| متابعة
* كتب - عبدالعزيز القراري:
غني عن القول ان سلطنة عمان تتكئ على تاريخ وأمجاد يحفظها التاريخ الحاضر والماضي واذا كانت هذه الامبراطورية البحرية قد طوقت قامتها اجزاء من شرق افريقيا وشبه القارة الهندية. وعندما ذبلت الامبراطورية انحدرت عُمان بصورة حادة. وفي الخمسينات اصبحت دولة مستقلة وانطوت على ذاتها واصبحت منقطعة تماماً عن باقي اجزاء العالم حيث كانت القبائل التي تسكن المناطق الداخلية تختلف عن سكان السهول الساحلية وكان السلطان حينئذ يجد صعوبة بالغة في بسط سلطاته وصلاحياته وكان مجيء جلالة السلطان قابوس بن سعيد السلطان الحالي للبلاد في عام 1970م قد تزامن مع اكتشاف واستغلال الغاز واحتياطي النفط الذي غير عُمان تماماً.
ان تأثير ذلك على الشعب العماني قد انعكس في التطور المستمر الذي وصل اليه في العقدين الاخيرين، بل ان هذا التطور السريع الذي جاء خلال فترة وجيزة يعد امراً لا يمكن للاجنبي ان يقيمه او ان يستوعبه.
وعدم استقرار أسعار النفط جعل الحكومة العمانية لا تقف عند مورد واحد للبلاد يؤثر في ايقاف عجلة التطور ولهذا اتخذت الحكومة على عاتقها توطين الوظائف بكوادر عمانية ويهدف ذلك الى تقليص الاعتماد على العمالة الاجنبية واتاحة فرص عمل اكثر للعمانيين، كما تهدف الحكومة العمانية الى تنويع الدخل القومي وذلك من خلال تنويع الاقتصاد الذي يهدف الى تقليص الاعتماد على النفط والغاز الطبيعي الذي يبلغ حالياً «80%» من اجمالي الناتج القومي للبلاد، ان الجو السياسي في عمان مستقر كما ان خدمات التعليم والتدريب والصحة في تقدم مستمر، ومن منطلق اهتمام جريدة الجزيرة للوقوف على المعالم السياحية في عمان التي تتميز بمناظر سواحلها الخلابة التي تعد من اكثر المواقع جمالا في العالم حيث الطبيعة تتنوع فيها من الشواطئ الرائعة الى السهول الخصبة وخلفية الجبال الاخاذة والأسواق والتوابل وزرقة السماء الصافية والجمال واشجار المرو والبخور التي تنتج اللبان الذي كان في العصور القديمة يوازي قيمة النفط في الوقت الحاضر.
ان الطبيعة تدخل عمان في تحدٍ مع باقي المناطق السياحية في جذب السياح ولفت الانظار اليها خصوصاً انها تتكئ على طبيعة مازالت بكراً ولم تمسسها يد انسان.
)الجزيرة( تتجول بك عزيزي القارئ في ربوع عُمان والى تفاصيل أكثر.
عندما تتساقط أوراق الخريف فالوضع في صلالة يختلف
رحلة الجزيرة إلى عُمان
حطت الطائرة العمانية في مطار السيب الدولي مساء واستغرق خروجنا من المطار قرابة عشر الدقائق بما في ذلك انهاء اجراءات الجوازات وتسلم الامتعة فوجدنا أمامنا حافلة ومسؤولين من شركة الطيران العمانية في استقبالنا فأقلتنا الحافلة الى مسقط التي تبعد عن المطار قرابة 22 دقيقة ونحن نسير في الطريق السريع الذي زين بالاشجار والخضرة وجدنا مسجداً طلبنا التوقف وأداء صلاة المغرب فيه فأثار اعجابنا بناء المسجد الذي زين بالزخارف الإسلامية وروعة التصميم.
ولا يخفى عليك عزيزي القارئ فقد قمنا بالتجول في جنبات المسجد والتقاط الصور التي كان الهدف منها اطلاعك على ملامح البناء والتطور العمراني في عمان وبعد ذلك واصلنا المسير الى الفندق حيث كان مقر اقامة الوفود الإعلامية العربية والخليجية التي تستضيفها شركة الطيران العماني بالتنسيق مع وكالة الطيار التي كان لها دور رئيسي في تسهيل الوصول الى عمان.
وبعد الاستراحة في الغرفة التي وفرت فيها جميع وسائل الراحة كان لنا موعد للالتقاء بالزملاء والصحفيين سواء العرب او الخليجيين في حفل عشاء بمطعم فاخر جمع سحر الليالي الشرقية ورومانسية الغرب.
