أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Monday 11th June,2001 العدد:10483الطبعةالاولـي الأثنين 19 ,ربيع الاول 1422

مقـالات

3. 7% فقط
د. موافق بن فواز الرويلي
تمثل هذه النسبة «العمر المدرسي» للطالب في مدارس المملكة العربية السعودية وحسبت بتقسيم مدة الفترة التي قضاها الطالب في المدرسة على عمره الفعلي، فالطالب ونرمز له «حسن» هنا، الذي دخل المدرسة قبل عام 1410هـ وينهي اختبارات الحصول على شهادة الثانوية في منتصف ربيع الأول لهذا العام، بلغ عمره ثمانية عشر عاماً الآن، وبهذا يكون «حسن» قد قضى 12 عاما في المدرسة، درس من كل عام 32 اسبوعاً، ودرس من كل اسبوع 5 ايام، ودرس من كل يوم 6 ساعات، وبمعادلة بسيطة نجد ان «حسن» قضى 3.7% فقط من عمره على مقاعد الدراسة)1( وذلك على اعتبار ان «حسن» لم يعد أي سنة دراسة في مشواره التعليمي ولم يتغيب يوما واحدا عن المدرسة، كما انه لم يخرج من الصف المدرسي قط في حياته المدرسية، كما يدخل ضمن هذه النسبة المدة التي قضاها «حسن» في الفسح وأوقات ما بين الحصص والاختبارات، إضافة إلى الأوقات التي قضاها في الرحلات «العلمية» التي تقام أثناء اليوم الدراسي، ولابد من التذكير هنا ان «حسن» تعلم في مدارسنا العامة المتميزة، والتي تمثل نسبة الطلاب للمعلمين في المرحلة الابتدائية منها 12:1.)2( أما النسبة الباقية وهي 7.92% من عمر «حسن» فقد قضاها في أداء الواجبات والضروريات والترفيه والنوم.
ماذا تعلم «حسن» في المدرسة؟
عند استعراض سيرة «حسن» المدرسية، نجده تعلم في المدرسة القرآن الكريم والفقه والتوحيد والحديث والتفسير والأدب والشعر والقراءة والكتابة والخط والاملاء والجغرافيا والتاريخ وعلم النفس وعلم الاجتماع والتربية الوطنية والكيمياء والفيزياء والأحياء والجيولوجيا والرياضيات واللغة الإنجليزية كما تعلم في المدرسة المهارات الحركية من خلال دروس التربية البدنية ورقي ذوقه الفني بدروس من التربية الفنية، وتثقف بمهارات الحاسب الآلي. كما تعلم العبادات والعادات والتقاليد والأعراف والقيم. نضيف إلى هذا كله، ان «حسن» تعلم الامانة والكرم والانضباط والتقدير والاحترام والطاعة والدقة والحرص والنظافة والشجاعة والصراحة والأخوة والعطف والحنان والرحمة والمحبة وأضدادها. بعد هذا الاستعراض السريع لما تعلمه «حسن» من المدرسة وفيها قد يكون السؤال الذي يجب ان يسأل هو: كيف نجح في تعلم كل هذا في زمن قليل من حياته؟
ماذا يراد من المدرسة؟
عند النظر إلى الكم الهائل من المعرفة التي تعلمها «حسن» خلال عمره المدرسي فلابد ان نخلص للقول بأن المدرسة التي تعلم فيها مؤسسة اجتماعية مؤثرة وفاعلة، وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا إذاً يتذمر جار أبي «حسن»، واسمه أبو «حسين» من المدرسة، ويتحدث نقاد التعليم ومسؤولو القبول في الجامعات والكليات وأرباب العمل عن تقصير المدرسة في أداء دورها الاجتماعي، فهذا أبو «حسين» يلوم المدرسة على تقصيرها في تعليم ابنه، مما اضطره لقضاء ساعات طويلة بالتدريس في المنزل نيابة عن المعلم، كما يشتكي من تكاليف الدروس الخصوصية التي دفعها لتدريس «حسين» دروساً «خاصة» في المرحلة الثانوية، أما نقاد التعليم، فهم الفئة التي يقال عنها عادة انه «لا يعجبهم العجب»، فيقولون ان المدرسة بما فيها من إدارة ومعلمين ومنهج وكتب مقررة وطرق تدريس ووسائل ومختبرات ومناخ مدرسي ومبان، لا تحقق الأهداف التعليمية «المرجوة» من تمدرس «حسن»، ولم تُنمِّ عنده القدرات والمهارات والاتجاهات المطلوبة لأداء المهام في «معركة» الحياة العملية. أما مسؤولو القبول في الكليات والجامعات عندما جاءهم «حسن» يبحث عن قبول، قالوا على لسان رجل واحد: رجاء لا تحرجنا يا «حسن»، فأنت تعرف أن عدد المقاعد الدراسية في جامعاتنا وكلياتنا محدود، لهذا نحن نختار «النخبة» من نتاج المدرسة، حسب معايير دقيقة نتبعها غالبا بمقابلات شخصية، ونترك الباقي، كما أضافوا قائلين له: تعرف يا «حسن» إذا كنت من بين «المختارين» للدراسة عندنا فسنعطيك دروساً تكميلية في الكتابة والثقافة واللغات، نظرا لشعورنا «او معرفتنا» بعدم اكتمال تأهيلك المدرسي في هذه النواحي.
ماذا بعد هذا؟
نعم ليفهم الجميع بأن المراد من هذه المقالة هو «الفزعة» للمدرسة في مجتمعنا، بل لا اخفي القارئ بأنني لا أقف عند هذا الحد فحسب، بل «استفزعه» أيضاً ليس للمشاركة في حل أزمة «حسن» أو النظر لمشكلة ابن جاره «إحسان» الذي تخرج في الجامعة منذ عامين ولم يجد عملاً إلى الآن، أو مشكلة عمل ابن جارهم الآخر «عبدالمحسن» الذي لم يكمل مشوار المدرسة وتركها عندما بلغ سن السادسة عشرة ولايزال عاطلاً، فهؤلاء جميعاً أصبحت مشكلتهم قضية وطنية تناقش وتعالج على أعلى المستويات الاجتماعية بمشروعات الاحلال والسعودة وصندوق تنمية الموارد البشرية والتعليم الجامعي الأهلي والجامعة المفتوحة. ولكن «الفزعة» التي أنشدها هي المشاركة في كل مهمة جديدة تتمثل في بحث مشكلة شقيق «حسن» الأصغر، واسمه «حسان» فالصغير «حسان» ابن السنوات الست يعد «العدة» الآن ليلج باب المدرسة بداية العام الدراسي المقبل إن شاء الله تعالى، فهل نرضى ان يتمدرس «حسان» في مدرسة «حسن» ليلاقي المصير نفسه بعد اثنتي عشرة سنة في المدرسة؟
بالنسبة لي تعد سيرة «حسن» المدرسية تاريخا، والكل يعرف بأن أهم فوائد «قراءة» التاريخ هو استخلاص العبر والاستفادة منها في استشراف المستقبل. وبناء على هذا نسأل: ما العبرة التي استفدناها من قراءة تاريخ «حسن» المدرسي؟ وما المدرسة التي نرضاها لتعليم اخيه «حسان»؟
من الواضح ان هناك عدم رضا اجتماعيا لمهمة المدرسة في المجتمع، وهذا ما نلحظه من رؤى ومواقف القوى الاجتماعية المختلفة ذات العلاقة بالمدرسة، والمتمثلة في آراء الآباء ونقاد التعليم والمتعاملين مع مخرجات التعليم المدرسي واطروحات الجهات المعنية بقضايا الشباب في مجتمعنا فإذا كان الأمر كذلك فما نوع «المدرسة» التي يريدها «المجتمع» لتعليم أبنائه؟ هل يريد المجتمع ان يبقي مدرسته على وضعها الحالي مع زيادة الوقت المدرسي، أو يريد توسيع دائرتها، أو عله يريد تجديد المدرسة عن طريق تكليفها مهمة جديدة، وسأعرض بعض الرؤى حول هذه البدائل الثلاثة علها تساهم إيجابياً في بلورة فكرة «مدرسة» المستقبل التي يتصورها المجتمع ليتعلم فيها ابنه الصغير «حسان»:
1 ـ زيادة الوقت: لعل أول هذه الرؤى تنطلق من زيادة الوقت المتاح للتعليم في المدرسة نظراً لانخفاض نسبة «العمر المدرسي» للعمر الكلي في مدارسنا. فمجموع الأيام الدراسية في مدارسنا هو 160 يوما، وهذا يقل 20 يوما عن مدارس الأمريكان و64 يوما عن المدارس في بلاد اليابان، ومن هنا هل يريد مجتمعنا ان يزيد عدد الأيام الدراسية في مدارسنا أسوة بالمدارس بالمجتمعات المتقدمة؟ قد يكون للزيادة أثر إيجابي في زيادة كم ما يدرس «أو يُدرس» في المدرسة. لكني أعد «العمر المدرسي» بوضعه الحالي كافياً في تعلم ما تنشده «المدرسة» حالياً في مجتعنا، وتبين لنا ذلك من كم ما تعلم «حسن» في المدرسة ورضا الجهات التعليمية عن الوضع القائم، حيث لم تقم أي جهة تعليمية بتقويم دورها الاجتماعي أبداً. لهذا أقول لعل المفقود من عالم المدارسة في مجتمعنا يتعلق بنوع ما تعلمه وكيف تعلم ذلك.
2 ـ توسيع دائرة المدرسة: لعل توسيع دائرة المدرسة يأخذ محورين متلازمين: الأول توسع مدرسي تعليمي والثاني توسع مدرسي مجتمعي، وفي كلا المحورين يبقى «العمر المدرسي» على ما هو عليه. ولكن تقوم المدرسة في المحور الأول بتبني ما يعرف بالأنشطة اللامنهجية المفقودة في مدرستنا، حيث يشارك جميع المتعلمين في أنشطة موجهة تشمل المسابقات العلمية والشعرية والرياضية والتمثيلية والخدمة الاجتماعية، ويكون في كل مدرسة ناد لتنمية الهوايات واشباع الميول ومزارع ومختبرات لتجارب العلوم ومختبرات للغات ومكتبات للقراءة والاعارة وملاعب لكافة انواع الألعاب الرياضية الأولمبية. اما التوسع المدرسي المجتمعي فهو انفتاح المدرسة على المجتمع متمثلاً في مطالبة كافة مؤسساته الاقتصادية والحرفية والخدمية في تعليم معارف ومهارات أساسية للشباب تتعدى مجرد التوعية والدعاية.
3 ـ التجديد المدرسي: ينطلق التجديد أساسا من اعتبار المدرسة هي المكان الأساسي الذي تغياه المجتمع لتشكيل أهم أساس اقتصادي للتنمية والتطوير وهو بناء الإنسان، وبما ان مسألة إعداد الإنسان قضية اجتماعية ـ اقتصادية من الباب الأول، أرى ان يكون من بين مسؤوليات «المجلس الاقتصادي الأعلى» تحديد رسالة المدرسة School Mission في المجتمع، حيث يتم تحت هذه المظلة استخلاص رؤى الفئات الاجتماعية وتقويم مخرجات المؤسسات التعليمية دورياً للوقوف على مدى تحقيقها لرسالة المدرسة. وبذلك تصبح مسؤولية تحقيق طموح المجتمع في «مدرسة المستقبل» من مهام الجهات التعليمية التنفيذية.
وفي النهاية أرجو ألا ننشغل جميعاً في قضية مدرسة «حسان» فقضية مدرسة اخته «عواطف» من القضايا التي تحتاج إلى مناقشة اجتماعية جادة.
أستاذ المناهج المشارك ـ كلية التربية ـ جامعة الملك سعود مستشار التدريب ـ المعهد المصرفي ـ مؤسسة النقد العربي السعودي
muwafig@yahoo.comوmuwafig@ksu.edu.sa
)1( العمر الزمني - 18 \ 365\ 24 = 157680 ساعة، العمر المدرسي = 12 \ 32 \ 5 \ 6 = 11520 ساعة.
)2( انظر تقرير المملكة العربية السعودية بعنوان «التعليم للجميع» «جدول رقم 15» المقدم إلى اليونسكو على الموقع:
http://www2.unesco.org/wef/ countryreports/home.html
في الإنترنت باللغة الإنجليزية وبإمكانك قراءة الكثير من تقارير الدول العربية الأخرى باللغة العربية في http://www.unesco.org.lb/arabic/index.html

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved