أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 12th June,2001 العدد:10484الطبعةالاولـي الثلاثاء 20 ,ربيع الاول 1422

الثقافية

فتاةٌ بدينةٌ
آمنة بنت محمد بن عايض العسيري
)1(
تتهادى ببدنها الممتلئ بين التلميذات، تتحاشى نظرات الفضول، تدخل بثقة انها ستكون الاولى في امتحان اليوم، تحصل على الدرجة كاملة وتحاول الإسراع لأخذ قطعة الحلوى، يسبقها الأخريات بسيقانهن الرشيقة. تتقهقر هي.. تصل بعد أن انقضت قطعة الحلوى.
لقد كنت الاولى يا استاذة لكنهن سبقنني اليك!
لا بأس. خذي هذه الصورة. انها اجمل من الحلوى، ابقيها في ألبومك الخاص.
بعد سنوات تُخرج الصورة، تتأملها، تسكب قطرتين من عينين نديتين، تتذكر ذلك الموقف وتتمتم:
مازلت كما انا تؤخرني بدانتي عن اول الركب، رغم تفوقي!
)2(
تركض نحو الباب، تستقبل والدها بفرح، تتناول ما بيده، تفتح حقائب سفره لترى ما احضره من هدايا، تستعرض ما فيها من فساتين وسيورات تناسب رشاقة اخواتها، ثم تلمح قطعة من القماش، تقع في ركن في الحقيبة، تنتظر خياطا يفصلها بشكل يناسب بدنها المترهل!
)3(
تحاول الاسراع بالخروج من القاعة لتتمكن من اللحاق بالحافلة، تركض نازلة السلالم، تظن انها ستكون اولى الراكبات، تفاجأت بأن الحافلة اكتظت، وان المقاعد قد شغلت كلها وأن عليها ان تبقى واقفة حتى تصل بيتها لكن احدى صديقاتها تتنازل لها عن مقعدها، تجلس عليه لاهثة، تشكر زميلتها، تبتلع غصّة لاتكاد تفارقها!
 )4(
تسمع توبيخ الطبيب في صمت باكٍ، تطرق حتى ينهي سيلا من التحذيرات، تنصبُّ كلها حول توقعات بأمراض خطيرة، ومخاطر جسيمة، تخرج وقد التفت حول رقبتها اخطبوط من المخاوف والتوجسات، تبقى كلماته تتردد على مسامعها، توازي خطوط عجزها عن تطبيق الوصايا الطبية، تضطرب امواج ارادتها الضعيفة، تصدم بصخور صلبة من الإحباط، تبحث عن مخرج فلا تجد غير قلم تسيّل مدامعه كلمات من التعبير.
)5(
تصطف مع الخريجات في مسيرة الاحتفال، تحاول ان تكون كالأخريات، تردد النشيد الوطني، توزع ابتسامات الحبور على الحاضرات، فتتمهل في مشيتها، تصطدم بالتي امامها ترمقها الباقيات شررا، تطرق معتذرة، آسفة لقد عرقلت السير.
تتراجع حتى تكون في آخر المسيرة.
)6(
إنتِ ليش منتفخة؟
إنتِ حلوة لكنك منفوخة!
يمّه بتأكلني ذي.
تستمع الى هذه العبارة من افواه بريئة، تبادلهم بابتسامات تخفي ألماً يوازي احلامها بالتخفيف من هذا العبء الذي يثقلها جسديا ونفسيا، تبتلع حسرتها، وتسير بينهم، تحاول تغيير مجرى الحديث، تنخرط معهم في حوارات لذيذة، لكنه سرعان ما يعلو صوت احدهم وهو يركض:
لو كنتِ نحيفة كان قدرتي تمسكيني!
)7(
ابتهجي.. ابتهجي فما لهذا الوجه الا الابتسام، تردد هذه الكلمات على نفسها، وهي تتأمل وجهها في المرآة، ترتدي عباءتها، تستأذن اباها، تتوجه الى السوق، تتدحرج بين المحلات ببدانتها المفرطة، تسأل عن ثمن حقيبة اعجبتها..
هذه بخمسين ياخالة.
تترك المحل غاضبة، وتخرج فهي في سن ابنائه! تتوجه الى محل الأحذية، يستوقفها حذاء أنيق:
اكبر مقاس من هذا النوع كم؟
اربعين ياخالة.
أرني إياه تقولها بقرف
يخرجه لها، تحاول حشو احدى قدميها فيه فلا تستطيع.. تخلعه بنزق، تخرج وقد قررت ألاّ تكمل تسوّقها.. وتتوجه الى المكتبة.
)8(
تتصل الخاطبة بأمها.. تطلب موعدا لرؤية الفتيات.. تلمحهم وهم يوزعون الادوار. هذه ستحمل صينية الشاي، والاخرى ستبخر الضيفة.. والثالثه ستقدم الحلوى.
ترمق استبعادها من الموضوع بعين دامعة، تمسك كتابا تسلّي بقراءته وحدتها.
)9(
تضطرب نفسيتها، تنهمر دموعها، تستطيل اوقات بكائها، تسود الدنيا في عينيها، تشعر بوخزات في صدرها، تصبح اوقات نومها لحظات تمتلئ بأحلام مفزعة، وكوابيس فظيعة، تفقد شهيتها لكل ملذات الحياة، تزداد شراهتها للأكل، تتناول كل مايقع بيدها دون ان تشعر بطعمه، تنزوي عن الآخرين، تبحث عن ماينسيها همها.
تنخرط في هوايتها تبدع فيها، تطلع الآخرين على ما ابدعت، تريد ان تنسيهم بدانتها، ان يلتفتوا لجوانب الجمال في شخصيتها، بل تريد ان تنسى هي، ألاّ تبالي بمن يذكّرونها دوما بضعف ارادتها، بعجزها الذي تكرهه، تيأس من كل ذلك، وتتشكل عذاباتها نغزات في الصدر الممتلئ.

أعلـىالصفحةرجوع















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved