| مقـالات
كنت قد نشرت في هذه الصحيفة الغراء اربع حلقات عن قراءتي لكتاب اخي وزميلي الدكتور محمد الثنيان: عبدالعزيز بن رشيد الحماية البريطانية. وكان مما قلته في الحلقة الثالثة المنشورة بتاريخ 8/1/1422ه ما نصه:
«لقد أشار الدكتور محمد الى ان وكيل ابن رشيد الذي فاتح المسؤولين البريطانيين في البصرة بشأن طلب الحماية كان اسمه فهد باشا، وانه؟ ظل بالنسبة لنا مجهولاً».ومن المرجح جداً ان ذلك الرجل كان فهد بن هذال رئيس العمارات الموجودين في العراق من عنزة. وقد حضر - فيما بعد - محادثات رتبتها بريطانيا بين الملك عبدالعزيز وملك العراق. ذلك انه هو الرجل الذي اسمه فهد واشتهر حينداك بلقب الباشا، او «البيق» كما كانت العامة تطلق عليه» ولقد رجحت في قراءتي الاولى ان المراد بفهد باشا هو فهد بن هذّال، وذلك لانه الشخصية التي تحمل لقب الباشوية حينداك، معتقدا ان وكالته عن ابن رشيد في مفاتحة البريطانيين كانت مبنية على اساس انه كان رجلاً له قيمته في جنوب العراق، وبالتالي فإنه كان المناسب للاتصال.
فكان ان عقَّب على ذلك الاخ الكريم عياد بن مخلف العنزي في هذه الصحيفة بتاريخ 8/2/1422ه. وقبل إبداء رأيي في تعقيبه اود ان اعبر له عن شكري الجزيل على اهتمامه، ومحاولته تصحيح ما يمكن تصحيحه، وهذا ما يرجوه ويتمناه كل كاتب هدفه الوصول الى الحقيقة. وأود، ايضاً، ان ابين مدى تقديري لكل قيادة كانت لها اسهاماتها في تاريخ امتنا العربية الاسلامية، ناهيك عن ان تكون من قيادات هذا الوطن، حاضرة او بادية. ولقد كان لقبيلة عنزة بفروعها الكبيرة المتعددة مالها من ادوار مهمة. وكان لآل هذال، بالذات، صدارة في منطقة القصيم، اذ اشترى منهم راشد الدريبي، عام 985 تقريبا، مورد بريدة التي اصبحت مركز الثقل في هذه المنطقة وعاصمتها الادارية. ثم حدث ان استقر اولئك الزعماء في العراق لاسباب وظروف ليس الحديث عنها ذا صلة بموضوع التعقيب.
لقد قال الاخ الكريم عيّاد في مستهل تعقيبه: ان العثيمين اشار «الى ان الشيخ فهد بن عبدالمحسن بن هذال شيخ العمارات من عنزة كان وكيلاً لمصالح ابن رشيد بالبصرة وقائماً على اعماله».
ومن يقارن ما نسبه إليَّ الاخ الكريم عياد، هنا وما ذكرته في قراءتي يتضح له اني لم اقل: ان ابن هذال كان وكيلاً لمصالح ابن رشيد بالبصرة»، ولم اقل: انه «كان قائماً على أعماله». بل قلت:«ان الدكتور الثنيان اشار الى ان وكيل ابن رشيد، الذي فاتح المسؤولين البريطانيين في البصرة بشأن الحماية، كان اسمه فهد باشا». واظن القارئ الكريم يدرك الفرق بين مدلول ما قلت ومدلول ما نسب الاخ عيّاد إلي قوله. فكون فهد بن هذال، او غيره، وكيلاً عن ابن رشيد في مفاتحة المسؤولين البريطانيين في البصرة بشأن الحماية شيء. والقول: اني قلت: إنه كان وكيلاً لمصالح ابن رشيد في البصرة وقائماً على اعماله شيء آخر. وكان جديراً بأخي الكريم عياد ا ن يتدبر ما قلته فعلاً، ثم يعقب بما شاء، لا ان ينسب الي شيئاً لم اقله.
على انه من المعلوم ان شخصيةً ما يمكن ان تقوم وكالة او نيابة عن شخصية اخرى اعلى منها مكانة، او مساوية لها، او اقل منها - بمفاتحة جهة رسمية. ولا يلزم من قيامها بمثل هذه المهمة انها كانت موظفة عندها او تابعة لها.
ولقد بنى الاخ الكريم عياد رأيه في نفي ان يكون الزعيم فهد بن هذال قد قام بما رجحت في قراءتي لكتاب الدكتور الثنيان، انه قام به، وهو الاتصال بالبريطانيين في البصرة، على ما يأتي:
1- التماثل القيادي بين ابن رشيد وابن هذال. فابن رشيد والي حائل، وابن هذال شيخ ووالي «هكذا» قبيلة عنزة في شمال المملكة وجنوب العراق، كما ان بعض القبائل الاخرى المجاورة تخضع لنفوذه.
