أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 14th June,2001 العدد:10486الطبعةالاولـي الخميس 22 ,ربيع الاول 1422

الثقافية

صدى الإبداع
صورة الرجل في الرواية النسائية )4(
د. سلطان سعد القحطانى
سبق الحديث عن صورة الرجل ذلك النموذج البارز في الرواية النسائية، صاحب السلطة الذي يرى أنه صاحب للسلطة على المرأة التي تقع تحت يده، بحكم القانون الشرعي، كالولاية، للزوجة والبنت والأخت ومن له حق الولاية عليها شرعا ولا أظن ان امرأة تخرج على هذا القانون ما دام صاحب الحق الشرعي يمارسه في الحدود المسموح بها في حدود صلاحيته، لكن تبقى المشكلة معلقة في ادراك الحدود ومدى رشد الرجل في معرفة الكيفية التي يستطيع من خلالها الممارسة كما ينبغي له. والكثير من الرجال يستغل هذه الأحقية في الولاية فيجور ولا يعدل، او يفشل في ادراك السلطة في الحياة العامة، ويعرض هذا الفشل في ممارسة الجور والظلم في الحياة العائلية، او انه من أصحاب الشكوك المرضية، ويعامل الجميع بمقياس واحد. وهذه مشكلة من ضمن المشاكل التي تحيط بالرواية العربية في الكثير من مسلماتها مستمدة من الموروث الذي يرى ان الأنثى عورة يجب حجبها عن عيون وأسماع الجميع حتى يسلمها امانة للطرف الآخر وهو الزوج. وقد بالغ الرجل - غير المدرك بالطبع - في هذه الصلاحيات في الماضي، مبالغة صارت في بعض الاحيان من انواع التباهي وعرض القدرات العضلية وان احدا لا يستطيع الاقتراب من بيته في حضوره وغيابه وورث هذه الصفة في ابنائه واحفاده.. من بعده!! ولم نؤكد ان هذه الصفة قد انتهت من المجتمع الذي يتمسك بالقشور دائما اكثر من تمسكه بالقيم الجليلة وصارت هذه الصورة من الصور المألوفة عند الكبير والصغير من افراد المجتمع الذي نشأ على مثلها في الصغر وشجع عليها في الكبر واول من تمسك بها في المجتمعات العربية المرأة فهي التي تتخذ من ضعفها البدني وعاطفتها الجياشة وسيلة ومرتعا خصبا لمثل هذه الممارسات التسلطية، لم تقف يوما لتقول «لا» في الماضي لكنها لم تكف عن الشكوى من جور الرجل وخداعه ومكره على حد تعبيرها في الوقت الحاضر حتى في اليوم الذي انصفتها فيه القوانين الرسمية ما تزال تشتكي من الرجل الظالم تقع في الخطأ بمشاركة الرجل ثم تحمله اللوم كاملا كأنها لم تقرأ عن مثل هذا التصرف الخاطىء ولم تسمع عنه ولم تعلم ان ذلك هو الخطأ بعينه تبحث عن الرجل لتحمله الخطأ وتبحث عن الخطأ لتحمله الرجل معادلات معقدة. واذا تم مثل ذلك حملت الرجال كل الرجال هذه المسؤولية الهابطة. وهذه هي المضامين التي حملتها الرواية النسائية في العالم العربي وأرادت المرأة ان تحمل هذا اللواء مدافعة عن نفسها ضد ذلك الوحش الذي ليس له من هدف سوى افتراسها في لحظات الضعف وقد مررنا بالعديد من هذه الاشكالات في دراسة بعض الروايات النسائية المتسم العديد منها بالضعف البنائي وسوء المضامين التي يعود اغلبها الى التقليد الاعمى للافكار التي لويت اعناقها فيما ترى الكاتبة انه من صالحها في يوم من الايام فعلاقة الرجل بالمرأة علاقة ازلية والذين