف الاتصال، والتأكيد على الجوانب المادية دون الجوانب المعنوية.
ج ميوعة مفاهيم العلاقات العامة، نتيجة الاستخدام السيء لمفهوم العلاقات العامة لمواجهة الظروف والمشكلات الاجتماعية التي استهدفت التستر والتمويه لاخفاء الحقائق، والكذب والخداع واستخدمت فنون النشر والدعاية بأسوأ معانيها.
د. وأخيراً محاولات تكريس الموقف السلبي للمؤسسات المعاصرة، والخلط بين المفاهيم المتعددة مع العلاقات العامة باسم العلاقات الانسانية والعلاقات الصناعية وغيرها.
فالعلاقات الانسانية المعاصرة مثلاً تكرس موقف الادارة السلبي على حساب العلاقات العامة. حيث يؤكد الاتجاه الأول على أن العلاقات الانسانية نشاط متخصص من وجهة نظر الادارة العليا، تنمية الجهد الجماعي المنتج والمرضي ذلك لأنها قامت على الاعتراف بالعاملين ببعض مصالحهم الخاصة، وعلى توفير الدوافع الانسانية، ولكنها لم تتعامل مع الأسس الفكرية والعملية التي تقوم عليها بيئة العمل والتي تلعب ادارة العلاقات العامة لو أعطيت الصلاحية دوراً كبيراً في محاولة تضييق فجوة التغير الذي حدث نتيجة الثورة الصناعية والتقدم التكنولوجي والعلمي وما يتشبع به العقل البشري من جراء ذلك التحول في حياة الانسان. أما الاتجاه الآخر محاولات استهداف تكريس المفاهيم المانعة للعلاقات العامة والتي هي في نفس الوقت انعكاس للموقف السلبي لهذه المؤسسات، فجاءت مفاهيم الاتصال والنشر، والتسويق والاعلان.
2 انشطة الاتصال والنشر
نظرة أغلب الادارات العليا للمؤسسات المعاصرة تدور حول الاتصال والنشر ويعني ذلك العمليات التي تستخدمها للربط بين وظائفها الادارية والتنسيق بينها، وتحقق الفهم المشترك. بينما يسير الاتصال حسب التسلسل الرئاسي، والتقسيم الوظيفي، ووحدة التوجيه. بينما يستخدم الاتصال، أيضاً في أغراض، اعطاء المعلومات، ولإصدار الأوامر أو التعليمات، أو التأثير والاقناع، والتكامل بين العاملين في تقسيمات أو مستويات معينة، وهذا ينعكس مباشرة على المضمون المهني والوظيفي. ونتيجة حتمية يعود التداخل مرة أخرى بين مفاهيم العلاقات العامة، ومفاهيم الاتصال، الذي يعد «الاتصال» جزءاً من نشاط العلاقات العامة وبالتالي يصبح الاتصال والنشر الأكثر نشاطاً بسبب ذلك من قبل الادارات الاهتمام الأعلى في المؤسسات المتعددة لتشبع حب الظهور والشهرة.
3 الأنشطة التي تمس بالتسويق والاعلان:
واذا انتقلنا الى التسويق والاعلان في الوقت الذي تطورت العلاقات العامة التي تنادي بكسب الصفات الحميدة كالموضوعية، الاهتمام بالجمهور الداخلي والخارجي على مد التواصل الفعال ولكن التسويق والاعلان يتطور بنفس السرعة ليكتسب نفس الصفات في كثير من المواقف. ورغم بساطة التفرقة هنا بين العلاقات العامة ومفاهيم التسويق والاعلان الا أن اندفاع المؤسسات وراء مصالحها الخاصة جعل هذا التداخل مقبولا وعمق مشكلة التداخل مع العلاقات العامة وأصبح التسويق يأخذ جزءا من وظائف العلاقات العامة مثل دور الترويج للسلع بأساليب العلاقات العامة وفي الوقت نفسه عدم الاعتراف من قبل ادارات التسويق بذلك الا أنها في الأصل لا تستغني عن خدمات العلاقات العامة للقيام بتمهيد ناجح.
ثانياً: التحليل الوظيفي
التحليل الوظيفي للمؤسسات المعاصرة يكشف وجود ميكانيكية دفاعية ممكنة لمواجهة ليس فحسب لتداخلات المفاهيم مع العلاقات العامة بل لمواجهة التحديات التي تحدث بالبيئة، والتكيف مع المتغيرات الاجتماعية ونتائجها. هذه الميكانيكية ترتكز على عدة أسس تجمع بين النظرتين الأكاديمية والتطبيقية أبرزها:
الأساس الأول: هو توفير المرونة لفكر الادارة العليا. فمضمون الظروف والمشكلات الاجتماعية الضاغطة أوجدت خللا بالعلاقات المتوازنة بين المؤسسات وجمهورها. اذ لابد ان تتوفر المرونة الفكرية لدى الادارة العليا للمؤسسات، وتحويل الايديولوجية التي تسير عليها، الى مسؤولية اجتماعية شاملة تعني العودة الى التوازن بين الفرد والجماعة، سواء كانت هذه الجماعة تنظيماً أو مؤسسة أو مجتمعاً بأكمله، مع الالتزام المادي والمعنوي معا في الفكر الاداري.
الأساس الثاني: هو تحويل الفكر المرن الى سلوك منظم، وذلك بالمفهوم الصحيح لطبيعة العلاقات العامة، لكي يقدم لهذه المؤسسة أو تلك منهجا علمياً منظماً، ينقل فكرها المرن الى التطبيق العلمي السليم.
من الواضح ان الأساسين الأول والثاني يقدمان خطوطا عامة للأفكار المرنة التي تدعم ايديولوجيات المؤسسات المعاصرة، في مواجهة الظروف الاجتماعية الضاغطة عليها. وكذلك المنهج العلمي المنظم لتطبيقها، فتحقيق التكامل بين المؤسسات المعاصرة يتوقف علي مرونة الخطوط العامة داخل اطار التفاصيل التي تتطلبها الطبيعة الخاصة لكل مؤسسة، ليتحقق بالمقابل، نوع من الحشد أو المجتمع القوي في مواجهة الظروف والمشكلات الاجتماعية على أسس توفر له التناسق والانتظام أو التوجيه المخطط لا الجهود الجزئية أو العشوائية، وتضطلع ادارة العلاقات العامة بمثل هذه المهمة.
الأساس الثالث: مراعاة الشمول والتوازن. فالتكامل أساس من أسس المواجهة الشاملة، ويعني ذلك أن المجتمع الى حد كبير يتحمل المسؤولية لتحقيقه في المواجهة، وان حدث التدخل الحكومي فهو أمر مشروع ومهم للمجتمع بفئاته. فأيديولوجية كل مؤسسة تجد أصولها في الايديولوجية العامة لمجتمعها ومن هنا تتعمق الأفكار المرنة داخل الايديولوجية، وينعكس على الايديولوجية بالمؤسسات هذا من ناحية يعطي لصفتي الشمول والتوازن مضموناً عملياً لا يقدر على تحقيقه الا السلطة التشريعية وهذا من ناحية ثانية، ومعنوياً بالغة الأهمية والحيوية وهذا من ناحية ثالثة، وبالتالي يكون الشمول والتوازن أمورا أساسية ومترابطة للمواجهة الشاملة، فكراً أو منهجا تعطي للتطبيق مزيدا من المرونة والمواجهة السليمة للظروف ومتغيراتها والمشكلات الاجتماعية وظواهرها وتسليم زمام الأمور لادارة العلاقات العامة بالمؤسسة للقيام بمهامها.
وخلاصة القول فإن التحليل الوظيفي يضع خطوطا عريضة وواضحة بين ما هو مطلوب من الادارة العليا في تنفيذ سياساتها وأهدافها وبين ما هو مطلوب منها تجاه المجتمع ككل حيث تدخل العلاقات العامة الوسيلة والوسيط للقيام بدور مقبول بين طرفي المصلحة «الادارة» والمستهلك «الجمهور» ولكن بشرط التميز والمرونة بين العلاقات العامة واستقلالية وظيفتها وتفسير المفاهيم المتداخلة كالعلاقات الانسانية والتسويق والنشر وعدم جعلها في صلب عملية العلاقات العامة التي تشمل الدراسات والبحوث والتخطيط والاتصال والتقييم.
