| الثقافية
دخلت أجناس جديدة الى الأدب العربي بفعل الاحتكاك بالغرب كالمسرحية والرواية والقصة والمقالة.. فقد أتت الينا بصورة من الصور من الغرب، وكان الاهتمام منصبا على الشعر وحده في النقد العربي القديم، وبداية لم تحظ هذه الاجناس الادبية باهتمام الدارسين والنقاد العرب وان الخطأ الكبير افتقاد الفروق بين الانواع الادبية: الملحمة، القصة، الرواية، المسرحية الغنائية، حيث كانت هذه الاجناس الادبية جميعا تصاغ شعرا موزونا في اشكالها القديمة في حضارتنا العربية وفي الحضارة الاغريقية فاكثر المفهومات النقدية خطرا مصطلح الشعرية الذي احتل مكان مصطلح الادبية.
يقول الدكتور فايز: «تلك الانواع الادبية الكبرى عرفت التطور فتحولت الى النثر في عصور متفاوتة )تفرعت القصة والرواية من الاصول الملحمية الكبرى، ثم نجد الدراما النثرية في القرنين التاسع عشر والعشرين من غير ان يلغى المسرح الشعري او الملحمة الشعرية، وفي تاريخنا الادبي نجد الملحمة الشعبية في سير عنترة وتغريبة بني هلال والظاهر بيبرس وذات الهمة، تتشكل نثريا مع مساند من الاشعار ضمن احداثها ونصل الى النوع الشعري الغنائي الذي وجد حالات في مقامات وخواطر نثرية»1.
من هذا يتبين طغيان الشعر على الانواع الادبية، وأهمية توجيه الدراسات اكثر لدراسة مختلف الانواع الادبية والوقوف على الفروق بينها وعدم صب الاهتمام على الشعر والدراسات الشعرية وحدها.
سنعرض في هذه الاسطر المشابهة والمفارقة بين بعض الانواع الادبية وخصوصية الاداء الفني ولو بصورة عامة.
الفرق بين
الشعر والرواية:
الشعر شديد الالتصاق بالجانب الشخصي فهو صورة ذاتية لمشاعر الفرد في حين ان الرواية يكون الفرد فيها جزءا في كلية المجتمع ويمكن القول: الشعر ابن الذات والرواية ابنة المجتمع ومع ذلك فهناك فارق جوهري بين المتعة التي تحسها من الرواية وتلك التي يستثيرها الشعر لان الاولى مستقاة من الحوادث بينما الاخرى مستقاة من التعبير عن الاحساس في احداهما نجد ان مصدر الانفعال المستثار هو عرض لحالة او حالات تنتمي الى الفكر الانساني بينما في الثانية عرض لسلسلة من الحالات التي تنتمي لمجرد ظروف خارجية.
وبالمثل فان كلا من «الشعر» و«الرواية» يفترقان في مفهوم الحقائق الفنية المستقاة منهما فالحقيقة في الشعر هي التي تصور الروح الانسانية بصدق بينما الحقيقة في الرواية هي اعطاء صورة حقيقية للحياة.. كلاهــما مختلف ويأتي بطرق مختلفة لاشخاص مختلفين في الغالب»2.
الفرق بين
الشعر والمسرحية:
الشاعر الغنائي يحاول ان يسمو بوجدانه حتى يبلغ المدى الذي يستطيع ان يطلق فيه نفسه من قيودها وهو يخلق عالما خياليا يعبر فيه عن نفسه اما المسرحية فهي تصور لك افرادا لا فردا واحدا وهي تعرض عليك مجموعة بشرية يحاول كل فرد فيها ان يعرض عليك نفسه.
فكاتب المسرحية لا يتحدث عن نفسه، وانما يتحدث بألسنة متعددة واصوات مختلفة وكاتب المسرحية لا ينحصر في تجربة واحدة دون سواها وانما يعبر عن وجدانات مختلفة.
المسرحية
والرواية )القصة(:
ان ابسط واوجز ما قيل وما يزال يقال في الفرق بين هذين اللونين ان المسرحية ادب يراد به التمثيل والمسرحية قصة لا تكتب لتقرأ فحســـب وانما هي قصة تكتب لتمثل.
والقصة ضرب من الخيال وهي في تصويرها الاحداث والفعل الانساني تفتح للراوي مجالات واسعة لتصوير الاحداث اما المسرحية تستخدم في تصويرها الافعال عناصر اخرى لا تتوافر في القصة المروية مثل عنصر الممثلين والملابس والمسرح والمناظر والنظارة والبناء الذي يجتمع فيه جمهور المتفرجين وكذلك حدود الزمن لمعالجة الافعال لذا لا تختار من الفعل الا جانبه المثير. فالكاتب المسرحي لا ينقل اليك كل ما يراه وانما يعتمد «الطاقة الاخبارية» وهي تتمثل في اختيار جوانب الفعل المثيرة والمركزة.
وعلى كاتب المسرحية ان يأخذ في حسبانه طبيعة الممثل الجسمية والعقلية والفنية ان طبيعة كونه انسانا من البشر يحتم على المسرحية ان افعالها في حدود الطاقة البشرية فلا يلجأ الى الافعال الخارقة التي تقتضي لتمثيلها طبيعة غير طبيعة البشر فنطاق عمل الكاتب المسرحي نطاق القدرة البشرية للممثل فلا يمكن للممثل القيام بالطيران والقيام بالتمثيل لفترة طويلة في الرواية ماهو خارق وليس ماهو خارق في المسرحية لذا يجب على كاتب المسرحية مراعاة المعقول والمقبول فنيا.
ومن العناصر التي تحدد نطاق العمل المسرحي ذلك البناء المسقوف الذي تنحصر فيه مناظر الرواية وأثاثها وأضواؤها اما كاتب القصة فأحداث وشخوص القصة يمكن ان يهيم بها في كل واد فتراه يجلس اشخاصه في البيت ثم ينقلهم بعد صفحة الى قمة جبل او جوف طائرة او ظهر سفينة.
والقصة تصور مظاهر الطبيعة وتصفها اما اظهار العواصف والزلازل والحرائق.. لا يمكن ان يستوعبها المكان في المسرحية.
القارىء والمتفرج:
على الكاتب المسرحي ان يضع من اهتماماته - حين يشكل النص الدرامي - المتفرج نصب عينيه ومدى استجابته للعرض وتأثره به وقد تطرأ تعديلات على كتابة النص يجريها الممثل والمخرج وذلك تحقيقا للتفاعل بين طرفي المعادلة العرض المسرحي والمتفرج «فالاستجابة المسرحية غير الاستجابة الادبية فهذه الاخيرة تنهض على فعل القراءة والاولى تنهض على لقاء الممثل الحي بالمتفرج وجها لوجه مع وجود مادي ملموس هو خشبة المسرح وما عليها من دوال مادية عيانية تملأ فراغ الخشبة.
مما سبق نخلص الى ما يلي:
1- طغيان دراسة الشعر على الفنون الاخرى «ربما يكون احد اهم مسبباتها هو اتباع المنهج التاريخي الذي يبدأ بالشعر في العصر الجاهلي كما ان الشعر هو اكثر الفنون الادبية اكتمالا ونضوجا من البداية في حين ان الفنون الاخرى كالقصة والرواية والمسرحية لم تنضج وتتضح ملامحها الا فيما بعد ولذلك حظي الشعر بالعناية اكثر من غيره من الفنون الادبية الاخرى»3.
2- ان عمل الشاعر غير عمل الراوي وغير عمل الكاتب المسرحي، من حيث تصوير الحوادث .. والتعبير عن الاحساس.
3- عمل الكاتب المسرحي مركب معقد اصعب من الكتابة الروائية حيث يدخل في تأليفه وتصويره الاحداث عناصر كثيرة.. الممثل والملابس والمسرح والمناظر والمتفرجين.
4- نظام الاستجابة في المسرحية والاستجابة الادبية مختلف الاول يشاهد والثاني ينطوي على أنساق كلامية دالة، فالكلمة في المسرحية تكتسب زخما اضافيا بحركة الممثل وبقدرته الادائية على تمثل ما ينطق به.
هوامش
1- مجلة الكويت العدد )186(.
2- «تذوق النص الأدبي» جماليات الأداء الفني، الدكتور رجاء عيد الناشر دار قطري بن الفجاءة، الدوحـــة 1994م صفحة 20 - 21.
3- «تدريس فنون اللغة العربية» للدكتور علي مدكور، القاهرة: دار الفكر العربي، 2000م صفحة 178.
|
|
|
|
|