| الاخيــرة
كتبت قبل بضع سنوات أكثر من مقال أدعو فيه الى ادخال مادة اللغة الانجليزية إلى منهج المرحلة الابتدائية، لاعتبارات تربوية وحضارية، ولأن تعلم هذه اللغة، شئنا أم أبينا، يلبي ضرورة تمليها ظروف ثقافية واقتصادية.
واليوم، أتحدث من جديد حول هذا الموضوع لاستمرار الحاجة الملحة إلى طرحه، خصوصاً وأن المناهج التربوية في بلادنا تمر الآن بمخاض نهضوي جديد نأمل أن نرى ايجابياته قريباً بإذن الله.
وعوداً على بدء أقول انني لا أظن أن هناك عاقلاً من البشر ينكر أهمية اللغة الانجليزية لإنسان هذا العصر، أو يرفض حاجته لها، فقد أضحى عالم اليوم قرية معلوماتية ضخمة تربط أوصالها المتناثرة شبكة معقدة من آليات الاتصال الحديث، سابحها وثابتها ومنقولها، وباتت معظم الشعوب، على اختلاف أعراقها وأعرافها وهوياتها، ملتصقة ببعضها التصاقاً أنساها هاجس البعد، وتداخلت مصالحها الاقتصادية والثقافية بدرجة فرضت قدراً غير هيّن من الاعتماد على بعضها، تبادلاً وتكاملاً.
**
* لذا، فقد بات تعلم لغة عالمية، كاللغة الانجليزية، الى جانب اللغة الأم، ضرورة حياتية لا ترفاً حضارياً، مما يعني وجود قاسم لغوي مشترك يسهل التعارف، ويختصر المسافات الشخصية بين الأفراد والجماعات. أفنأتي الآن، في ظل الظروف الحضارية المعقدة التي تربط بلادنا بالقاصي والداني من الدنيا، فنتحفظ على تعليم اللغة الانجليزية لأطفالنا الصغار بحجة عدم جدوى تعليمها في المراحل التربوية المبكرة، ثم ندعهم يشقون بها بعد حين، عبر المرحلة المتوسطة وما بعدها؟!
**
* هناك ثورة علمية ومعلوماتية معلنة تتناقل أصداءها وآثارها القارات الخمس دون استثناء، وتتغير مفرداتها بين لحظة وأخرى، ولها مساس خطير بشؤون الحياة ورفاه الإنسان وبقائه، ومعظم مفردات هذه الثروة العلمية والمعلوماتية وضعت وتوضع بلغة غير لغتنا، لكن لها من الايجابية قدراً لا يقتصر على أهل تلك اللغة، بل يتجاوزهم إلى غيرهم في كل الأمصار.
**
* من جهة أخرى، لم يعد ل «معدة» العقل الحديث صبر على طعام واحد.. الضرورة تقتضي القفز فوق حواجز الجهل بلغات غيرنا من الشعوب.. ابتغاء نفعهم.. واتقاء ضرهم.. ودرءاً لمكرهم!
**
* أفليس من العقل إذن، أن نتعلم لغة أو أكثر.. فلا نظل جميعاً أسرى «طعام» واحد؟! لقد كان أجدادنا المسلمون والعرب الأوائل.. على حق حين ترجموا ما أبدعه علماء اليونان والفرس الى اللغة العربية. ثم رعوا ما حصدوا بحثاً واضافة. وتدور عجلة الزمن.. فيسارع الأوروبيون وغير الأوروبيين الى ترجمة آثار العرب في الطب والفلسفة والعمارة والأدب، ويضيفون اليها، لتهبهم مداخل الى حضارة العصر الحديث!
**
* وبعد.. فهناك أكثر من نقطة جدل تشفع لفكرة تكثيف الاهتمام باللغة الانجليزية، بدءاً بالمرحلة الابتدائية ضمن منظومة التعليم العام، وربما قبلها، والذين يقولون بغير هذا ينكرون أو يتنكرون لحقائق الزمن.. وحيثيات التاريخ والجغرافيا والثقافة، تربوية ونفسية وتاريخية وحضارية، والذين يشككون في جدوى هذا المسار، بحجة وجود صعوبات فنية تعترض آليات التنفيذ.. يفرطون في ضياع كثير من الايجابيات المترتبة على تعلم هذه اللغة في سن مبكر.. ويحملون النشء محنة تعلمها في وقت لاحق.. بعد أن يبلغوا سناً يتراجع فيه استيعاب الجلِّ منهم لمفردات اللغة.. وقواعدها!
**
الأمر، في تقديري، يبتغي اعادة النظر في النتائج التي يستثمرها المتحفظون على الفكرة دعماً لموقفهم، وتشكيكاً في جدوى تعليم اللغة الانجليزية لطلاب وطالبات المرحلة الابتدائية.
أرجو أن نسمع أو نقرأ قريباً تفسيراً جديداً يعيد النقاط الشاردة الى الحروف!
|
|
|
|
|