خاتمة:
هذا الموضوع قضية ادارية واقتصادية واكاديمية تتطلب النقاش والحوار المفتوح، فهذه القضية وان لم تكن محط أغلب إدارات المؤسسات الحكومية أو المؤسسات العامة أو الخاصة بعالمنا العربي، ويعود السبب الى الصورة الذهنية «النمطية» الراسخة على أن وظيفة ادارة العلاقات العامة هي النشر والمراسم ويعود السبب، ايضاً الى عجز المناهج التعليمية «الجامعية» في سبر الغور في نظريات العلاقات العامة، وكنتيجة طبيعية حدث الخلط والتداخل بين ما ظهرت به العلاقات العامة من سمات حضارية تهدف بالمقابل حقيقة مفهوم العلاقات العامة والمفاهيم الداخلة عليها في الوقت ان تلك الأنشطة المتداخلة ليست الا جزءاً من نشاط العلاقات العامة. فقد اتضح ان من أسباب التداخل أحياناً الهروب والخداع من قبل ادارة المؤسسات في ممارساتها التي تهدف الى مشارب ذاتية وتخدير مواقف افراد المجتمع تجاه حاجاته الأساسية.
وهذه الحقيقة تعكس التناقض والتعارض بين ما افرزته الثورة الصناعية ومبادئها الا أن الثورة الصناعية سهلت الطريق المناسب للتفكير البشري الا ظهور مفهوم العلاقات العامة والاسراع الى انشاء مثل هذه الادارة في كل مؤسسة أو منظمة حكومية.
وكنتيجة تطور الاهتمام بالعلاقات العامة وظهور ما يسمى بالجمعية الدولية للعلاقات العامة والتي أعطت تعريفاً واضحاً مختصرا يتلخص في ان العلاقات العامة «وظيفة ادارة دائمة ومنظمة» وظيفة ادارة حيث يجب على الادارة السعي قدماً الى زيادة وتحسين العلاقات بين الجمهور الداخلي والجمهور الخارجي. ودائمة ومنظمة بالأخذ بالجانب العلمي على أسس وأصول وقواعد تحكم خطة سير العلاقات العامة، وهذا التصور على أن ادارة العلاقات العامة على أنها وظيفة ادارة دائمة ومنظمة هو الواقع في اغلب المؤسسات الحكومية والتجارية والتطوعية في الدول المتقدمة. فتداخل الأنشطة في مفهوم العلاقات العامة ظاهرة واضحة داخل المؤسسات والمنظمات العربية التي تخلف اختلافاً ايديولوجياً على تلك الدول المتقدمة.
فالمجتمع العربي وهو يعاني من مشكلات عديدة ابرزها حداثة الانفكاك من حصار الاستعمار والاستقلال وما خلفه من مظاهر ما زالت عائمة حتى الوقت الحاضر. اضافة الى الركود الاقتصادي ونقص وعي العنصر البشري اخرت النظر في مثل هذا التداخل الذي يتطلب دراسة ومواجهة صريحة وهنا وجب التنويه ان اختلاف المفاهيم في الدول العربية والعلاقات العامة والنشاطات التي تمارسها يتعين علي المحلل أو المخطط معرفة بل وقناعة ان هناك مبادئ اخلاقية قاعدتها عقيدة دينية لا تؤمن بالالتواء والخداع والتي تحاول تجنب شعارات كالاضراب والمظاهرات والاحتجاجات التي تؤدي الى خسائر مادية وبشرية وخصوصاً في مجتمع ينقصه الوعي بمجالات لا يمكن حصرها ولعل الاهتمام بالعلاقات العامة لتقوم بدور في رفع مستوى الوعي العام، ويبدأ أولاً وقبل كل عمل بمعرفة تحديد المفاهيم العلمية وتأثيرها أو تداخلها مع مفهوم العلاقات العامة.
nmsk@hotmail.com

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved