| محليــات
وزارة الداخلية من المؤسسات البالغة في أهمية الأدوار التي تضطلع بها...، ومن أشدها حساسية، وشفافية، ذلك لأنَّها مسؤولة في الدور الأول عن «الأمن» الداخلي، والذي يعني توفير الطمأنينة في أعلى مراتبها لكلِّ فرد على اختلاف المستويات، والطبقات، والأدوار، والمواقع، على امتداد أرض الوطن، وهي لعمري مسؤولية شديدة الأهمية، ثقيلة الوزن..، من هنا، فإنَّ هذه المؤسسة تختار بدقة، وضمن ضوابط، ووفق معايير الأفراد الذين يعملون فيها، ... ولعلَّ أوَّل الصفات التي لا بد أن يتَّسم بها العامل في هذه الوزارة هي الإحساس الصادق بالوطن، بوصف الوطن قيمة فعلية تستقر في الضمير قبل اللسان، وتتحقق هذه القيمة بالفعل لا بالقول..، والمواطَنة وحدها لا تكفي إن لم تقترن بالإيمان المطلق بأنَّ «حُب الوطن من الإيمان» وتَمَثُّلِ هذا القول في كافَّة السلوك...إلى جانب صفات الأمانة، والصدق، والقدرات العقلية العالية وكذلك التأهيل الجسماني للقيام بالأعمال دون كلل أو ملل أوتقاعس، ناهيك عن الخلق في شهامته وأريَحيته، وصبره، وتحمُّله، وبشاشته، وحسن تقديره، ودماثته، ورؤيته، ووعيه، ....
ولم تعد هذه المعايير وحدها كافية في زمن يواجه متغيرات «الطَّفرات» المعرفية، و«المتغيِّرات» العلمية، وتوسُّع قواعد الخبرات العلمية، وتشعُّبها....
ولأنّ هذه الوزارة تتداخل في اختصاصاتها، وتواجه حاجة كلِّ متغيَّر على حدة، فهي ليست تحتاج فقط إلى آليات فنية وتِقانية وأرصدة مالية كي تكون مهيأة لكلِّ موقفٍ عند ثوابت الأدوار، أو طوارئ الأحداث، بل هي تحتاج إلى أرصدة من نوع آخر أكثر أهمية، وأشد إلحاحاً كي تقوم بأداء أدوارها بوعي، وحكمة، وقدرة، ومبادرة هي من أهمِّ ما يميِّز مسؤولياتها، وما يشكِّل أدوارها، هذه الأرصدة هي العناصر البشرية وليس العنصر الواحد..، فهي لا تحتاج فقط إلى الفنيين، والمهندسين، والأطباء، والباحثين، والقانونيين، والرياضيين، والجيولوجيين، بل تحتاج إليهم وإلى كافَّة المختصين في امتزاج مع التخصص العسكري بكافَّة فروعه، ومجالاته...
«فالأمن» هو جذر القاعدة المنطلقة منها بِنائية هذه الوزارة من خلال أهدافها، ومضامين أعمالها، وأساليب أدائها، وسبل تنفيذها، ووسائل آلياتها..
و«الأمن» لم يعد في المفهوم الحديث هو آلة، ولا هو رجل، إنَّه عقل ينبض بالحكمة تلك التي تولِّدها الخبرة المعرفية عن العلم المقنَّن، المخطَّط له، المرسوم حدوده ومضامينه، وفق ما يصاغ له من أهداف تستطيع هذه الخبرات أن تنفِّذها كما هو مُخطَّط لها عن إمكانيةٍ جزءٌ منها يراعى في شخصية من يُختار للعمل في هذه الموسسة، والجزء الأكبر يتحقق عن التلقي المدروس والمستهدف...
من هنا وعت هذه الوزارة الأهمية القصوى لمعاهد التدريب فيها للوسيلة الحديثة التي تجذَّرت في شرايين وأوردة الأعمال في كافة المجالات وهي الحاسوب، فهناك معهد الحاسب الآلي ودوراته المختلفة والمتواصلة والمواكبة لأحدث الوسائل والمناهج في شأنه، كما أنَّ هناك مراكز التدريب المختصة القائمة على فروع أدوار وزارة الأمن والوطن...
ولقد تُوِّجت هذه الوزارة بكلية الملك فهد الأمنية التي هي في كلِّ ما تقدمه من برامج قد تخطَّت بناءً على ما يرد عنها من تقارير، وما يُكتب عنها أفضل وأرقى المستويات التي وصلت إليها نظيراتها في العالم المتقدم.
هذه الكلية لم تعد في النِّطاق الضّيق لمفهوم العلوم العسكرية المهيِّئة لرجل الأمن الخبرة المبدئية، إنَّها الآن في مستوى «الجامعة» بكلِّ ما تعنيه من شمول وتَمكُن في منهجيات التَّلقين والتَّلقي، والممارسة والتطبيق، على مستوى علمي رفيع، يمدُّ هذه الوزارة وفروعها بالمختصين المؤهلين بحكمة المعرفة كي ينخرطوا ضمن ضوابط معايير تُحقق لها الحدَّ الأدنى في مستوى الحدِّ الأعلى من كفاءة الرصيد البشري المتميز... كي تتمكن من تحقيق الأدوار التي تضمن بها تحقيق المفهوم الحديث عن دور رجل الأمن، بالحذاقة ذاتها التي تتحقَّق لدور آلة الأمن، ووسيلة الحماية....
ولقد حثَّني على هذه الكلمات كي أدوِّنها في هذا المقال ما قرأته عن رعاية صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير هذه المؤسسة الوطنية الكبرى لتخريج الدورة )57( من طلبة هذه الكلية وكذلك الدورة )30( من الطلبة الجامعيين مساء الأربعاء أمس الأول 21/3/1422ه.
وعدد الضباط الجامعيين )292( الذين تحققت لهم في هذه الكلية مكاسب الحكمة في فروع وجوانب عديدة من المعرفة التي لم تقتصر على الاختصاصات العلمية فقط بل شملت الأدب واللغة والشريعة والطب والاعلام والدعوة وفي ذلك لعمري ما يجعلني أنظر بعين الإجلال لهذا التَّطلع المواكب تنفيذاً لأدوار وزارة الداخلية بما يتماشى مع حاجات العصر.
ولعلَّ المؤمَّل من المسؤولين بتحققه على هذا الوجه يتضاعف الجانب الآخر منه وهو المؤمَّل في الطلبة الذين يلتحقون بهذه الوزارة طلاباً دارسين في هذه الكلية من بذل جهود تتماثل مع جهود مسؤوليها كي يرقى الدارس إلى طموح المسؤول، وذلك لأنَّ دارس اليوم هو مسؤول الغد.
تحية صادقة لوزيرها الرجل الأول فيها...ولسمو نائبه وسمو مساعده...
ولكلِّ من يعمل معه، ويتفاعل مع طموحاته، ويبذل لأهدافه ...
ذلك لأنّ طموحاته، وأهدافه لا تخرجان عن إطار تحقيق المستوى الأرفع في كافة ما تنضوي عليه هذه الوزارة مظلَّة الأمن، بعدد ما فيها، وعُدَّة ما لها ...
فإن استوى عنصُرها البشري على ما تُخطِّط وتُهدِّف وتنفِّذ...، استوى لأدوارها أن تسمو إلى قيمة الوطن، في مسؤولية العطاء، وواجب التَّفاعل عند الأخذ بمثل ما هو من أمل بل آمال هي منوطة بالجميع... وحفظ الله الجميع في ظل معايير الحكمة والعلم والصدق والبذل.
|
|
|
|
|