| تغطية خاصة
الحمد لله القائل:«ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها» فاطر:2وصلى الله وسلم على معلم الناس الخير محمد، القائل: «إذا مات ابن آدم انقطع عنه عمله إلا من ثلاث: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» رواه مسلم.
أما بعد:
فقد استبشر المسلمون عامة، وطلاب فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله ومحبوه خاصة لنبأ إعلان قيام مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية بعد طول ترقب.
فقد مضى على وفاته رحمه الله خمسة أشهر كاملة. والواقع أن الفترة المنصرمة كانت فترة مخاض لميلاد مؤسسة خيرية، شهدت لقاءات متعددة، ومشورات متنوعة لكي تخرج بأجمل صورة، وأبهى حلة، لمستشرفيها من أهل العلم والإيمان، وأهل البذل والإحسان الحريصين على وصل ما انقطع من عمله رحمه الله.
وأحسب أن الله تعالى جمع في هذه المؤسسة جوامع النفع التي تبلغ الميت، المشار إليها في الحديث النبوي الآنف الذكر، ففي المؤسسة:
أ صدقة جارية، ونهر مطرد على الفقراء والأرامل والأيتام والمعوزين، كما أنها تعمر مساجد الله، ليذكر فيها اسمه بالغدو والآصال، ما تعاقب الليل والنهار.
ب علم ينتفع به بما تقوم به من نشر واسع لتراث فضيلة الشيخ، وترجمته إلى شتى اللغات الحية، ومنح الأذونات للراغبين في التحقيق والنشر، وتسهيل امورهم فضلاً عن رعاية شؤون طلاب العلم في جامع ابن عثيمين، وإعانتهم على سلوك سبيل الطلب بشتى صور المساعدة المادية والعلمية والمعنوية.
ج مبرة لأولاد صالحين يدعون له بالقول والفعل، فقد انبرى أبناء الشيخ رحمه الله منذ الأيام الأولى لوفاته لطمأنة محبي الشيخ على بذل قصارى جهدهم في سبيل استمرار العطاء الذي كان يبذله والدهم أو بعضه، لذلك دعوا إلى توحيد جهود المخلصين الناصحين من خلال عمل مؤسسي منظم، يقوم على قواعد معتبرة، وضوابط مطردة، وفق اللوائح المنظمة للعمل الخيري العام.
ومن ثم جاءت هذه المؤسسة المباركة امتداداً لعمل مبارك وضع بذوره فضيلة الشيخ رحمه الله، واحتمله بنوه ومحبوه من بعده.. وما كان لله بقي، وما كان لغيره ذهب واضمحل، وإن أي عمل خيري يحتاج بعد توفيق الله إلى تكاتف الجهود، وتلاقح الأفكار للوصول إلى الصيغة المنشودة التي تتحقق بها الآمال والتطلعات والمؤسسة مرآة للمجتمع عامة، ولأهل العلم والاحسان خاصة، إن مفاتيح الخير التي وضعها الشيخ رحمه الله بين أيدينا يمكن أن تظل غفلاً هملاً ينحت منها الزمن، وتندرس مع توالي الأيام وكر السنين ويمكن للمخلصين الناصحين أن يفتحوا بها خزائن من العلم والفضل تطال القريب والبعيد وهذه سنة الله في الأخذ بالأسباب.
لقد طوى النسيان ذكر أفاضل وأماجد أفنوا أعمارهم في طاعة الله، ونفع المسلمين لكن لم يقيض لهم من يعتني بآثارهم، ويحافظ على مكارمهم، فانقطع ذكرهم وعملهم، وفي المقابل هيأ الله لبعض العلماء تلامذة ومحبين رددوا علومهم، وضبطوا أصولهم، كما جرى للأئمة الأربعة فخلد الله ذكرهم، وبقي نفعهم وبرهم. وإني لأرجو الله أن يقسم الله لشيخنا من ذلك أوفر الحظ والنصيب.
لقد كان رحمه الله في مثل هذه الأيام من العام المنصرم 1421ه قد أحيط علماً بحالته الصحية، وأدرك بثاقب فكره، وعميق تجربته دلالة ذلك الخبر، فلم يرع، ولم تهتز له قناة، ولم يفترعن عمل خير كان يسلكه ويجري عليه طيلة عمره، حتى أتم الدورة الصيفية السنوية في الجامع الكبير، دون أن يشعر أحداً بشكوى وصبر الصبر الجميل، حتى أتاه اليقين فنسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يبرد مضجعه بما أسلف من صالح الأعمال، وبما ينفعه الله به من آثار، وبما يتحقق من خلال هذه المؤسسة من علم نافع، وإغاثة ملهوف، وسد فاقه، إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم وبارك على عبده ونبيه محمد وآله وصحبه، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
كتبه د. أحمد بن عبدالرحمن عثمان القاضي
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
|
|
|
|
|