وبدون اعداد وبدون تكلف بعيداً عن الرسمية اعتلت في اجواء المطعم الذي كان يسوده الهدوء قبل دخولنا حتى بدأنا التعارف الضحكات بأصوات متفاوتة فكان الزميل محمد نجيب يزيد في ضخ النوادر «والنكت» على المائدة مما كان له اثر في عدم التهام الأكل الشهي الذي يتشكل من كل ما لذ وطاب.
وبعد عشاء فاخر وليلة لا تنسى ذهبنا الى النوم بعد يوم لا يخلو من التعب والارهاق خصوصاً اننا على موعد لبداية البرنامج في الصباح الباكر.
التجول في مسقط
قمنا بالتجول في مسقط فكان ما يميز هذه المدينة انها تضم العديد من المعالم التاريخية التي منها القلاع والحصون والمساجد والمباني الأثرية العديدة، وما زالت عمان تستخدم القلاع مثل قلعة الجيلاني والمرامي لأغراض متعددة خصوصاً انها تقع على الجبال وبمحاذاة البحر.
كذلك يعتبر فندق قصر البستان الذي استضاف مؤتمر القمة لدول مجلس التعاون الخليجي الذي انعقد في مسقط 1985م معلماً سياحياً بارزاً يفتخر به العمانيون، مسقط مدينة عصرية مترامية الأطراف ميزتها انسيابية الشوارع وانتشار الاشجار والتقدم العمراني وقلة الزحام الذي جعلها تنفرد بهذه الميزة عن باقي عواصم العالم.
وفي المساء اقلعت بنا الطائرة الى محافظة ظفار وعند الوصول تناولنا طعام العشاء، الرحلة اطلق عليها الزميل محمد نجيب رحلة تسمين، فقد وصل عدد الوجبات الى اكثر من خمس وجبات يومياً يغلب عليها السمك والجنبري وكل ما له علاقة بتغذية الرجال.
وتحدث لنا المدير الاقليمي للطيران العماني من ظفار ابراهيم بن جمعة الزدجالي عن حركة السياحة والزيادة في زوار المنطقة عاماً بعد عام.
وتوقع ان يصل هذا العام الى 200 ألف زائر يصل 90% منهم من دول الخليج العربية بتفوق الامارات العربية المتحدة حيث تمثل 60% عن باقي دول المجلس وذلك للقرب المكاني والترابط الاجتماعي وإليكم التفاصيل عن ظفار.
ظفار أرض اللبان
تقع محافظة ظفار في اقصى جنوب غرب سلطنة عمان وهي بذلك تطل على بحر العرب على امتداد 560 كلم من السهول الساحلية حيث تتناثر مدن وقرى المحافظة، التي من أهمها مدينة صلالة.
تنوع التضاريس اكسبها مقومات سياحية بالغة فهناك الجبال التي تكسوها الخضرة والسهول الساحلية الخصبة والشواطئ الخلابة التي تمتد حتى 500 كم بالاضافة الى العيون والاودية والحدائق والمتنزهات الطبيعية والمواقع التاريخية الأثرية.
ظفار اشتهرت منذ القدم قبل نحو 8 آلاف سنة بإنتاج اللبان الذي تنمو اشجاره بغزارة في أودية عدونب وسرح وهانون الذي مهدت تجارته ترسيخ علاقة المنطقة بحضارات العالم القديم حيث تم تصديره الى بلاد ما بين النهرين والهند ومصر واليونان وفارس وروما القديمة من ميناء سمهرم وعبر طريق القوافل البرية وكما يستخدم اللبان لطرد الجراثيم ولإضفاء الرائحة الطيبة، وكان يعتبر ثروة طبيعية ذات مردود مادي كبير.
كما يوجد في ظفار العديد من الآثار التاريخية والاكتشافات الأثرية المهمة كالبليد وشعر «اوبار» ويعود تاريخ اغلب هذه الاكتشافات للألف الثالث قبل الميلاد كذلك يمكن للزائر ان يمتع ناظريه بتدفق المياه من العيون والاودية التي تزخر بها مثل «عين زرات وعين حرزيز وعين صحنوت وعين حمران» التي تعد من أهم عوامل الجذب السياحي طوال العام وذلك لتوافر المياه واشجار الظل اضافة الكهوف التي تشكل استراحات طبيعية للزوار مثل كهف «المارنيف» وكهف «طبق» المكتشف حديثا الذي يعد أكبر كهف في العالم.
ويضم الشريط الجبلي لظفار العديد من الجبال الشاهقة الخضراء مثل جبل سمحان وسلسلة جبال القمر وجبال القرا لكونها آية من الروعة والجمال.
كما تشتهر بوجود القبور والاضرحة مثل قبر النبي ايوب وقبر النبي صالح وقبر النبي عمران - عليهم السلام - ومحافظة ظفار شهيرة ايضا بفنونها التقليدية المتميزة مثل الهبوت والبرعه والشرح والربوبه وغيرها التي تعكس الحضارة والمخزون الثقافي اللذين تحويها وتشكل هذه الفنون جزءاً من العمق التاريخي والثقافي بالانسان العماني وحضارته.
صلالة
هي المدينة الرئيسية وتقع على الساحل الجنوبي للسلطنة يربطها بباقي اجزاء السلطنة طرق معبدة وتبعد عن مسقط 1040كم.
مدينة صلالة لها تاريخ قديم مازالت آثاره باقية حتى اليوم وكانت تعرف قديما باسم البليد واشتهرت بأنها احد موانئ تصدير اللبان التي انتعشت في الفترة ما بين القرنين الثاني عشر والسادس عشر الميلاديين، كما يؤكد ذلك عدد من الرحالة والجغرافيين في كتاباتهم ومنهم ماركو بولو وابن بطوطة، كما اكدت الحفريات الاخيرة بالمنطقة الأهمية التاريخية لهذه المدينة من خلال ما وجد بها من اسوار وتحصينات مائية واعمدة منحوتة وأوانٍ فخارية.
الأسواق في صلالة
معظم الاسواق الحديثة في ظفار تتمركز بمدينة صلالة اما الاسواق القديمة فتتوزع بين الولايات الأخرى وأهمها طاقة ومرباط.
أهم أسواق صلالة
1- سوق المصوغات الذهبية والفضية تتوافر فيه الحلي بأنواعها المستورد والمحلي.
2- سوق الحصن يشتهر ببيع اللبان والعطور الظفارية.
3- السوق الشعبي تباع فيه الصناعات التقليدية.
شاطئ المغسيل
يقع على بعد 37كم غربي صلالة يتفرع شارعه الى اليمين من دوار ريسوت بالنسبة للقادم من صلالة ومن المواقع السياحية الأخرى الممتدة على الشاطئ الذي يضم استراحات مركز ارتحال المغسيل ويوجد بالمغسيل كهف المارنيف الضخم الذي توجد فيه النوافير الطبيعية إحدى روائع ظفار التي تنفرد بها عن غيرها.
الفنادق في صلالة
تتميز الفنادق في صلالة بموقعها الذي يحاذي البحر وروعة التصميم واعتدال الاسعار وحسن المعاملة خصوصاً ان الزائر سيجد امامه شباباً عمانيين وقد ارتسمت على محياهم الابتسامة التي تعبر عن عمق الضيافة العمانية وحرارة الترحيب.
الأكشاك
من التقاليد الجميلة في صلالة انتشار الاكشاك على جوانب الشوارع الداخلية وأمام المزارع التي تتوافر بها معاصر تقدم العصائر الباردة مثل عصير الموز وجوز الهند وقصب السكر والفافاي والعنب والرمان وغيرها.
المواقع الأثرية
في جنوب المنطقة من محافظة ظفار تنبت اشجار اللبان التي عرفها الإنسان العماني منذ آلاف السنين ونشأت من ريعها مملكة اللبان التي اهدت منه ملكة سبأ مراراً الى النبي سليمان بن داود ـ عليهما السلام ـ واحرق تيرون اطنانا منه على قبر زوجته بربارا والزائر يمكنه الاطلاع على آثار مدن وموانئ تصدير اللبان وهي من اقدم موانئ شبه الجزيرة العربية التي انطلقت التجارة العمانية منها لتصل الى بلاد سومر ومناطق العراق القديم ومصر الفرعونية خصوصاً في عصر الملكة حتشبسوت في القرن الخامس عشر )ق.م( وروما القياصرة.
كما تضم آثاراً إسلامية متنوعة ومتفرقة.
أنا وسائق الأجرة
عندما انتهى البرنامج اليومي الذي قمنا فيه بزيارة المواقع السياحية والأثرية كان لدينا متسع من الوقت لقضاء باقي الرحلة دون الارتباط الرسمي مع المنسقين ولهذا قررت انا والزملاء ان نذهب الى السوق الذي كان يبعد عن الفندق بمسافة طويلة تقدر بعشرين كلم.
فركبنا مع سائق اجرة عماني عرف بنفسه بأبي سعيد ومن ان ركبنا معه حتى بدأنا بالحديث عن عمان واهلها والقصد من ذلك قطع المسافة دون الشعور بالملل من السكوت.
المهم اننا وصلنا الى السوق سالمين والحمد لله وتجول معنا أبو سعيد في السوق واصحاب المحلات كانوا مبتسمين مرحبين يبيعون كل شيء بسعره الحقيقي دون اللجوء الى السعر السياحي الذي يلجأ اليه البعض في بعض الدول السياحية وكنا نرى الأسعار رخيصة بالرغم من كونها ثمنية وعالية الجودة.
