أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 10th June,2001 العدد:10482الطبعةالاولـي الأحد 18 ,ربيع الاول 1422

وَرّاق الجزيرة

ما فات المغلوث في عين نجم؟!
عبدالله بن أحمد آل ملحم
رغم الإهمال من بلدية الأحساء لعين نجم ومنتزهها الجميل عفوا أعني الذي كان جميلا.. إلا أن عين نجم وحبها ما زالا مقيمين في وجدان الأحسائيين، محفورين في ذاكرتهم، رغم إغلاق العين ومنتزهها منذ زمن، ورغم خرابها وذبول أشجارها من سنين.
ومع هذا كله فما تزال هذه العين في سويداء قلب كل أحسائي. وما من شيء أدل على ذلك مما قام به المهندس خالد بن احمد المغلوث الذي أفرد ل«عين نجم» مؤلفا خاصا بها أسماه «عين نجم بالأحساء.. عمران مكان وسياحة استشفاء» حاول فيه استقصاء كل معلومة عن عين نجم فأمتع وأفاد مع ما فاته من أمور سنأتي على ذكرها في مقالنا هذا وهي:
أولاً: ذكر المهندس خالد في ص11 أن العين «سميت بعين نجم نسبة الى موقع سقوط نيزك كما هو شائع عند الأهالي.
ثم قال: وفي اعتقادي انه لا يمكن الاطمئنان الى هذه التسمية لافتقارنا الى نصوص موثقة وثابتة النسبة والجزم. انتهى».
والصحيح أن الذي قال: إن العين سميت باسم النجم الذي في السماء هو الشيخ حمد الجاسر في «معجم المنطقة الشرقية» ج3 ص1235، 1236 حيث قال: «عين نجم على اسم النجم الذي في السماء، ولعلها كانت موضع سقوط نيزك».
أما استبعاد المهندس خالد لنسبة العين الى نجم من نجوم السماء لوجود مسميات أخرى في الأحساء عرفت باسم نجم كمنطقة نجم ودروازة نجم.. فهذا بعيد لان اتحاد الأسماء لا يعني اتحاد المسمى بحال، ولا سيما الأشخاص والبقاع، ففي مكة المكرمة شرفها ا لله يوجد مقام ابراهيم المنسوب الى نبي الله ابراهيم عليه الصلاة والسلام، وفيها أيضا طريق إبراهيم المنسوب الى حلاق يدعى ابراهيم!! والأمثلة على ذلك كثيرة. كما ان إيراد المؤلف لرواية بعض الأهالي )؟!( الذين يرجحون نسبة العين الى نجم بن عبيدالله بن غرير بن عثمان الخالدي أحد أمراء البيت الخالدي الحاكم المذكور في أحداث سنتي 1105ه و1118ه، وكذلك في 1117ه بصفته أميرا للحاج الأحسائي والمنسوب اليه مسجد نجم بالمبرز أيضاً.. فكل ذلك لا يكفي لنسبة العين اليه، وذلك لسببين:
أولهما: عدم وجود دليل يثبت النسبة الى نجم بن عبيد الله المذكور، ولا سيما أن الأهالي الذين رجحوا نسبة العين الى نجم بن عبيدالله لم يسمهم المؤلف، ولم يذكر صفتهم أعلماء محققون، أم عوام يرجمون، ولا سيما إذا تذكرنا أن مؤرخ الأحساء الشيخ محمد بن عبدالله آل عبدالقادر، الذي تكلم عن عيون الأحساء لم يذكر في تسميتها شيئا، ولو صح لديه شيء لذكره كما ذكر أصل تسمية عين الخدود.
ثانيهما: بالنظر الى طبيعة المنطقة نجد أن بعض معالمها المهمة مثل قصر خزام وقصر صاهود نسبا الى علمين غير معروفين، هما خزام وصاهود.. ولا أحسبهما إلا المشرفين على بنائهما، وان لم يكونا كذلك فما عساها ما أن يكونا؟! والناس حتى يومنا هذا لا يعلمون من أمرهما شيئاً.
على ان هذا الأمر ليس على إطلاقه فهناك الكثير من المعالم المهمة في المنطقة منسوبة الى أعلام مشهورين بيد أن ما ذكرنا يدخل في دائرة الاستثناء الشاذ الممكن، ومع ذلك فان يجري ما يقابله مجرى القاعدة فلا يسعنا قبوله بغير دليل.
أما تسمية عين نجم بهذا الاسم فما أخالها إلا لسببين:
الأول: أن عين نجم تقع خارج الريف الأحسائي، وهي أقرب الى الصحراء منها الى العمران، فلا يتوقع أن يداً بشرية قد امتدت لحفرها، والممكن المعقول أن انفجار مائها كان بسبب سقوط نيزك كما قال الشيخ حمد الجاسر، وبعض الأهالي ومنهم علماء مثل الشيخ محمد بن عبدالله آل ملحم المتوفى عام 1408ه حيث جسد هذا المفهوم في قصيدة في عين نجم:


جئت أروي حديث نجم عجيب
راقه حسن أرضنا واستمالا
غلب الشوق صبره فتهاوى
من علاه محطماً.. أغلالا
فإذا الماء دافق ونمير
يغمر السهل مده والتلالا

وقد ترسخ هذا المعنى في وجدان الأحسائيين، جيلا بعد جيل، حتى رأيناه ماثلا في مطلع قصيدة للشاعر الشاب صلاح بن هندي، حيث يقول:


هوى نجم السناء على بلادي
يقبل خدها شوقاً ووجدا

هذا سبب. والآخر: لأن القباب المضروبة على العين قد أشيدت بيد بَنَّاء تركي يدعى «نجم الدين» وقد سألت الشيخ سلطان بن عبدالله آل ملحم عن قصيدة شقيقه الشيخ محمد آل ملحم في عين نجم، حين قال:


إذ بنى ذلك البناء عليها
«نجم دين» فتم فيها الكمالا

فقال: الذي نسمعه من مشايخنا أن الذي أشاد حمامات عين نجم وقبابها بناء تركي يدعى «نجم الدين».
قلت: ولهذين السببين مجتمعين سميت العين بهذا الاسم نسبة الى نجم السماء الذي أجرى الله به ماءها، ونسبة الى نجم الدين الذي أشاد بناءها.
ثانياً: ذكر المهندس خالد في ص16 الأحداث التاريخية التي وقعت في عين نجم تحت عنوان:
« عين نجم في ذاكرة التاريخ» ثم ساق تلك الأحداث حسب تسلسلها الزمني فقال: «خضعت منطقة الأحساء لحكم آل سعود، وبايع أهالي الأحساء وقدموا الولاء والطاعة، للإمام سعود بن عبدالعزيز سنة 1212ه عند عين نجم في فترة الدولة السعودية الأولى».وانتهى نقلا عن موزل في شمال نجد.
قلت: الصحيح أن أهل الأحساء بايعوا الأمير سعود بن عبدالعزيز في سنة 1207ه وليس في عام 1212ه كما ذكر المهندس خالد، وبايعوه والإمامة يومذاك لوالده الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود المتوفى سنة 1218ه وعليه فلم تكن الإمامة للأمير سعود يوم بايعه أهل الأحساء ولم تكن مبايعتهم له في سنة 1212ه كما ذكر المهندس خالد.. الذي كان يكفيه العودة الى المصادر الأصلية لتاريخ بلادنا كتاريخ ابن غنام المعاصر للحدث والمتوفى سنة 1225ه، وكذلك ابن بشر في تاريخه، إذ المعلوم أن بني خالد ظلوا يحكمون الأحساء حتى أوقع بهم الأمير سعود بن عبدالعزيز في الشيط سنة 1207ه ويحدثنا ابن بشر عن قدوم الأمير سعود بن عبدالعزيز الأحساء .
فيقول: «فسار سعود من الشيط ونزل الردينية الماء المعروف في الطف وأقام أياما وأتته المكاتبات مع رسله من أهل الأحساء يدعونه اليهم ليبايعوه فارتحل منها وسار الى الأحساء ونزل عين نجم خارج البلد فخرج اليه أهله وبايعوه على دين الله ورسوله والسمع والطاعة». وقد ذكر هذا الخبر ابن غنام وابن عبدالقادر وغيرهما من حوادث سنة 1207ه.
ثالثاً: بعد الحدث الآنف الذكر الذي سها المؤلف عن ذكره في حوادث سنة 1255ه نأتي على حدث آخر سها المؤلف عن ذكره أيضاً.
ففي سنة 1288ه دخل الترك الأحساء على إثر الخلاف الدائر بين الأميرين عبدالله وسعود ابني الإمام فيصل بن تركي وقد كان الأمير عبدالله بن فيصل مع الترك في الأحساء يظهر الميل اليهم، ويطمع في نصرتهم، بخلاف أخيه سعود، وأثناء إقامته بينهم حذره أحدهم بغدرهم به، فاستأذن للخروج الى عين نجم للاستجمام والاستحمام فأذن له، فخرج بمعيته أخوه محمد وابنه تركي، وعليهم حراسة من الترك، فلما أقبلوا على عين نجم أخذوا يتطاردون على خيلهم، ويبتعدون شيئا فشيئا، حتى أوغلوا في الصحراء فلم يقف لهم الحرس على أثر. هذا ملخص ما رواه الشيخ ابراهيم بن صالح بن عيسى في عقد الدرر، وكذلك الشيخ محمد آل عبدالقادر في تحفة المستفيد وغيرهما.
رابعاً: فات المهندس خالد أيضاً أن يذكر بيتين من الشعر للشيخ عبدالعزيز بن عبداللطيف آل مبارك المتوفي سنة 1343ه قالهما بمناسبة عرض تقدمت به شركات أجنبية لبعض التجار للمساهمة في إنشاء شركة للتنقيب عن النفط قرب عين نجم سنة 1342ه. ولماذا عين نجم بالذات وليس عيناً أخرى من عيون الواحة وما أكثرها؟! هذا سؤال ينبغي الإجابة عنه للتاريخ. ويقول الشيخ عبدالعزيز:


مد العدو لنا من كيده شركه
حتى تصيدنا في هذه الشركة
أمسى يعلمنا الدينار أن له
سرا يؤلف بين الذئب والسمكة

خامساً: في ص20 تحدث المهندس خالد عن «إعمار عين نجم» فذكر أن أول إعمار لها كان في سنة 1155ه تقريبا حسب رواية سليمان الدخيل.
ورغم ان تاريخ الدخيل عن الأحساء فيه الكثير من الأخطاء إلا أن تلك المعلومة عن عين نجم قد تكون صحيحة، لكون الدخيل ينقل عن الحوليات «السالنامات» العثمانية التي كانت السلطات العثمانية تكتبهاعن ولاياتها مثل ولاية البصرة وتوابعها ومنها الأحساء والقطيف فَلْيُلاحظ هذا.
سادساً: كذلك تحدث في ص 20 عن عين نجم، وبدء إعمارها، وصفة بنائها، حتى انتهى الى هدمها في عهد الإمام فيصل بن تركي سنة 1277ه، ثم مضى يذكر مشاهدات تشيزمان للعين في عام 1925م «1343ه» ووصفه لمبانيها ومرافقها، دون أن يذكر عن إعمارها التالي لهدمها في سنة 1277ه.
فمتى أشيدت مباني العين التي وصفها تشيزمان في سنة 1343ه؟
الصحيح أن حمامات عين نجم بقبابها وغرفها قد أعيد بناؤها بعد دخول الترك الأحساء للمرة الثانية في سنة 1288ه. وظلت كذلك حتى عهد الملك عبدالعزيز يرحمه الله حيث حظيت بإصلاح وعناية واهتمام.
سابعاً: في ص25 تحدث المهندس خالد عن عين نجم وما أنشد فيها من شعر، تحت عنوان «عين نجم في رواق الشعر» فأورد قصائد ومقطوعات لعدد من الشعراء منها ثلاثة أبيات من قصيدة للشيخ عبدالعزيز بن حمد آل مبارك المتوفى في سنة 1359ه، رغم ان القصيدة عشرة أبيات كلها في عين نجم، فهل ترى القصيدة لم تصل الى المهندس خالد كاملة؟ ربما، ولا سيما أنه لم يحل الى مرجع البتة فلعله حفظ تلك الثلاثة الأبيات وحسب للفائدة نذكرها كاملة كما أوردها صاحب شعراء هجر:


ردوها فهذا حيث تنبسط النفس
ويستحسن المرأى وينتهب الأنس
فلله عين جل مبدع صنعها
ومن خلقه سبحانه الجن والإنس
تفكر أخي في صنع ربك واعتبر
أناراً ترى في الماء يدركها الحس
عجبت لشيخ راح يعكس مدحها
بذم ويأبى الله ما حقها العكس
حبست ركابي قاصفا في قبابها
ثلاثة أيام وقل لها الحبس
وشاطرني فيها السرور عصابة
كهول وشبان وأغلمة خمس
غطارفة ماضر من راح يجتلي
محاسنهم أن لا تقابله الشمس
تدور علينا من جنى البنى قرقف
مشعشعة حمراء يصبو بها القس
سقى الله واديها بغاد مجلجل
يلث له في كل ناحية رجس
فإنا أصبنا الأنس في عرصاتها
وأبنا ولم تستوف بهجتا النفس

ثامناً: في ص20 تحدث المهندس خالد أيضاً عن إعمار عين نجم من سنة 1155ه الى عهد الملك عبدالعزيز يرحمه الله وما بعده في الصفحات 33، 38، 39، 42، 45، 46، 49، 50، وذكر بعض المناسبات التي شهدتها العين وما قيل فيها من بعض زائريها، إلا أنه لم يتكلم عن واقعها المؤلم الذي تعيشه اليوم!!
لم يتكلم عن برك الاستحمام المغلقة منذ سنوات!!
لم يتكلم عن منتزهها المعطل منذ زمن!!
لم يتكلم عن مصابيحها المكسرة، وممراتها المهشمة لم يتكلم عن حقولها العطشاء وأشجارها الذابلة!!
لم يتكلم عن صورتها الموحشة إذا جن الليل ولفها الظلام!!
لم يتكلم عن ذلك كله.
رغم إن من أوجب واجبات المؤرخ أن يصف خراب المعالم واندثارها، كما يصف عمرانها وازدهارها.
ختاماً هذه بعض الملاحظات التي توقفت عندها أثناء قراءتي لكتاب «عين نجم بالأحساء.. عمران مكان وسياحة استشفاء.. دراسة تاريخية ووثائقية» الصادر في أواخر العام المنصرم 1421ه لمؤلفه المهندس خالد بن أحمد المغلوث.

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved