| عزيزتـي الجزيرة
منذ وصولي لأرض الوطن الحبيب من واشنطن العاصمة الأمريكية وأنا في صراع مع الزمن وقد بدأ ذلك عند خروجي من مطار الملك خالد الدولي حيث استقبلني هذا الجهاز الطائر والمنتشر في عاصمتنا الرياض بصورة غير طبيعية.. وكأن هذا الجهاز الطائر محبب للنفوس فانتشاره ملحوظ في كل مكان في الشوارع والمنازل ويقطن في العاصمة الرياض كثير من بني البشر فلو تم اعداد إحصائية بعدد سكان العاصمة من هذا الجهاز لربما تغلب على أعداد السكان من بني البشر.
والأمر المستغرب بأننا على الرغم من تطورنا الطبي والوعي والثقافة الطبية التي وصلنا اليها سواء على المستوى الفردي او الاجتماعي ومعرفتنا بأن من بين المسلمات أن الجوال ينقل ويسبب العديد من الأمراض إلا أن جميع الجهات المختصة في سبات عميق وكأن الأمر لا يعنيها في شيء.
ومع معاناتي كغيري من سكان الرياض من هذا الانتشار الغريب لهذا الوسيط الذي يسمونه الجوال إلا أنني قد كنت أهرول هارباً من جهة الى أخرى لكي أهرب من هذا الطائر الغريب الانتشار ولكي أستطيع أن أرتب أموري لكي تستقر حياتي بعد غربتي ومن بين أصعب ما واجهني وأضحكني في نفس الوقت تلك المعاناة الكبيرة للحصول على هاتف جوال فقد أصبحت في يوم وليلة جوالاً بدلا من أن أحصل على جوال وقد استيقظت في صباح ذلك اليوم وأنا كلي أمل وتفاؤل بأن أحصل على هذا الجوال بكل يسر وسهولة.
وقد بدأت مشوار الحصول على هاتف جوال بالبحث عن الجهاز المناسب وأسعاره الباهظة والتناقضات في الأسعار وما بين ضمان شركة ووكالة وقد احترت كثيرا حول ذلك وقد احترت أي جهاز بعد أن أصابني الملل وحتى أخلص من هذا المأزق وتوجهت بعدها لشركة الاتصالات فرع المرسلات وعند دخولي من الباب الرئيسي تذكرت حراج ابن قاسم فقلت لأحد الواقفين بكل بساطة هل هذا حراج ابن قاسم أم شركة الاتصالات؟! فضحك وهو يهز رأسه بكل قوة وحماس وهو يقول: أتركك من هذا المزاح الثقيل وخذ بيدي وتعال لأساعدك فإنك تستحق المساعدة والرأفة فمددت له يدي وأنا كلي خوف مما سوف أجد أمامي وفجأة شاهدت ذلك الشاب الهمام الذي كان في وضع محرج لنفسه وللشركة فلا يمكنه ان يستطيع تقديم الخدمات بصورة جيدة ولا يمكنه تقديم الإجابات الدقيقة لكل هذه الأعداد الهائلة من هؤلاء المراجعين وقد فهمت منه بصعوبة بالغة ضرورة تعبئة النموذج الخاص بطلب هاتف وأنّ عليّ أن آخذ رقم تسلسل طلب الخدمة من ذلك الجهاز وقد كان رقم التسلسل هو 155 والرقم الذي وصلته الخدمة 23 .. وقد كنت مستغربا من وضع ذلك الشاب الوحيد في مثل هذا الكاونتر المزدحم باستقبال كل هذا الكم من المراجعين .. والأهم من ذلك نتساءل لماذا تضع شركة الاتصالات هذا الكاونتر في المدخل مباشرة؟! ألا تعلم الشركة بأن ذلك قد يعيق الدخول والخروج من والى هذه الصالة؟! وبعد انتهائي من تعبئة النموذج حاولت أن أفهم هل هذا كل ما أحتاجه فأجابني موظف الكاونتر بأن عليك أن تسدد رسوم تأسيس الهاتف الجوال.
فقلت له: وأين يمكنني أن أسدد هذه الرسوم؟ فأجابني بقوله: في أي بنك يا أخي!.. فشكرته وذهبت سيرا على الأقدام للبنك المجاور لمبنى الهاتف وأنا أحمل طلب الهاتف بيدي فقابلني رجل أمن البنك وهو يسألني: هل تريد تسديد رسوم تأسيس هاتف؟ فقلت له: نعم يا أخي فانتظرت منه بأن يقول لي اذهب لذلك الموظف ولكنه فاجأني بقوله: جميع البنوك تقبل تسديد تأسيس الهاتف ما عدا بنكنا. فقلت له: لقد أخطرني موظف شركة الاتصالات وقال لي بأن جميع البنوك تقبل رسوم تأسيس الهاتف. فقال موظف الأمن: هذه معلومة غير دقيقة. فخرجت مهرولاً لسيارتي لكي أسدد في بنك آخر يبعد مسافة ليست بالقليلة وإذا بهم يقولون بإمكانك التسديد في بنكنا ولكن في فرع السليمانية فخرجت مسرعا نحو سيارتي وأنا أحاول أن أخفي تعجبي وابتسامة صفراء على وجهي وقد وجدت بنكا آخر بعد أن تجولت في الشوارع المجاورة وقد جاء الفرج وسددت رسوم التأسيس لهذا الجوال عداً ونقداً وخرجت مسرعاً نحو سيارتي وأنا أنظر الى رقمي الخاص بتسلسل الخدمة وكلي خوف من أن يكون الدور قد وصلني حينما كنت أتجول بين البنوك خارج الصالة ولكن المفاجأة بأن الرقم لم يتزحزح إلا قليلا وقد وصل الخدمة رقم 55 فقط فجلست على أقرب كرسي انتظار وأنا في قمة الذهول والاستغراب من أنه لم يمض خلال كل ذلك الوقت سوى 32 مراجعاً فقط رغم وجود أكثر من 15 كاونترا في هذه الصالة، فبدأت أتأمل في المراجعين والموظفين وإذا ببعض من جاءوا للمراجعة كانوا متسلحين ومعتمدين على عارفيهم بالشركة وآخرون يدخلون من أبواب خاصة جانبية دون الحاجة للانتظار ودون أي مراعاة لمشاعر الآخرين من المراجعين الملتزمين بالتنظيم المعمول به من شركة الاتصالات .. وبعد انتظار طويل رفع أذان الظهر فذكرت الله ونظرت للرقم الذي وصلته الخدمة فإذا به قد وصل 99 فقررت المغادرة والعودة في يوم الغد مبكرا حيث انني قد سئمت هذا الانتظار الماراثوني للحصول على هذا الجوال.