2- الجانب الاقتصادي. هناك تقابل بين الجوانب الاقتصادية بين ابن رشيد وابن هذال. والبعض يرجح تفوق الجانب المادي عند ابن هذال على ابن رشيد لأن ابن هذال يملك اراضي زراعية واسعة، اضافة الى ثروة ضخمة من الابل والغنم، ولانه كان يتلقى اعانات مالية ضخمة من قبل الحكومة البريطانية التي كانت تستعمر العراق.
3- النفوذ السياسي. فقد كان وضع ابن هذال يرتقي من شيخ قبيلة الى شخصية سياسية مهمة جداً لها نفوذها الكبير في العراق ودول الجوار.
4- واقع العلاقة السياسية بين ابن هذال وابن رشيد وبينه وبين ابن سعود. فهناك ود معروف وعلاقة حميمة تقوم على الاحترام المتبادل بين ابن هذال وابن سعود. وهناك حوادث تاريخية يرويها كبار السن الحافظين لتاريخ تلك الفترة تؤكد ذلك، منها:
- اراد احد الولاة العثمانيين ان يغزو بلاد نجد تحت حكم ابن سعود وجهز جيشاً اناخ ركبه عند ابن هذال حتى يدلهم على اسهل طريق يؤدي الى الدرعية «هكذا». فكلف ابن هذال احد رجاله دليلاً للوالي، واوصاه بأنه عندما يتوسط من كثبان النفوذ عليه ان ينسل خلسة في الليل ويرحل عنهم راجعاً. والنتيجة هي ضياع الجيش التركي وهلاكه في الصحراء. وهو ما يريده ابن هذال تأييداً لابن سعود ومؤازرة له.
- بناء على تحريض من ابن رشيد قام والي «هكذا» بغداد العثماني بزيارة تفقدية الغرض منها التأكد من صحة خبر ابن رشيد من عدمه في تقييم الولاء للسلطان العثماني في قرى نجد. وقد اصطحب معه الشيخ ابن هذال في هذه الرحلة الخ.
5- معركة الجميماء سنة 1910م بين ابن رشيد وابن هذال.
وقبل الحديث عن المراد بفهد باشا - وفق ما اتضح لي حتى الآن - اود التحدث عن الاسس التي بنى عليها الاخ الكريم عياد نفيه ان يكون ابن هذال.
لم يكن من اهداف قراءتي الموازنة بين الامير عبدالعزيز بن رشيد والزعيم فهد بن هذال، لا قيادة سياسية، او نفوذاً سياسياً، ولا مكانة اقتصادية. فأي ملم بتاريخ هذا الوطن في تلك الفترة، وهي سنة 1319ه، يدرك مكانة فهد بن هذال، الذي كان زعيماً لفرع مهم في قبيلة عنزة المشهورة العظيمة الى جانب زعماء آخرين لفروعها الاخرى لهم مكانتهم وتقديرهم. ويدرك، ايضاً، مكانة الامير عبدالعزيز بن رشيد، الذي كان حينذاك حاكماً لنجد بقبائلها المختلفة واقاليمها المتعددة.
وكان مما ذكره الاخ عياد - في مقارنته بين المكانة الاقتصادية لكل من ابن رشيد وابن هذال - ان الاخير «كان يتلقى اعانات مالية ضخمة من قبل الحكومة البريطانية التي كانت تستعمر العراق». والحادثة المتحدث عنها في القراءة كانت سنة 1319ه. واي ملم بتاريخ المنطقة يعلم ان بريطانيا لم تستعمر العراق الا نتيجة الحرب العالمية الاولى التي بدأت عام 1332ه، اي قبل الفترة المتحدث عنها بثلاثة عشر عاما. اما لو قيل: إن البريطانيين كانوا يدفعون مبالغ ضخمة لابن هذال سنة 1319ه فإن هذا يعني ان علاقتهم به كانت في تلك السنة وطيدة. وهذا مما يشجع ابن رشيد على ان يوكله او ينيبه عنه في مفاتحتهم للحصول على حمايتهم. وكان جديراً بالاخ الكريم عياد ان يتأكد من الفترة المتحدث عنها.
وكان مما ذكره الاخ الكريم عياد للتدليل على العلاقة الحميمة بين ابن هذال وابن سعود ان «احد الولاة العثمانيين أراد ان يغزو بلاد نجد تحت حكم ابن سعود وجهّز جيشاً اناخ ركبه عند ابن هذال حتى يدلهم على اسهل طريق يؤدي الى الدرعية «هكذا» الخ.
ومن المعروف ان الدرعية لم تعد قاعدة للحكم السعودي بعد ان اتخذ الامام تركي بن عبدالله الرياض عاصمة له، بادئاً بذلك الدولة السعودية الثانية، وذلك عام 1240ه، اي قبل الفترة المتحدث عنها، وهي سنة 1319ه، بحوالي ثمانين عاما، وعندما كانت الدرعية عاصمة لآل سعود - اي في عهد الدولة السعودية الاولى - وجهت الى الاراضي السعودية حملتان من العراق، الاولى بقيادة ثويني بن عبدالله، زعيم المنتفق، والثانية بقيادة على الكيخيا، مساعد والي بغداد، سنة 1213ه ومن المعروف انها لم تضع في الصحراء، بل وصلت الى الاحساء، وحاصرت الحاميات السعودية فيها. اما الحملة العثمانية التي انطلقت من العراق عوناً للامير عبدالعزيز بن رشيد، سنة 1322ه، فوصلت الى القصيم، وحاربت مع هذا الامير في معركتي البكيرية والشنانة كما هو معروف، فهل ابن هذال الذي اناخ جيش الوالي العثماني عنده، - حسب ما اورده الاخ عياد - هو الباشا فهد بن هذال او زعيم آخر من آل هذال في عهد الدولة السعودية الاولى؟
وكان مما ذكره الاخ عياد للتدليل على سوء علاقة ابن هذال بابن رشيد معركة الجميماء سنة 1910/م1328ه. ومن المعلوم ان المواقف قد تتغير بين زعيمين بين ليلة وضحاها. فصالح بن حسن بن مهنا - مثلاً - كان حليفاً للملك عبدالعزيز سنة 1322ه، ثم انتهى الامر به الى ان اعتقل وسجن، وولّى الملك بدلاً منه ابن عمه محمد العبدالله ابا الخيل، وذلك سنة 1324ه. فانضم محمد الى سلطان بن حمود بن رشيد وفيصل الدويش، وحاربوا الملك في معركة الطرفية سنة 1325ه. ثم حاصره الملك، وعزله عن امارة بريدة.
ومن يتتبع ابن بشر وحده يدرك كيف تتغير مواقف كل من البادية والحاضرة حسب الظروف والمصالح الآنية. بل قد يحدث في احيان مالا يخطر على البال. ومن ذلك ما حدث في مناخ المربع، قرب المذنب، الذي استمرت المناوشات والقتال فيه اربعين يوما من سنة 1249ه فقد كان اساساً - كما قال ابن بشر «ج 2، ص 60» بين مطير وأتباعهم وعنزة واتباعهم. وقد فصل ذلك المؤلف الحديث عنه لان فئات من مطير انضمت الى عنزة، وفئات من عنزة انضمت الى مطير، وفئات من حرب كانت مع احد الطرفين، وفئات منها مع الطرف الآخر. فكان كما ختم حديثه عنه مناخاً «تنافرت فيه القرابات».
وكانت امارة آل رشيد في سنة 1319ه - وهي السنة المتحدث عنها في القراءة - لعبدالعزيز بن متعب، الذي قتل عام 1324ه. ثم خلفه في الامارة ابنه متعب، ثم سلطان بن حمود، ثم سعود بن حمود ثم سعود بن عبدالعزيز، الذي وصل الى الامارة اواخر سنة 1326ه. وعلى هذا فان معركة الجميماء، التي حدثت سنة 1328ه، لم تكن بين ابن هذال وعبدالعزيز بن رشيد المتحدث عن طلبه الحماية، بل بين ابن هذال ورابع امير بعد عبدالعزيز. فلا صلة لها بموضوع الحديث.
اما بعد:
لقد أوضحت ما وددت ايضاحه من عدم نقل اخي الكريم عياد العنزي ما نقله عني نقلاً دقيقاً، وبينت ما اذا كانت الاسس التي بنى عليها نفيه ان يكون فهد ابن هذال هو الذي فاتح المسؤولين البريطانيين في البصرة وكالة عن ابن رشيد ضعيفة او غير ضعيفة. لكني - من ناحية اخرى - اكرر شكري الجزيل لأخي عياد اكثر الله من امثاله المهتمين على تعقيبه. ذلك ان التعقيب دفعني الى مراجعة المسألة كلها. وكان ان استعنت بالله، واستخدمت المكبر لقراءة الوثائق التي اورد صورها الدكتور الثنيان في آخر كتابه. فوجدت ان الذي فاتح البريطانيين، نيابة عن ابن رشيد، وصف بأنه مندوب، ولم يقل عنه «وكيل» وانه لم ترد الا اشارة واحدة الى اللقب وهي:
The Gentleman, Fahad Pasha,..وسبق الاسم بكلمة the Gentleman, قد يفهم منها ان كاتب التقرير لم يكن متأكداً من ا ن فهداً كان يسمى باشا، وانما قال ذلك مجاملة. وسعياً الى مزيد من البحث سألت اخي الكريم حمود بن راكان السبهان هل كان فهد السبهان يسمى الباشا؟ فسأل احد اقاربه، واجابه ذلك القريب بان فهداً كان يتردد الى الولايات العثمانية، مندوباً احياناً من قبل ابن رشيد، ورجّح انه قد منح لقب باشا.
وفي ضوء قراءتي للوثائق الموردة في كتاب الدكتور الثنيان، والاجابة التي حصلت عليها من آل سبهان، اضافة الى ما ذكرته في قراءتي الاولى نقلاً عن الدكتورة سلوى الغانم ترجح لدي الآن ان الذي فاتح المسؤولين البريطانيين في البصرة بشأن طلب الامير عبدالعزيز بن رشيد الحماية البريطانية كان فهد «او فهيد» بن سبهان.
رحم الله من سبق الى الدار الآخرة، ووفق من لايزال حياً للسداد.
|
|
|
|
|