وبعد تسوق استغرق ثلاث ساعات عدنا مع ابي سعيد الى الفندق وهو يلح علينا بقبول الذهاب معه الى منزله لتقديم واجب الضيافة واعتذرنا بأدب بأن لدينا التزامات وما زالت الاعذار منا والاصرار من ابي سعيد حتى وصلنا الفندق سألنا باستحياء كم حسابك يا عم؟ ـ خوفاً من ان ننقص الرجل حقه او تكون هذه الطيبة يخلفها استغلال ـ لكن ابا سعيد رد علينا «ماش شيء» وهو يعني ليس هنا شيء ورفض الحساب وكرر ذلك برفض قاطع وهذا يعني ان الشعب العماني شعب طيب ومضياف.
الجدير بالذكر أن اسعار الأسماك في عمان رخيصة جداً.
فضول صحفي
عندما ذهب بنا الدليل السياحي الذي يدعى معتز من تونس ويعمل في عمان الى ضريح النبي ايوب ـ عليه السلام ـ واخذ يسرد لنا قصته عندما ابتلاه ربه وصبر على زوال المال وعلى المرض الجلدي وعلى وفاة اولاده حتى بلغت به الحال ان زوجته باعت شعرها حتى تؤمن له المال الذي يستطيع ان يشتري به الطعام ومازال معتز يسرد القصة والمجموعة تطلب زيادة في التفاصيل نظراً للتفاعل مع صبر ايوب -عليه السلام - وحضرنا الى مكان الضريح وشاهدنا مسجده الذي كانت قبلته باتجاه بيت المقدس بفلسطين ومكان قدمه على الارض وزاد معتز في التفاصيل بقوله ان النبي ايوب اوحى اليه ربه بأن يذهب الى اسفل الجبل ويضرب قدمه في الارض تخرج ماء يغتسل به ويذهب عنه مرضه ويعود صغير السن لا يتجاوز الثلاثين وتعود زوجته العجوز التي صبرت معه وكانت خير رفيق يتحمل معه البلاء الى صبية تنجب من جديد ويعود المال والاولاد للنبي ايوب - عليه السلام - ويعوضه الله سبحانه وتعالى جزاء له بما صبر.
المهم اننا طلبنا الذهاب الى مكان الماء لا من اجل ان نصغر في السن ولكن للفضول الصحفي كان الطريق الى الماء يزداد صعوبة كلما قربت المسافة فهي منطقة جبلية شديدة الوعورة وواجهتنا صعوبة في النزول ولك عزيزي القارئ ان تتخيل صعوبة العودة خصوصاً ان الوضع سيتخذ شكل الطلوع والمضحك منظر الاخوة اصحاب الاوزان الثقيلة والزميلات الصحفيات اللاتي تكسرت كعوب احذيتهن التي لم تكن تتناسب مع المكان المهم اننا عدنا والانفاس تتقطع.
أوقات الخضرة والأمطار
يعتبر فصل الخريف في محافظة ظفار الموسم الذي يبدأ فلكيا في 21/6 الى 21/9 من كل عام له خصوصيته المناخية على مستوى المنطقة التي جعلت الطقس استثنائياً وظاهرة متفردة ترسل نسمات الهواء العليل والغيوم المعبقة بالرذاذ التي يستمتع بها مئات الآلاف من المواطنين والمقيمين والزوار والسياح من مختلف أنحاء العالم.
يتميز موسم الخريف بجمال جوه وتألق خضرته التي ترسم على الجبال لوحة طبيعية مبهرة تبعث في النفس بهجة وتنشر في الأحاسيس طربا وتمنح القلب دفئاً وطمأنينة بعيداً عن صخب الحياة لذا فإن موسم الخريف يعتبر افضل المواسم السياحية في المنطقة واكثر ملاءمة لقضاء العطلات مع العائلة مليئة بالذكريات الطيبة التي ستظل راسخة في الذاكرة.
شخصيات وحضارات في عمان
- أحمد بن ماجد استعمل البوصلة قبل البرتغاليين بـ200 سنة وعرف المسلمون زينجبار عن طريق البوصلة بواسطة التجار الذين سافروا الى الهند.
- ثيسجر احد أوائل الاوروبيين الذين سافروا الى عمق الصحراء وقد عبر صحراء الربع الخالي مرتين بالجمال وعلى قدميه ويعرف بينهم باسم مبارك، صور شيوخ القبائل العمانية وقاطني الربع الخالي والصور موجودة في المديرية العامة للتراث القومي والثقافي.
- منطقة الاحقاف هي امتداد شرق عمان الى غرب حضرموت مهبط كثير من الرسل ومنهم النبي صالح - عليه السلام - وفيها مربط الناقة ومكان قدمه.
- سمهرم الحضارة التي ربطت الشرق بالغرب بتجارة ظفار وربطه بالحضارة الفرعونية وتحديد مسار القوافل البرية والأجراس لا تقرع إلا بوجود اللبان والتوابل.
|
|
|
|
|