وفي صباح يوم الغد حضرت لشركة الاتصالات ووجدت أن رقم الخدمة قد وصل رقم 30 وقد كان رقم الانتظار الخاص بي 87 وبعد أن وصلني الدور للخدمة الساعة 30.11 توجهت لموظف الكاونتر وإذا بأحد من أدخل بقوة علاقته المميزة بالموظف يقف أمام شباك الخدمة فقال لي الموظف: انتظر لحظة حتى أنجز موضوع هذا المراجع فهو قبلك في الانتظار.. فحجبت ابتسامة صفراء أخرى وعندما تفرغ من انهاء أمر من لم يحترم النظام بمساعدة من يعمل بهذه الشركة أنجز موضوعي وقال لي: سوف يعمل هاتفك في حدود ساعة واحدة وقد مرت أكثر من ثلاث ساعات ولم تدب الحياة في جوالي فقررت التوجه لنفس الموظف والذي قال لي: آسف فقد كان هناك خطأ في الكمبيوتر وقد عدلته وسوف يعمل هاتفك في حدود ساعة واحدة فقط وهذا لم يحصل كذلك .. وعند غروب شمس ذلك اليوم اتصلت بخدمات الهاتف الجوال لكي يعالجوا الأمر ولكن الموظف قد فاجأني بقوله: بأن الهاتف لا يمكن أن يعمل قبل 24 ساعة من طلبه .. فقلت له: لقد أخبرني موظف الهاتف بأن الهاتف سوف يعمل اليوم. فرد الوظف بأن هذه المعلومة غير صحيحة وعليك الانتظار ليوم الغد.. فشكرته وعند الساعة الثانية عشرة من ظهر اليوم التالي لم يتم تشغيل هذا الجوال المزعج فاتصلت أطلب مساعدتهم وحل هذه المعضلة الجوالية فقال لي الموظف: إذا لم يعمل الهاتف الساعة الثالثة اتصل بنا. وقد كان ذلك الاتصال من مكتب أحد زملائي فقال لي هذا الزميل العزيز: أتريد أن أتدخل لأحل أمر هاتفك؟! فقلت له: أرجوك أن تفعل إن كنت تستطيع عمل أي شيء في أمر هذا الجوال.. وقد فعل وإذا بهاتفي يعمل بأقل من لمح البصر!!.
وهنا فقط أتساءل لماذا تحدث كل هذه المرمطة للمواطن؟! ومن وجهة نظر شخصية بحتة فإنني أتصور أن معظم هذه السلبيات وغيرها مردها الى الاحتكار القائم من قبل شركة الاتصالات فلو كان هناك أكثر من شركة تتنافس على تقديم هذه الخدمة فسوف يكون هناك تسابق على الوصول لأعلى مستوى من الخدمة وهذا في صالح الوطن والمواطن.
ولو تم ذلك لاستطعنا الحصول على الجوال او غيره بأسرع من هذه الاجراءات وتم تلافي الكثير من السلبيات .. وختاما أود أن أشير بأن الكثير من شركات الاتصال في العالم تقدم خدمات الهاتف الجوال من خلال مكاتب مبسطة في الأسواق المركزية وبإمكان الراغب في الحصول على هاتف جوال أن يخرج من السوق ومعه هاتف جوال يعمل في نفس اللحظة وبدون رسوم تأسيس وبجهاز جوال مجاني كذلك .. فهل تستطيع شركة الاتصالات أن تؤدي مثل هذه الخدمات بمثل هذه السرعة وبأقل الأسعار؟ أقول نعم وبكل تأكيد ولكن ذلك ممكن فقط في حالة أن يكون هناك تنافس بين أكثر من شركة وألا يكون هناك احتكار كما هو قائم حاليا .. كما يجب أن نعي وندرك حقيقة مهمة ألا وهي أننا قد تجاوزنا مرحلة التخصيص لهذه الخدمة وعلينا أن نبحث في تطويرها من حسن الى أحسن ولن يتم ذلك إلا عن طريق كسر هذا الاحتكار وفتح باب التنافس بين الشركات المقدمة للخدمة.
والعجب العجاب بأنني قد قرأت خبرا بأن شركة الاتصالات سوف تقدم خدمة طلب الهاتف عن طريق الاتصال بالهاتف وكذلك بواسطة الانترنت فضحكت من كل قلبي وتمنيت لو أستطيع أن أبقى على الأمل لأنه لا بد أن يبقى الأمل لنبقى معه، والله من وراء القصد وهو الهادي الى سواء السبيل.
عبد الله بن ابراهيم المطرودي - الرياض
|
|
|
|
|