| مقـالات
تتعرض رواية )ليال أخرى( للروائي المصري محمد البساطي، والصادرة عن دار الآداب، الى سيرة حياة فتاة مصرية تعيش في فترة السبعينيات، وتحمل أحلاما كبيرة بالتغيير والحرية، لكن أحلامها تلك تحاصر بواقع شرس ومضطهد يعجزها عن ايصال أحلامها الى الواقع.
وشخصية البطلة نابضة وحية أبدع المؤلف في اقتطافها من قلب المجتمع المصري، ووضعها في اطار يظهر أدق تفاصيلها النفسية والخارجية ابتداء من شجرة عائلتها وصولا الى توجهاتها السياسية.
هذا الرسم الواقعي الدقيق قد يظل الرمز الخفي الذي تحمله هذه الشخصية والتي يريد الروائي فيها جعلها تحمل شخصية مصر أو بالتحديد تعبر عن مصر بتاريخها الحديث ومعظم الأحداث السياسية التي طرأت عليها، فهذه الفتاة تتزوج من شاب أوروبي حيث ترفض عائلتها الاعتراف بهذا الزواج، ولكن هذاالزواج سرعان ما ينتهي لأنه قد بني من الأساس على صفقة مؤقتة بين البطلة والشاب الأوروبي، وكأن هذا الكاتب يحيلنا منذ البداية الى علاقة مصر مع أوروبا أيام الاستعمار الانجليزي الذي لم يصادف ترحيبا شعبيا بالتأكيد )رفض أهلها للزواج(، ومن ثم تعيش هذه الفتاة حالة قلق وضياع مشتتة بين طموحاتها وبين واقعها فتغرق في حالة اكتئاب تحاول ان تتجاوزها بعملها في جمع الآثار لمتحف صغير من تأسيسها حيث تشارك في رحلات متتالية لجمع الآثار من أقطار وطنها، وهنا إحالة رمزية واضحة الى مصر التي تحاول ان تستجمع نفسها وتبحث عن هويتها الحقيقية بعد ذهاب المستعمر.
ومن ثم تدخل البطلة في علاقات غريبة ومؤقتة مع عدد من الرجال منهم مثقف، وثري عربي وتاجر خردوات في عصر الانفتاح، وجميع علاقاتها بهؤلاء تنتهي نهاية غريبة حيث يتعرضون للقتل في اليوم التالي للقائهم بها، وكأن الروائي يشير الى عجز الكثير من الأيدلوجيات والاستراتيجيات التي مرت بأجواء مصر عن صنع واقع مختلف وجميل لها وبالتالي يصلون الى حتمية المصير وهو النهاية والتلاشي.
ولعل توظيف الرمز الأنثوي اشارة الى مصر ليست سابقة رمزية في الأدب المصري فقد خاض غمار هذه التجربة كل من توفيق الحكيم، ونجيب محفوظ، ومحمد عبدالحليم عبدالله، من خلال عدد من أعمالهم الابداعية.
رواية البساطي )ليالٍ أخرى( تبقيك في تلك المنطقة العصية على الفهرسة والتصنيف فأنت من ناحية لا تستطيع ان تصنفها ضمن الأدب الرمزي، لكن لا تستطيع الواقعية أيضا ان تستقبلها في مدرستها، لاسيما عندما يكتشف القارىء مدى عمق الرمز المتواري في أعماقها، وباعتقادي الشخصي ان الأدب الحقيقي عصي على التنميط السابق، ومتجاوز للمدارس والمذاهب الأدبية، الأدب المبدع المتجاوز له قانونه الخاص الذي ينبع من سياقه ومن المشيئة الفنية في الرواية.
لذا فرواية )البساطي( رواية تخترع قوانينها الخاصة المستمدة من غايتها الإبداعية.
e-mail:omamimakhamis@yahoo.com
|
|
|
|
|