كتبوها ودرسوها على حد سواء لم يتعدوا حدود الدراسة الاجتماعية السطحية ولم نجد الكاتبة التي اخذتها من الناحية النفسية العميقة والعودة بها الى الآدمية وتكرار الجمل الضعيفة في تركيبها القريبة من اللغة الدارجة في سوق من اسواق المدن القريبة من اهل تلك المدينة دون غيرهم هي السمة السائدة في لغة تلك الروايات فهل ادت صورة ذلك الرجل المستهتر عند - ليلى الجهني - في روايتها )الفردوس اليباب - منشورات دار الجمل في ألمانيا 2000( صورة الرجل بالمعنى الكلي للرجل او انها حالة خاصة اتخذتها الكاتبة نموذجا للرجل العربي؟ وهل صورة الفتاة التي شاركت ذلك الرجل هي الفتاة العربية؟ لا اعتقد ان احدا سيجيب بنعم على سؤال بديهي كهذا والكتابة الروائية التي ظن البعض انها مركب سهل لمن اراد ان يكتب سببت الضعف لروايتنا العربية شكلا ومضمونا فهذه الرواية )الفردوس اليباب( تبدأ بعلاقة غرامية بين شاب وشابة تتطور الى علاقة ساذجة غير بريئة نتيجتها حمل البطلة ثم طلبها من محبوبها المزيف ان يتزوجها ويداري فضيحتها لكنه ينكر مسؤوليته عن هذا التصرف ويجعلها هي التي تتحمل تبعات هذا الفعل، وليس امامها الا الاجهاض وكذلك فعلت ولم تكن هذه هي نهاية ذلك الشاب اللعوب، بل اخذ ينسج خيوطه على صاحبتها ولم تستطع ان تثني صاحبتها عن هذا المشروع المكرر بوعد الزواج منها كما كان يلعب دور الحب والوعد بالزواج منها وظنت الصديقة انها تغار منها لتأخذه لنفسها وما علمت ان الاوان قد فاتها وسيفوت الاخريات وما كان استغرابي من الفكرة البايتة التي عالجتها الكاتبة او ظنت انها عالجتها لكن استغرابي حدث عندما علمت ان الكاتبة خريجة قسم الادب الانجليزي حتى العنوان مأخوذ من اعظم عملين من الاعمال العالمية لكاتبين من كتاب الادب الانجليزي )ميلتون، صاحب الرائعة المعروفة - الفردوس المفقود Paradise lost - الصادرة سنة 1667م التي ناقش فيها كفاح الانسان بين الحياة والموت، منذ آدم وحواء، ضد النزوات الشيطانية )Ifor Evans P52, Penguin 1940 ( والثاني، ت.س.اليوت )T.S. Eliot( صاحب الرائعة التي طار ذكرها في الآفاق )الارض اليباب Waist Land( فهل نتوقع من خريج هذه الاقسام الا ان يكون ملما بأصول السرد الفني؟ لكن يجب ان نتذكر ان التعلم ليس من مقومات الابداع لكنه من روافد الابداع القوية الموهبة اولا ثم صقل هذه الموهبة بالقراءة وتعلم اصول الكتابة الحقيقية فالرواية الحقيقية ظهرت عند هؤلاء الذين مر ذكرهم شعراء فتحوا الابواب على مصاريعها لكتاب الرواية العالمية ابتداء من )دراما شريدان بعد شيكيسبير، ثم الرواية الفنية، عند دانييل ديفو، ومن جاء بعده من كتاب الرواية مثل ريتشاردسون والسير ولتر سكوت، الذي يستحق لقب )أبو الرواية التاريخية( في العالم كله وقد حصل على ذلك فلم تخل دراسة جادة في مجال الرواية التاريخية بدون ذكر روايته الخالدة )ايفان هو Evan Hoe( هذا عدا الكتابات المتأخرة التي نضج الفن الروائي على ايدي كتابها مثل جيمس جويس وفرجينيا وولف، وعزرا باوند، ويند هام لويس، وفورد مادوكس فورد، وكل هؤلاء من كتاب القرن العشرين وقد ظهرت الرواية الحديثة على ايديهم والنثر الفني بصفة عامة ويكون توقعنا من كاتب موهوب تعلم ادب هؤلاء سيكون - بالطبع - كبيرا لكن المفاجأة الكبرى عندما نصدم بعمل تغلب عليه العامية الضعيفة، المتقوقعة على نفسها اقليميا والرموز الباهتة من اسماء الممثلين والمخرجين وقد وضعت في غير مكانها من النص الذي بدأ قويا ثم ما لبث ان تهالك على نفسه وعندما لم تجد الكاتبة شيئا تقوله اخذت تكرر نفسها في مواضع كثيرة من النص فقد بدأت العمل بشكل روائي ولم تكد تنتصف فيه حتى تحول العمل الى درس في التلقين المعتاد في مدارسنا بشكل يومي فالعبارات الكريهة زادها التكرار الذي يفسد الكلمة الجميلة معناها ومبناها تكررت بشكل يصعب معه تعدادها مثل الدم المالح، والرائحة الكريهة، وديسك المزابل، وغيرها وما ان ينتصف العمل حتى يفقد كل مقومات الرواية )سواء كانت ضعيفة او قوية( مع كل الاحترام والتقدير لكل من اطلع على هذه الرواية - ان جاز التعبير - وأجازها كعمل روائي يعكس البيئة والناس ويقوم على المقومات الفنية للرواية اقول له: راجع معلوماتك عن الرواية واقرأ الرواية العالمية عربية وغير عربية. اما الذين اعجبوا بجرأة الكاتبة وخروجها على المألوف في العرف العربي فلا ارى ان الكاتبة جاءت بشيء جديد فهذه سنة الاولين والآخرين وليت ان الذين اعجبوا بها يعرفون مدى هذا الاعجاب ويحتفظون به لانفسهم نحن لا ندعو الى عالم مثالي لان ذلك لا يتحقق حتى وان كنا ننشد المثالية وقد خدرتنا الدعوات المثالية فلم نقابل المشكلة وجها لوجه حتى نتغلب او نحاول التغلب عليها لكن نعطي الامور فوق طاقتها وبالتالي حرق اولئك النقاد الكرام مواهب الشباب من اول عمل يحاولون به الصعود في بداية الطريق الوعر - فعلا - ولم يمل هؤلاء من التطبيل والاحتفاء الزائد عن الحد بعلم او بدونه - واظن ان الاخيرة اقرب الى الصواب - فالفن الحقيقي رسالة صعبة الحمل وليس الكشف عن المستور كما يلذ لبعضهم تسميته هو المقياس الفني للعمل الابداعي والكاتبة تعلم ان كبار كتاب الرواية والادباء العالميين حاولوا لسنين طويلة حتى تحقق لهم النجاح وهي تعلم ان )إملي برونتي( ظلت تحاول على مدى عشرين عاما من الكفاح في سبيل رواية ناجحة قابلة للنشر قبل ان تخرج روايتها العالمية )مرتفعات وذرلنج(. نحن بحاجة إلى فن روائي ولسنا بحاجة الى درس في الفضائح بأسلوب رديء يعجب به من لا يعرفون فن الرواية ورسالتها الخالدة وليست الرواية درسا في الاخلاق او العكس.
والرواية كما قلنا في مناسبات كثيرة هي الفن القادر على تجسيد كل شيء تعجز عنه الفنون الاخرى لكن هذه القدرة محكومة بأصول الفن الروائي وليس نقل المشهد الحكائي الا صورة مشوهة للفن الروائي عند من لم يتمرس على الكتابة والقراءة الجيدة وهذه اشكالية بُلي بها الفن الروائي في بلادنا من الذين كتبوا اعمالا لا تتسم بسمة الرواية على الاطلاق ثم بُليت الساحة بمن يروجون للاعمال الهابطة على انها روايات.

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved