أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 12th June,2001 العدد:10484الطبعةالاولـي الثلاثاء 20 ,ربيع الاول 1422

الثقافية

3 دقائق =100 سنة
عبدالعزيز المزيني
بدت عقارب الساعة كرؤوس الشياطين ممتدة ابطأ مايكون الامتداد.. وخيمت معزوفة ثلاثية للثواني.. احسست مع تكرارها بمعنى الرتابة.. والملل.. تمنيت ان اخرج الى ثانية جديدة لتتبدل الرتابة.. ولم استطع فقد استحل مكانها صمت اعيه، صوته في اذني كالطنين. اصبت بحالة عدم توازن كانت بداية الخط الفاصل بين تناقض: الصمت والطنين الذي دوى في اذني لثانية.. كأنه حلم.. عدت من جديد الى العزف الثلاثي.. بشبه ارادة هذه المرة وكأنني مخدر تسمرت عيناي في عقرب الثواني اراه يقفز فقط ثلاثا.. ثم تأتي غيبوبة صغيرة.. هنا بدأت افقد المعنى.. ولا استطيع التفسير.. تحطم احساسي.. انفلت الزمن من بين يدي.. اتسعت هوة الغيبوبة.. لامعنى للصخب خلف الجدران.. لامعنى للاصوات.. ليس هناك معنى لاي شيء حولي.. يحيلني كل انتظار لانقضاء هذا الرتم المثلث إلى اهتزاز.. تبدو الاشياء امامي تتراقص مع رقاص الثواني الذي تأكد عزفه الثلاثي.. كأنه رعب لايريد ان ينتهي.. او مجهول سحيق، يلف المكان.. لم يبق في الوعي الا بقايا.. شتات اوراق.. جرائد.. ثوب على الشماعة.. اتمالك عقلي.. فكأني رأيتها تمارس هزة.. وبدت لي الثانية سنة.. تتسع دائرة الغيبوبة مع كل ثانية تفصل الرتم الثلاثي الممل.. احس بفراغ كبير داخلي.. المسافة دهر.. والزمن لا يتقدم.. يأتيك ذلك الاحساس كلما نظرت الى عقرب الدقائق الثابت يعزف ثلاثية اخرى لاتراها هو صامد في انتظار «التسليم» من الثواني المستغرقة في عزفة الموت الثلاثية.. ثلاثاً.. ثلاثاً سرمدية..
تمقت الوقت.. والمكان.. والجدران.. والجرائد.. واوراقك الرتيبة.. ثم يأتيك همّ كبير وانت ترى انتصاب عقرب الساعات كأنه هرم لايتزحزح شاخص ينتظر اكتمال دورتي.. الثواني والدقائق.. سوف يتسلم العزف الأخفى.. للمجهول الخرافي.. من معنى الزمن..
تهتز اوصالك.. ويداك ترتعشان.. وتمارس الثواني امامك جنونها الثلاثي تتشتت من ناظريك العقارب.. تحاول الخروج من اتحاد العزف الثلاثي.. تبدأ حركاتك اللا إرادية تحاكي دائرة الزمن.. تتحرك ثلاثا ثلاثا.. يتحول نبض قلبك الى ارتجافات ثلاث تهز اجزاء جسمك تحس انك ترتفع وتهبط مع الهزات الثلاث.. لقد احكمت الثواني ايقاعها المخيف تماما على حواسك.. كل ماسيصدر منك سيكون حركات ثلاثاً تفصلها غيبوبة في اللاوعي.. وتعود من جديد «تمسك القلم.. تضغط زره.. تضع سنه على الورقة».. ثم يأبى ايقاع الزمن داخلك اكمال الخطوة التالية وتعود إلى الثالوث المميت.. تلمح الثواني في طوافها السرمدي )تعاود رفع سن القلم عن الورقة.. تضغط الزر.. ومن دون ارادتك «ينفك الاصبع الاول.. فالثاني.. فالثالث..» ويسقط القلم( مازالت الورقة امامك يحتويك احساس غريب.. تمسك الورقة تقبض عليها ثلاث قبضات..
ترميها هناك.. وترتكز عيناك قليلا في سلة المهملات.. وتلمح القلم المسجى.. وتهتز الشماعة.. ثم يلف رأسك اللفة الأولى.. تكره آلة الزمن.. وتسري في جسمك رعشة فكل شيء يتراتب.. ينضم لهزات المكان الثلاثية وبدت تتراقص الاشياء ويتلاشى المكان في سمفونية الزمن.. تلتف الى نفسك.. الى جسمك.. ونبضات قلبك تفزعك وهي تتآمر وتنضم الى معزوفة الموت.. الثلاثية.. يصبح جسمك ملكا لاهتزازات الثواني تحس بعزفها يرفعك عن الارض وتهوي من جديد.. لقد احسست برعشة وانتفاضة في احد عروقي.. وقلبي يفقد انتظامه.. وينحاز للزمن يترك فراغا في دورة الدم يتحول الفراغ الى نطفة فاسدة تسري في العروق تصل الى النخاع وتتشكل اول نقطة صداع.. تلمح عقرب الدقائق يتحرك.. والثواني سرمدية.. كل شيء استحال الى اوركسترا رتمها ثلاث.. لم اعد اسيطر على نفسي تراكيب جسمي تتغير.. لا استطيع تفسير ما اراه تبدو الاشياء امامي اصغر مما هي عليه.. لها اشكال محدودة كل شيء مرسوم له خطوط واضحة.. يبدو ان هناك خلية تحترق وخللا في التراكيب الكيميائية.. والكهرو مغناطيسية لجسمي.. صحوت والثواني مازالت في رتمها الثلاثي.. اما الدقائق فلم تتحرك الا ثلاثا فقط.. وكل ماعشته من دقائق ثلاث يشبه مائة سنة غفوت فيها ثم صحوت ووجدت الجدران والثوب والشماعة.. والجرائد.. واوراقي الرتيبة.. والقلم ملقى هناك..

أعلـىالصفحةرجوع















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved