| محليــات
تذكرين تلك الأمسيات، وأنتِ وحدكِ من يتابع النجوم حتى إذا ما استقرَّ البدر في منازله زاهياً، وضَّاحاً...، أسلمتِ إليه أمر النجوم، وخلدتِ إلى نفسكِ تحدثينها بما فيها... ذات أمسيةٍ من تلك... أتذكَّركِ جيداً، وأنتِ تلضمين في يدكِ مسبحة الزمن... تعدِّينها إصبعاً... إصبعاً... حتى إذا ما استخدمتِ كافَّة حركات أصابعكِ... ولم تعدْ تستوعبُ حجم الزَّمن...، تعودين كرةً أخرى...، أجلستني حينذاك بجواركِ... مسحتِ على رأسي...، وأشرتِ إليَّ بسبَّابتكِ... ففهمتُ أنَّكِ تحذِّرينني...
لا أدري كيف شعرتُ في ذلك بشيء من الرُّعب...، سرعان ما أطمأننتُ، ذلك لأنَّني على يقين أنَّ شيئاً عنكِ، ومنكِ، لن يكون مصدر رعب،...
نسيج الزّمن الذي كوَّنْتِ منه بساط الطريق، ووشيَّتِ به أرض ذاكرتي، وصنعتِ منه بوصلة اتجاهاتي... انفرط... انفرط أمامي، تناثرتْ خيوطه، وعلق شيءٌ منها بأطراف قدميَّ...، وكلَّما تلفَّتُّ من حولي...، رأيتُ أنَّني أقفز فوق الزمن تارة، وأدعسه في تارة أخرى، وأتجاوزه في ثالثة...، وكلَّما عبر الزمن... سمعتُ صوته، في صدى صوتكِ، في حركة مروره الأزلي، الدَّومي...
تلك الأمسيات تزورني كثيراً في هذه الأمسيات،... غير أنني لا أحسنُ لضم الزمن، ولا نسج خيوطه، أمَّا أصابعي فتختلف في هذا عن أصابعكِ في ذلك...، فالزمنان، لا يختلفان لكنَّهما لا يلتقيان...، فمتى التقى زمن عبرَ، بزمن يقومُ، بزمن قادم؟ إنَّ اللَّحظة في عمر الزمن لا تلتقي بالأخرى... إلاَّ في التحامة التَّواصل كي يتمادى الزَّمن... وبذلك يمرُّ...، وهكذا يتمدَّد...، وبذلك يتكوَّن تأريخه...، وتتراكم مساحاته، في تواصل مسافاته....
ياه...
للَّه ما أجمل الحديث معكِ...
تُذكِّرينني دوماً بكِ...، وكلُّ شيء بكِ جميل...
حتى خيوط الزمن المنثورة تحمل في ألوانها...، وزخارفها... حكايات... وأصداءً...، وآثاراً...، جميلة... جميلة... لأنَّها تحمل نكهة صناعتكِ، وزخم صنيعكِ...!
وأنتِ لا أبهى... ولا أجمل منكِ...
تعالي اللَّحظة أحدِّثكِ أنا... عن زمني الذي يصل زمنكِ في نقطة التحام العبور بين هذا وذلك...
بين أنتِ التي كنتِ...
وأنتِ التي تكونين...!
والحديث عن زمنيكِ... هو حديث عن زمن واحد...
عن مساحاتٍ من احتواء الخطوة في معيَّة الخطوة...
تعلمتُ كثيراً...، وأدركتُ وأنا أتعلَّم... أنَّ هذه المساحات تتصاغر أمام مهابة الدَّرس الذي كتبتِ محتواه، لكنَّكِ لم تبدئي بناءه، كي تكوني مَن ينهيه....
وهنا يكمن السِّر...
فمن هو ذلك الذي يمكن أن يدَّعي مهمةً مثل هذه؟
إنَّه لو حدث أن فعل أحدٌ ما ذلك...، فذلك ادِّعاءُ توهمٍ... لما ليس في قدرة الإنسان...
الإنسان لا يصنع زمنه...
وهو الذي يفعل...
كيف؟!...
متى؟!...
لعلَّ في شجون الحديث معكِ، وشؤونه ما يجيب عن الكيفية، وتأريخ الفعل...
ألا فهبِّي بقوسكِ كي ترمي هامة الادّعاء...
ومتى تتضرج الحقيقة في مقتلها... يتعلَّم النَّاس كافَّة الدروس التي تعلَّمتُها منكِ...
فأنتِ مدرسةٌ...
وأنتِ مدرسةٌ...
وأنتِ مدرسةٌ...
فاذكري تلك الأمسيات...
واعلمي أنَّ البدر استوى في منازله... وحان موعد حصاد النجوم .
|
|
|
|
|