أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 10th June,2001 العدد:10482الطبعةالاولـي الأحد 18 ,ربيع الاول 1422

محليــات

لما هو آت
زمنُكَ أيها الإنسان
د. خيرية إبراهيم السقاف
الزمن..
حينٌ من الزمن..
هو طواحين، متداخلة بتداخل لحظاته التي لا ينفكُّ يعجز الإنسان عن الفصل بينها، فكلَّما عبرت لا يدرك إلا بعد حين أنها تنقص ولا تزيد، بينما هو يراها العكس..
إنها طواحين تختلف عما تعارف عليه هذا الانسان جذرياً، فهي ليست طواحين هواء.. إنها طواحين تعصف كما الريح بهوى الإنسان للزمن، إذ يغريه منه البقاء، ذلك لأن الإنسان ضئيل أمام هذه الطواحين، لا يقوى على عتيَّها الداخلي، ذلك الذي يطوِّح به دون أن يملك له حول أو قوة..
طواحين هذا الزمن، المحدود في حينه، الطاحوني في طبعه تفتك بوهم الإنسان في قدرته على الصمود كما يشاء أن يكون، أو كما يرغب في أن يبقى...
والإنسان أمام هذا الزمن موهوم...
ذلك لأن وهمه يُخيِّل له أنَّه قادر على التَّقلب في الحياة كيفما يريد له هواه، فينقلب عليه زمنه قالباً له ظهر المجن،.. ولكل منقلبٍ زمني وجهه الذي لا يدوم..
ذلك لأنَّ ليس للزمن وجه واحد..
وهذا محك قدرة الإنسان، ومحك ما هو مستقر في جوفه..
فبوصلة الإنسان ما في داخله..
إما أن توجهه الوجهة المنقذة فيقوى وينجو..
وإما أن توجهه الوجهة المغرقة فيضعف ويهوي..
وكأني في تقلب الإنسان بين كفَّتي الزمن أراه في صيفه وشتائه.. حيث في الصيف يتولول، وفي الشتاء يخدع!.. ينطلق من الهجير صيفاً، ويبيت من الزمهرير شتاء.. وفي هذا دليل على أن الحياة في زمنه رحلة صيف هو بضاعتها، يعقبها شتاء في رحلته يكون هذا الإنسان بضاعته، وبمرور الإنسان بضاعة لرحلتي الصيف والشتاء للزمن يحقق فيه قول الشاعر الإنسان منه:
«وما كذب الذي قد قال قبلي ... إذا مرَّ يومٌ مرَّ بعضي»
والإنسان مع معرفته لهذه الحقيقة..
ولإدراكه بمرور بعضه كلما مرحين من الزمن به..
إلا أنَّه يجدُّ.. ويشطُّ، ويتقلَّب مع حينيَّة الزمن..
عارضاًَ بعضه أملاً ووهماً رغم حقيقة عرضه لكلِّه، وخسارته لبعضه..
ومع ما في هذه الحقيقة من ألم.. إلا أنَّه غير قادر على إزاحة هذا الألم عنده، ذلك لأنه غير متكيف مع حقيقة الزمن المنطوية في انطوائه على امتزاجه على نقصانه في كماله..،
فالبقاء محالٌ.. وتلك حقيقة الحقيقة في حين الزمن، في مهمة طاحونية الزمن،
في واقعية عدم بقاء الزمن..
في دورة الحياة ودورها في الزمن..
فالدهر لا يُبقي الانسان..
وهو ليس منوطاً باستمراريته، ولابديمومته..
ذلك لأن الأرض لا يبقى عليها الانسان إلا حيناً منه، ويدفع أناس بآخرين كي لا تفسد الأرض، ولا تكتظ الدنيا، ولا يتدافع الناس بأوهامهم ولا يتنابزون بأحلامهم..، فلكلِّ منهم دورته الصيفية والشتائية كي يحقق فيها ما يطمح إليه، ويدفن فيها ما يعجز عنه،
إن الإنسان واهم في الحياة التي يفقد في طاحونة زمنها، وزمن طحنها بعضه بعد بعضه..، وأبخس الأثمان هو الوهم..، لأن أمحل المحال هو البقاء.. والغرور هو صفة داره..
فالدنيا دار غرور، فكيف والإنسان فيها يستنبت فسائل الوهم بالبقاء، كي يصنع من فروعها مجاديف الطمع في البقاء، رغم كل الشواهد، وكافة الأدلة الناطقة فيه وفيما حوله بالرحيل؟!
أيها الباقي مؤقتاً..
الراحل دون ريب..
المسافر إجباراً نحو أزل الأزل.. نحو أبد الأبد..
ألا تصالحت مع حينيَّة الزمن، كي تُبقي شيئاً من بعضك، موشحاً به درب محطات الزمن، الطاحن في مروقه، الذي لا تراه..، يقودك الى النهاية من حيث لا تدري؟!

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved