| عزيزتـي الجزيرة
عزيزتي الجزيرة
بعد التحية
ونحن على ضفاف اجازة حبلى بالمشاريع الزواجية المباركة ركض دائب يزرعه القوم لهاث متواصل في ساحات الاسواق، استعداد حافل.. بحث حثيث عن مظاهر ملائمة للافراح.. وكم من فتاة شمرت عن ذراعيها ومضت تكتب تفاصيل الزيجة وترسم الخريطة.. وتجوب الديار في خضم فرحة عارمة تغمر نفسها وسعادة تسيح على محياها.. وهي تستعد لعبور بوابة الزواج والابحار في عالمه الجميل تريد ان ترى نفسها.. تحس بوجودها.. وترتب مفردات بيتها الزوجي..
ويظل الزواج بالنسبة للمرأة حلما جميلا يتوغل في اعماقها وخيالا سارحا في ذهنها المتوج.. يظل الزواج لحواء. امتدادا واعتدادا وهوية تمنحها الشخصية والاستقلالية والاحساس بطعم الاسرة وروعة الحياة الزوجية.
هكذا يتجلى الزواج افقا فسيحا يزرع في نفس المرأة الراحة والسعادة والسكن..
ولكن كم من امرأة مكلومة حظها مبعثر.. وظروفها متكالبة.. عاندها الزمن.. وطغت على حياتها قسوة المواقف.. واستبدت بأيامها رنة الاسى. هي امرأة تحمل المشاعر.. تذرف الاهات.. تجتر الحسرات.. تسترجع ذكريات حزينة.. وتستمرئ العزف على وتر الهواجس.. مضت تقيم مقارنات ممتدة بينها وبين قريناتها.. توازن بين ظروفها المرة وظروف غيرها.. ربما ذرفت الدموع.. ارهفت السمع لاسطوانات ذاتها المسكونة بالانكسار.. ورنت للافق بحثا عن مشروع زوجي ينتشلها من خيوط العنوسة.. ويخلصها من براثن الوحدة ومن انياب الفراغ.. ربما كانت امرأة مغلوبة مرت بتجربة زوجية فاشلة او صدمت بواقع زواجي كئيب.. وقد تكون فتاة شامخة ضحت بسني الزهور لتقف مع اسرتها تعول امها وتربي اخواتها..
حقا هذه هي الظروف قاسية.. ثقيلة حينما تجتمع على الانسان فما بالك بامراة تطل عبر شرفة الزمن المر.. تفتش عن دوائر خلاص.. وعن ثقوب امتصاص.. تمتص لظى المواقف الموجعة..
وليس ثمة حرج في زوج يقتسم معها حدة الظروف.. ويكون عونا وسندا حتى ولو كان هذا الزواج يحمل هوية مسيار.. ألستم تقولون «زوج من عود خير من قعود» أليس هذا افضل لها من الوحده والانطواء والضغوط النفسية.. اليس من حقها ان تركض فوق بساط الزواج حتى ولو كانت «زوجة على البند»!
لاتحرموها من البحث عن متنفس ذلك ان زواج المسيار افضل من البقاء دون زواج ولاسيما وأن ظروفها تفرض عليها التضحية والقناعة بممارسة بعض طقوس الزواج والفرحة برؤية زوج صالح قادر على السمو بها والمشاركة الوجدانية المؤثرة.. برغم اختلاف الاخراج في احداث هذا الزواج..
فضلا.. اعيدوا قراءة الابعاد النفسية والمجتمعية لزواج المسيار.. لاتغضوا الطرف عن ثمار مباركة يمكن ان يحققها لامرأة غارقة في بحيرة الظروف.. منهمكة في اجترار الهواجس.. لاتطلبوا منها ان تمسك بكل الخيوط. ودعوها تستكمل الدوائر.. انظروا الى اهداف هذا الزواج برؤية موضوعية متزنة منصفة بعيدة عن العرف المجتمعي السائد الذي ربما اغتال مشاعر امرأة وألغى احاسيس انسانة تريد ان تستشعر معنى الزواج.. وان ترى زوجا صالحا يقرأ ملامح بيتها.. يهبها مفاتيح المشورة.. يعينها على نوائب الدهر.. وهي راضية.. قانعة بالمسؤوليات التي يمكن ان يقوم بها هذا الزوج.. لانها لم تحلم بالرجل المطواع الذي يجوب بها الاسواق.. ويذرع معها دروب الاماني.. ويفتح لها بوابات المساء الطلق.. نعم.. لم تحلم بالرجل المتفرغ الذي يمنحها خرائط الفسح واماكن التنزه.. منتظرا اشاراتها وملبياً رغباتها.. انما هي امراة صابرة محتسبة تسعد بالرجل الطيب الذي يطمئن عليها بين حين وآخر.. يمر عليها قدر استطاعته يقرأ افكارها.. ويثمن صمودها وتضحياتها.. وهي قانعة بالحقوق التي يمكن ان تحصل عليها من هذا الزواج.. حتى ولو كانت غير كاملة.. مهلا.. معشر القوم.. لاتئدوا الامل الذي تفيض به نفس امرأة كادحة.. لاتخنقوا البسمة التي قد تسيح على شفاه اصابها الجفاف.. دعوا شلالات البهجة تتدفق فوق الملامح المنهكة..
عجبي منك يا بعضاً من فئات المجتمع.. حينما تلذ بالنقد والتجريح عبر رؤية مليئة بالتصحر والقسوة تحاكم المشاعر وتسطو على الارادة وتزرع الساحة بالتبريرات المعلبة والاسطوانات الجاهزة!!
عفواً لم تكن تلك التداعيات سوى وقفة عابرة امام نظرة جائرة لشريحة من النساء وقعن تحت نكبة الزمن وتعبن امام تيارات الظروف ولم يظفرن بالزواج المثالي.. وأردن ان يلتحقن بالقافلة.. افلا نمنح الفرصة لأولئك الكادحات.. الباذلات.. فلربما كان زواج المسيار خيراً من الانتظار.. وبعيدا عن سطوة المصطلحات وعقدة المسميات.. ارفعوا الاحراج عن هذا الزواج.. لان هناك نساء جالسات يردن ان يرمقن ازواجاً صالحين ولديهن الرضا والقبول والقناعة في زمن العزوف، وفي وقت بات الشباب يزرعون الشروط ويفتشون عن المواصفات الخاصة جدا في شريكة العمر، وينقبون عن زوجات وفق رؤية مثقلة بالاحلام.
محمد بن عبدالعزيز الموسى - بريدة
|
|
|
|
|