أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Monday 11th June,2001 العدد:10483الطبعةالاولـي الأثنين 19 ,ربيع الاول 1422

مقـالات

عن بطانتنا الصالحة : سياجات المصلحة الخاصة

د. علي بن شويل القرني
يحكى في قديم الزمان، أن أحد أئمة المساجد كان يدعو في خطبة الجمعة أن يرزق الله أمير المؤمنين البطانة الصالحة التي تعينه.. وكان ضمن المصلين رجلان هما من بطانة ذلك الحاكم.. وأحدهما كان يجيب بآمين باخلاص وخشوع.. فلكزه جاره بكوعه ونهره وقال.. «لو يستجيب الله هذا الدعاء ما كنت أنا ولا أنت في موقعنا في بلاط هذا الحاكم..» ومما نستنتجه من هذه القصة ان بعض الحكام تحيط بهم عناصر غير صالحة تسعى الى تحقيق مصالحها الذاتية دون أدنى مسؤولية للمصالح والأهداف العليا لتلك الدول والأمم.
ومن المعروف ان سياسة الدولة في بلادنا - حفظها الله - تضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وتحرص أيما حرص ان تكون مؤهلات الكفاءة والثقة أساسا للاختيار وتتم عمليات تقصي واسعة ودراسة مستفيضة للأشخاص قبل اناطة المسؤوليات بهم.. هذا يتم في ضوء المصالح الوطنية العليا للدولة.. وإذا كانت عمليات البحث والتقصي تتم من خلال أجهزة الدولة المعنية لكبار شخصيات الدولة من وزراء وأعضاء مجالس ومسؤولي ادارات استراتيجية للعمل الاداري الحكومي، فإن الأشخاص الذين يكونون عادة حول هؤلاء لا يتم التقصي حولهم بالدرجة والكيفية التي تتم للأشخاص ذوي الواجهات الرسمية العليا.. وعادة ما يتم انتقاؤهم من خلال مسؤولي الوزارات والإدارات مباشرة كفريق يعمل مع تلك الشخصيات، ولكن أحيانا )وأؤكد هنا كلمة أحيانا( يكون الاختيار في غير مكانه، حيث عادة ما يتم وفق مصالح محدودة وفي اطار إما القرابة المباشرة للشخص أو الانتماء المكاني للمنطقة أو المدينة أو القرية.. وهذه الاختيارات تكون صائبة وربما تمثل اجتهادات قصد منها الخير والنفع العام، ولكن ربما تتجه أحيانا الى مسارات شخصية أو عشائرية أو قبلية أحيانا.. ومع مضي السنوات تصبح هذه المواقع معاقل يصعب اختراقها من أي شخص آخر خارج اطار هذه المحددات.. وربما يسقط مبدأ كفاءة الأشخاص مقابل علاقاتهم بالوزير أو المدير أو حتى رئيس الشركة وربما حتى في مسؤولي ادارات صغيرة أخرى.
والسؤال كيف يمكن ان نخرج من هذا الاختناق لنضع في دوائرنا ونزرع في شؤوننا أشخاصا وسياجات من محبي المصلحة العامة، ورواد الايثار المجتمعي.. ويصبح هؤلاء هم من يذكرون دائما بالخير ويسعون دوما للمصلحة العامة؟ هذا سؤال في غاية الأهمية وهو لاشك مرتبط أساسا بآليات التعيين والترشيح لأصحاب المناصب الادارية.. فكم مرة تمت التعيينات وفق ظروف حتمتها ظروف شخصية أكثر منها ظروف عامة مفتوحة للناس معروفة للمواطنين.. وكم جهاز اداري يمتلىء بأفراد وجماعات من أصدقاء أو أقرباء المدير أو الوزير أو المسؤول.. فقد يكونون عونا له وليس عونا للجهاز الاداري الذي هم فيه..
البطانة التي تحيط بالمسؤول تتحمل نسبة كبيرة من محتمل الأخطاء ومتوقع المجازفة لذلك المسؤول.. فهي التي ينبغي ان تعين، لا أن تعان.. وهي التي ينبغي ان تواجه لا أن تجامل.. وهي التي تدعو ليقظة الضمير لا لتبلد الأحاسيس.. والبطانة إما ان تكون صالحة يصلح بها المسؤول، وأما ان تكون غير صالحة تضيع معها الحقوق وتتبعثر من خلالها المصالح.. ومن هنا فاختيار البطانة هي من أولويات المسؤولية الادارية التي تحتم اختيار الكفاءة المناسبة للمكان المناسب، بعيدا عن الأهواء والميول والانتماءات.
والبطانة تولد بطانة أخرى منبثقة منها مشابهة لها في محدداتها وموازية لها في الاتجاه ومترجمة لها في مصالحها.. وكلما اتيحت الفرصة لنفس البطانة ان تضيف اليها، تضيف ممن هم منها، ومن هم تحت غطائها، ومن هم في فلكها القريب.. وهكذا تصبح البطانة ككرة الثلج التي تنمو مع مرور الوقت، وتكبر بما تلتقطه من قشور ثلجية تمر عليها ومن خلالها..ومع الزمن تصبح هذه الكرة غير قادرة إلا على النمو، وغير منتجة إلا بمن تحتضنه في طريقها، وبمن علق بها في حركتها.
وتعمل بعض الدول المتقدمة على تدعيم فكرة البطانة التي يختارها المسؤول قياديا أو وزيرا أو اداريا، من خلال تكوين فريق عمل يقوم هو بترشيحه واختياره ليتناسب مع سياساته وبرامجه التي يتوقع تنفيذها للمصلحة العامة. وقد يكون هذا الاجراء منطقيا لكونه يعطي فرصة كاملة للشخص ان يدير أعماله وينفذ برامجه بالشكل الذي يراه والطريقة التي يظن انها تخدم مصالحه. وقد ينجح وقد يفشل ذلك المسؤول. ولكن المهم ان هذا الفريق يغادر مع ذلك الوزير، ويصبح مجرد فريق تكوَّن مع الوزير وذهب معه.. وفكرة المغادرة الفورية للبطانة مع الوزراء ومسؤولي الأجهزة التنفيذية قد تكون صائبة ويتقبلها المجتمع في تلك الدول.. ولكن لا نعرف لها عرفاً في مجتمعنا.. فهذا الفريق يظل متربعا ومحيطا بكل صغيرة وكبيرة في ذلك المرفق، مهما تغيرت الوجوه، وتحولت الأسماء.. فقد يكون للبطانة قوة كذلك في اختيار الآتي دائما اليهم.. وفق الشروط والمواصفات التي تكوَّنت بحكم التاريخ والظروف كشخصية صاغتها البطانة وتلبست بها المرافق والأجهزة لتظل هكذا دائما.. أو هكذا نرى.

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved