| محليــات
كيف يتحلَّل الإنسان من ذاته...
فالذات لها ذات وليس هذا حديث نفساني، أمسك مجدافه عند شاطىء النفس، ثم أبحر...
ذلك لأنَّ الإبحار في النفس، ليس من شأن أناس دون آخرين، ولا مهمة عالمٍ، أو متخيل...
الذات مركبة لكل ذات تمتطي جسداً وتنبض بها خفقات قلبه...
وهذا الجواد يركض...
يخرج من غمده... كي يشرف على منافذها...
فكيف له أن يتحلَّل من ذاته؟!...
حتى الجماد يكتسي حلل الحياة... حين يكون مرهوناً بذاتٍ يقظة لا منام لها...، ولا هجدة أو هجعة...
والنوم... سُنَّةٌ... من ديدن حاجات الإنسان...
غير أنَّ الذات اليقظة التي لا تنام... لا تعرف هذه السُّنَّة... ولا تتبعها إلاّ متى قُسرت عليها...، ولا يقسرها إلا طبعٌ جُبلت عليه طبيعتها، خارجاً من إرادتها...
منفلتاً عن عقالها...
لذا أيمكن أن يتحلَّل الإنسان من ذاته؟ إذا كان لكلِّ ذي ذاتٍ ألاَّ يتحلَّل عنها،
ومنها؟!...
الإنسان فقط يختلف في قدرته على إعمال عقله...
وعقله ضابطه...
فكيف إن استخدم عقلُه قدراته في التَّناور مع ذاته؟!
كأني بهما يجدّفان في عمق بحر...، يتسابقان في الوصول إلى سعة بعد عن أيِّ منهما...، فلا يقدران... لأنَّهما لاينفصلان...
والإنسان بعقله وبذاته المتضمِّنة عقله، كلٌّ لا يتجزأ...
كيف له أن يتحلَّل من كلِّه، إذا كان لا يقوى على التحلُّل من جزئه...؟!
هذا الكائن مكابرٌ... حتى أنَّه غلبت عليه شقوة مكابرته فوسم أشياءه بصفاته...
وكلُّ أشياء الإنسان، ذات صفات تُماثله...، فهو يُشبه أدواته:
قلمه...، ولباسه، وكلامه، وغذاءه، و... كلُّ ما يصدر عنه، أو يتبادل معه أدواراً تعبِّر عن ممارساته في قوله، أو فعله...
هذا الجواد يركض على الورق...
كأني به الذات التي لا تنفصل...، كأني به هذا الكائن الذي ينطق صمتاً،
ويصرخ في اتقادٍ، لا هدوء له، في كامل الهدوء منه:
ومساحة الركض تتمادى إلى بعدٍ لا حدود ورقية لها...
ذلك لأن القلم هو فارس البحور، والصحراء، والسماء، والنفس: والعقل،
وهو... حامل الطموح، والخيال، والحلم، نحو تفاصيل الأبعاد...
ذلك لأنَّه صاحبه...
متى يقظ... يقظ مثله...
ومتى نام... نام مثله...
غير أنَّ النوم لا نوم فيه، واليقظة لا صمت أو توقف لها...
وهو لا يتحلَّل عن مراكب الإبحار، ولا سفن السفر، ولا قوافي الرحيل، ولا مركبات الأقطار... في حركة الحلم، والأمل، والأماني، والخيال، والرغبة، والتطلع، والأفكار...!
فهلاَّ كان صمت الصمت في ضجيج الاكتظاظ حول أقدام الكائنات... كي يتسنى لهذا الكائن الهادر السادر أن يقرأ حروف هذه الذات... في كلِّ ما يأتي عنها...، وبكلِّ ما يوشمه هذا الجواد في حركته الدؤوبة على تفاصيل كافة الآماد، والأديم، والسديم، والذرات، والمسافات التي يعبِّر بها؟
إنه لو فعل هذا الكائن ذو العقل والطبع والنفس...، لوجد أن الذات لا تتحلَّل من الذات....،
فافتحوا أسفار الحروف...
وهلمَّوا إلى تكوينات الأقلام...
تتعرَّفوا إلى الإنسان، ذاته وأشياءه...
تلك التي لاتنفصل...، تلك التي لا تتحلَّل...
وسلام لكل النَّفسانيين في ملكوتهم.... وضجيج بوتقاتهم.
|
|
|
|
|